الله عز وجل يحب عباده؛ فقد اختص الإنسان بنفحة علوية، وميَّزه على سائر المخلوقات؛ وجعله خليفةً له في الأرض.. ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(70)﴾ (الإسراء).

 

فالله سبحانه يحب بني آدم ويحب لعباده الخير ويكره لهم أن يعملوا بعمل أهل النار ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ (الزمر: من الآية 7)، وذلك لأنه يريد لهم جميعًا أن يكونوا من أهل الجنة.

 

ومن مظاهر حب الله لعباده كرمه البالغ وهداياه المتنوعة إليهم، وهل تكون الهدية إلا من محب؟!

إن هدايا ربنا لا تنقطع أبدًا عنا، بل يغمرنا بها ويتحبَّب بها إلينا، وهو من هو سبحانه!! يتحبَّب إلينا وهو الرب الغني الذي لا تنفعه طاعةُ عباده ولا تضره معصيتُهم.

 

هذا الإله العظيم الجليل يتودَّد ويتحبَّب إلينا بتلك الهدايا.. عن محمد بن مسلمة الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لربكم في أيامِ دهركم نفحات، فتعرضوا لها؛ لعله أن يُصيبكم نفحةٌ منها فلا تشقون بعدها أبدًا"، ومن هذه النفحات أيام مثل يوم عرفة، والذي يغفر صيامُه ذنوبَ عامين، ويوم عاشوراء، ويوم الجمعة.. فالجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، وكذلك العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما.

 

ومن أعظم تلك النفحات الربانية شهر رمضان.. ومن عجب أن شهر رمضان قد جمع أكثر من نفحة، ففيه أيام الجمعة، وفيه قد يقوم المسلم بعمرة، والعمرة في رمضان تعدل ثواب الحج، وفيه ليلة القدر، وفيه يكثر العتقاء، وتكثر الرحمات والبركات، وتتضاعف الحسنات وتُمحَى السيئات.

 

رمضان قادم ليؤكد لنا حبَّ الله عز وجل لعباده، على الرغم من إعراضهم عنه ومخالفتهم لأوامره؛ وانتهاكهم لحرماته، فهو سبحانه يريد لهم الخير، ويهيِّئ لهم الجوَّ المناسب لكي يتخذوا القرار بالعودة إليه والصلح معه.. فيا لفرحتنا ببلوغ رمضان!!

أخي في الله.. رمضان على الأبواب.. رمضان هدية رب العالمين إلينا، تحمل في طياتها ما يعيدنا إليه ويقربنا منه، فماذا عسانا أن نفعل؟!

إنها فرصةٌ لا تأتي إلا مرةً في العام، وما يدرينا أين سنكون في العام القادم؟!

هيا بنا نحسن الاستفادة من تلك النفحة، ونغتنم تلك الفرصة، ونستبق الخيرات.

 

ولكن وقبل دخول السباق لا بد أن نحدد الهدف الذي نسعى لبلوغه في رمضان؛ حتى نضع الوسائل المناسبة لتحقيقه، وذلك حتى نستفيد جديًّا من تلك الفرصة الذهبية.

 

وقبل تحديد أهدافنا خلال الشهر علينا بوضع بعض الأمور في الحسبان.. تلك الأمور في غاية الأهمية لكي تُبنَى الأهداف على أساس سليم، وهي:

- أننا نريد أن نستمر على الاستقامة والهمة العالية التي نكون عليها في رمضان إلى ما بعد رمضان؛ لأن الواضح هو انحسار الاستقامة ونقصان الهمة بعد رمضان لدى الكثيرين.

 

- أن نعلم أن الاستمرار على الاستقامة متوقف على منسوب الإيمان الذي ينشأ في القلب خلال شهر رمضان.

 

- أن أهم شيء ينبغي توفره أثناء أداء الطاعات المختلفة هو حضور القلب، فليس الهدف كثرة العبادة كمًّا، ولكن الأهم كيفية أدائها ومدى استفادة القلب منها: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ (الحج: من الآية 37).

 

إن حضور القلب مع الطاعة يجعلها أكثر ثوابًا، وأوفر بركةً، وأروحَ للنفس والقلب، وذلك كله بسبب الزيادة الملموسة في الإيمان حين يتواطأ القلب مع الجوارح أثناء أداء العبادة.

 

كل هذه النقاط يجب وضعها في الاعتبار قبل تحديد أهدافنا التي نرمي إلى تحقيقها في رمضان.. إن رمضان هدية عظيمة وعلى قدر عظمها ينبغي الاستعداد لاستقبالها.. أسأل الله أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا رمضان.