الشهيد سيد قطب

 

بقلم: كامل عبد الفتاح (باحث دكتوراه)

تؤكد دراسة حياة سيد قطب أنَّ أفكاره قد تطورت تطورًا كبيرًا من فترةٍ لأخرى ففي بداية حياته العملية اهتمَّ بالكتابةِ في الصحف وإن فضَّل التدريس على الصحافة، كانت كتاباته أدبية بالدرجة الأولى؛ حيث اهتمَّ بالمعارك الأدبية في ثلاثينيات القرن العشرين حتى أصبح ناقدًا أدبيًا يُشار إليه بالبنان، وفي نهاية العقد الثالث تحول إلى الكتابة الاجتماعية خصوصًا بعد إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية وبروز مجلتها "الشئون الاجتماعية" فشارك فيها بمقالاته الاجتماعية حتى أصبح أبرز كُتَّابها بسبب العلاقة التي ربطت بينه وبين وزير الشئون الاجتماعية "عبد العظيم عبد الحق" ثم لجودة مقالاته التي بحثت في جذور المشكلات الاجتماعية ووضعت الحلول المنطقية لها.

 

وفي تلك الفترة التفتت أنظار الإخوان المسلمين إلى سيد قطب لمقالٍ كتبه عن العري على الشواطئ ذكر فيه أفضل الحلول هي ترك الشواطئ لاهية لاعبة فذلك خير ضمان للأخلاق بحجة أنَّ الجسد العاري لا يُثير الشهوة، وقد توصلنا إلى أنَّ ذلك المقال ليس دليلاً على مجون سيد قطب بل دليل على محاربته للفساد الخُلقي بطريقة غير مألوفة- لا نوافق عليها- ودليلنا أنَّ مقالاته جميعها لا يوجد بها حضٌّ على الفساد، بل كان دائمًا يحارب الغناء الماجن ولا يسمح بحرية الاختلاط ويضع القيود عليها، واعتبرها سببًا من أسباب الأزمة الزوجية وحارب البغاء ووضع الحلول المنطقية للقضاء على دور البغاء بمحاربة منابعه ورعاية البغايا لمساعدتهم على التوبة، ولم يكتف بالنص على تجريم البغاء في القانون.

 

اهتمامه بالفقراء

وغلب على اهتماماته دراسة مشكلات الفقر والجوع في الأرض، والدعوة للارتقاء بالقرية والمدينة وتقريب الفوارق بين الطبقات، وفرض الضرائب التصاعدية على الأغنياء مع دعم الاحتياجات الأساسية للفقراء وربط الأجور بالأسعار، ومحاربة الغلاء المصطنع، وجشع التجار، واقترح إعطاء المواطنين حق الضبطية القضائية، وبذلك كان أول مَن دعا إلى ضرورة إشراف الدولة على الأسعار حماية للفقراء.

 

وكان يؤمن بأهمية دور الدولة لذا طالبها بالتدخل وفرض الإصلاح بقوة القانون فاقترح إصدار مجموعة قوانين أخذت الدولة برأيه في بعضها وأهملت البعض الآخر حينًا من الزمن، ومن ذلك أنه طالب بإصدار مشروعي قانون النقابات وقانون عقد العمل وقانون آخر يضع حدًا أدنى للأجور مع تعديل الحد الأقصى لساعات العمل وتعديل قانون إصابات العمل وكانت دعوته عام 1941م.

 

واعترفت الحكومة بالنقابات العمالية في 6 سبتمبر عام 1942م وصدر القانون رقم 72 لسنة 1946م الخاص بتنظيم ساعات العمل في المحال التجارية ودور العلاج والقانون 106 لسنة 1948م للتوفيق والتحكيم في منازعات العمل ثم قانون عقد العمل الجماعي، مما يعد تنفيذًا لاقتراحات قطب وغيره من المصلحين.

 

مشكلة الهجرة

ومن المشكلات التي تعرَّض لها قطب ولا زالت الدولة تبحثها إلى الآن مشكلة الهجرة من الريف إلى المدينة والتي ناقشها في الأربعينيات ونادى بضرورة حلها عن طريق توفير فرص العمل في الريف والتوسع في استصلاح الأراضي وتوفير الخدمات لأهل الريف مع الاهتمام بالصناعات الزراعية وتحسين السلالات الحيوانية، كما طالب بالإسراع في إصدار قانون التأمين على الماشية، وهي مقترحات تسعى الدولة لتطبيقها اليوم في محاولةٍ منها لسد الفجوة الغذائية.

 

ثم تحول من اقتراح إصدار القوانين إلى نشر نماذج لقوانين دعا الدولة إلى الأخذ بها وكان قد نشرها في مجلة الفكر الجديد عام 1948م منها قانون بفرض الضرائب التصاعدية على الأغنياء وآخر يحدد الملكية الزراعية بمائة فدا