أعد الملف: عبد الله الطحاوي

عندما نضع الإخوان والأقباط على طاولة النقاش، فالأمر يستلزم وقتًا أكبر لاستيعاب الحقائق وصدرًا أوسع للاختلاف وأفقًا رحبًا لاقتناص ما هو مشترك بين الجانبين، وفي نفس الوقت ليست العلاقة بينهما قابلة للاكتفاء بلغة المجاملات والتهاني والقبلات السائدة بين الخطاب الرسمي والكنيسة.

 

ومن حيث الخبرة التاريخية فقد كانت نظرة الإخوان للأقباط باعتبارهم جزءًا من الأمة الإسلامية التي هي وحدة واحدة جامعة لكل مَن يقر لها بالولاية السياسية ويقدرون في أدبهم الفكري موقف الفقه الوسطى من غير المسلمين وما أتاحه الشارع الحكيم من حقوق ومزايا قانونية وقضائية للأقليات، وفهم الإخوان أيضًا أنَّ صحوتهم الدينية كهوية ومشروع حضاري ليس موجهًا ضد الأقباط ولا لتأكيد مصالح فئوية أو تكريس للثروة في صالح الأغلبية على حساب تجويع الأقلية ولا يهدف لإزاحة الأقباط من المشاركة السياسية داخل مؤسسات الحكم وهم بعيدون عن ذلك تمامًا، وبالتالي لا يمكن مقارنتهم بما يريده الهندوس في الهند أو الطوائف في سوريا أو لبنان؛ لأن الأغلبية العددية للمسلمين في مصر كفيلة بإنجاز هذه الأمور ولا حاجة لتكريسها عبر مشروع حضاري يحتاج عقودًا وجهودًا فكرية وحركية لإرسائه، وقد قدَّم الإخوان هذا الفهم عمليًّا حيث كانوا آخر فريق يمكن أن يتوتر منه الأقباط ولا يذكر أن أحدًا من الإخوان تحيز طائفيًّا ضد أحد من أهل الكتاب ولا اشترك في أي ضررٍ للأقباط في نفسه وماله وعرضه، ومن ثَمَّ فالعلاقة بين الأقباط والإخوان في مسار الحياة العامة كان مثالاً نموذجيًّا للتسامح والتقدير، وهذا منبعه الأسس الشرعية الوسطية التي ترتكز عليها جماعة الإخوان والتي حالت بينهم وبين الغلو والشطط، وهذه الأسس في نفس الوقت قابلة للحوار والاستفادة من الأطروحات الاجتهادية التي تنسجم مع إشكاليات العصر وتتحرى تلقي الحكمة من أي فهم، يسهم في إنارة الوعي العام لا سيما إذا كانت تتحمس لإعطاءِ مزيدٍ من الحقوق لغير المسلمين مثل إسهامات الدكتور محمد سليم العوَّا والمستشار طارق البشري والدكتور محمد عمارة بخلاف تأصيلات علماء الجماعة أمثال المستشار عبد القادر عودة، والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ الغزالي والدكتور توفيق الشاوي وغيرهم..
لذلك من الخطأ الشديد أن يتوهم بعض الأقباط أن التحالف مع الاتجاهات العلمانية المغالية هو الضمانة الأكبر لقيمهم وعقائدهم وأن محاولات البعض الاستقواء بالمستعمر سيمنحهم امتيازات ومزايا، فهذا كله لعب بالنار لأن العلمانية قبل أن تكسر القيم الإسلامية ستجرف الكنيسة المصرية وأهم أسرارها العقائدية كالأحوال الشخصية وستحرمهم من مزايا الشريعة التي وفَّرت لهم التعددية القانونية والقضائية فالجميع سيتحاكم أمام قانون مدني فرنسي أو روماني لا يحترم الخصوصيات الثقافية والعقائدية، فضلاً عن التضحية بنضالهم التاريخي من أجل استقلال كنيستهم وكم الضحايا الذين ذهبوا ضحية هذا الاستقلال ويوقنون بالخطر الخارجي الذي يريد كثلكة العالم أو نشر المذاهب الغربية في صعيد مصر، وبالتالي فتوهين الإسلام ضد الكنيسة وليس لصالحها وأن أي مشكلة من ذلك قابلة للاستيعاب أما الخطر الخارجي فهو كارثة غير قابلة للمواجهة وسيكون الأقباط أكبر الخاسرين.