- اشترينا أول مقرٍّ لإخوان الشرابية بـ45 قرشًا في الشهر

- حضور درس الثلاثاء كان يعني الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين 

 

حوار- حسونة حماد

الحاج يوسف قتة من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأحد مؤسسي شعبة الإخوان المسلمين بالشرابية من مواليد 1913م، تعرَّف على الإخوان المسلمين عام 1933م، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن وهَبَ نفسه لله، وعاش حياته كلها مجاهدًا في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى؛ وواجَهَ خلال هذه الفترة محنتَي 1954، 1965، واعتُقِلَ في محنة 1954 لمدة 18 شهرًا ثم اعتُقل مرةً ثانيةً في محنة 1965 لمدة 6 سنوات.

 

عند حديثه إلينا قال: أنا لا أتكلم سوى عن الإخوان، وذكرياتي الشخصية التي تريد أن أتحدث عنها ليس لها قيمة بالنسبة للحديث عن الإخوان، وعندما بدأ يتحدث وجدته يحمل حبًّا لكل مَن يرفع شعار الإخوان قديمًا وحديثًا أحياءً وأمواتًا.

 

والحاج يوسف قتة رغم أنه يبلغ من العمر 93 عامًا إلا أنه لا يجلس في أي جلسة من جلساته إلا ويتحدث فيها عن الإخوان، وعن فكر الإخوان الذي صاغه الإمام الشهيد حسن البنا.. فتعالوا نتعرف على ما قاله لنا:

 

* الحاج يوسف.. كيف اتصلت بجماعة الإخوان؟!

** كنت دائمًا أذهب إلى زيارة أولاد خالتي في الشرابية، وخاصةً في يوم الجمعة، ففي إحدى المرات لم أجد فتحي أحد أولاد خالتي الأربعة، فسألت عنه فقالوا لي: في مشوار!! وفي الجمعة التالية حدثت نفس الحكاية، وفي الجمعة الثالثة قلت سأنتظره حتى يأتي، فعندما دخل علينا وجدته يحمل بطانيةً تحت إبطيه، فقلت له أين كنت؟ فقال لي: انتظر، ثم أخذني إلى غرفته وقال لي كنت في كتيبة مع الشيخ حسن البنا (المرشد العام للإخوان المسلمين)، والكتيبة دي فيها قراءة قرآن ومحاضرات علم، وقيام ليل وتهجد، وغير ذلك، وقال لي إذا كنت تريد أن تتعرف عليهم فتعالَ معي لنحضر درس الثلاثاء للمرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ حسن البنا.

 

وعندما ذهبت معه يوم الثلاثاء وصلنا قبل الدرس بوقت قليل، فقال لي فتحي: تعالَ نسلم على العاملين بالمركز العام للإخوان المسلمين، فدخلنا عليهم، وقال لهم- وكانوا تقريبًا عشرة أفراد-: هذا يوسف ابن خالتي، فسلموا عليَّ بحرارة شديدة، وأخذوني بالأحضان والقبلات، وقابلوني مقابلةً طيبةً وكأنهم يعرفونني منذ وقت بعيد، فاستغربت من ذلك فقال لي: هؤلاء هم الإخوان المسلمون، ثم سمعنا الدرس، ورجعت إلى الشرابية، وفي الدرس التالي ذهبت ومعي سبعة من أصدقائي وأقاربي من المنطقة، ثم في الدرس الثالث ذهبت ومعي 15 واحدًا، وعندما كثُر عدد الإخوان في الشرابية قرَّرنا أن نستأجر شقةً؛ لتكون مقرًّا لنا، وكان إيجار الشقة (ثلاث غرف) بـ45 قرشًا في الشهر.

 

حكاية الشيخ إسماعيل

* هل تعرضتم لمضايقات معينة في بداية تكوينكم للشعبة، وخاصةً عندما استأجرتم مكانًا معروفًا للجميع؟!

** عندما أردنا أن نعلن عن الشعبة وقف الأستاذ متولي عقيل- وكان كاتبا صحفيًّا كبيرًا- ليعلن عن الشعبة، ويدعو الناس إلى حضور درس الأستاذ حسن البنا (المرشد العام للإخوان المسلمين)، فقام رجل يسمَّى الشيخ إسماعيل، وكان هو المشرف على مساجد المنطقة والمأذون الشرعي لها، وقال باستنكار: "إخوان إيه اللي بتتكلم عنهم"؟! "روح اجري أحسن أذهب بك إلى نقطة الشرطة" فقال له الأستاذ متولي عقيل: هيا بنا، فذهبا إلى النقطة، وعندما وصلا هناك أحضر ضابط الشرطة كرسيًّا وأجلس الشيخ إسماعيل، وقال ماذا حدث؟ فحكى له الشيخ إسماعيل ما حدث، وعندما بدأ يتحدث مع الأستاذ متولي عقيل فقال له قبل أن أتحدث لك لا بد أن تساوِيَ بين المتخاصمين، فإما أن تجلسنا معًا أو توقفنا معًا، فردَّ الشيخ إسماعيل وقال: "شوف العنجهية اللي هما فيها" لكن ضابط الشرطة هدَّأ من الأمور وصرفهما.

 

* وماذا حدث بعد ذلك؟!

** بعد ذلك نظَّمنا حفلةً للإعلان عن تكوين مجلس إدارة الشعبة، حضرها الإمام الشهيد حسن البنا، وتم فيها توجيه الدعوة لأعيان وكبراء الشرابية، وكان خلف منصة الحفل قهوة، فجلس عليها الشيخ إسماعيل ليستمع إلى ما سيقوله الإخوان في هذا الحفل، فعندما سمع الشيخ حسن البنا وهو يقول لهم الشيخ إسماعيل ده عالم فاضل، ولا بد أن تحترموه مثل والدكم أتى وجلس داخل الصوان، وعندما انتهى الحفل كان يمشي مع الإخوان ويقول للناس هؤلاء هم الإخوان وهم ناس محترمون وأفاضل، ويدعون إلى الخير وغير ذلك، وطبعا الشيخ إسماعيل كانت كلمته مسموعة عند معظم أهالي المنطقة، وعليه دخل الكثير جماعة الإخوان على يد الشيخ إسماعيل.

 دخول الإخوان

* هل عندما كان الناس يسمعون الإمام الشهيد حسن البنا كانوا يدخلون الإخوان مباشرةً؟!

** عدد كبير جدًّا من الناس دخلوا الإخوان من معاملة الإخوان لهم بالحب والتعاون على البر والتقوى دون حتى أن يروا الإمام الشهيد حسن البنا.

 * لكن الآن يأخذ الأخ مراحل طويلةً حتى يكون منتسبًا لجماعة الإخوان لمدة شهور، وقد تأخذ أعوامًا لماذا!!

** الآن الجماعة عددها كبير جدًا، ومنتشرة في معظم أنحاء العالم، ولا بد أن يأخذ الفرد وقتًا للتربية على مناهج متنوعة وتعلُّم القيم والمبادئ التي تدعو إليها الجماعة، لكن قبل ذلك كان مجرد أن يسمع الفرد الأستاذ حسن البنا- رضي الله عنه- يعتبر نفسه من الإخوان ويعمل معهم بمجرد حضوره الدرس.

 * ما رأيك في الجماعات الإسلامية الأخرى!!

** الجماعات الإسلامية الأخرى مثل الجمعية الشرعية يقومون بدور جيد، ويدعون إلى الله سبحانه وتعالى، لكن ينقصهم أن يعلنوا أنهم يريدون أن يحكموا بكتاب الله سبحانه وتعالى، لكن الإمام الشهيد كان صريحًا في ذلك، واختصر الطريق، وقال نريد أن نحكم بما أنزل الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم في آيات مختلفة: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)، وقال (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)، وقال (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) (المائدة).

 * احك لنا عن زكرياتك في المعتقل وأيام المحنتين.

** أحكي "إيه ولا إيه" كانت أيام عذاب، الإخوان شافوا فيها الأهوال والعذاب الأليم في السجون والمعتقلات، ولم تكن الحكومة تعمل اعتبارًا للمسجون أو المعتقل، فماذا تنتظر منهم غير الكرابيج والكلاب المسعورة؟! ونحن في السجن الحربي حدثت نكسة 67 وكانت الطائرات المحملة بالقنابل تمر من فوق السجن الحربي، ومع ذلك رفضوا أن يخرجوننا منه، أيام كلها تعذيب في تعذيب..!!

 ورغم كل هذا كان الإخوان يخرجون من المعتقلات أكثر صلابةً وصمودًا في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وثبتهم الله على الحق، رغم أنهم أعدموا 6 منهم في يوم واحد، ومع ذلك صبروا وصمدوا؛ لأنهم كانوا يدخلون الإخوان ويعرفون أنهم سيعاقبون وسيتعرضون للعذاب والعقاب، وكانوا على استعداد لأي ابتلاء يتعرضون له، وكان هتافهم "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

 

الاعتقال جائزة

* في رأيك.. هل تختلف المعتقلات الآن عن الماضي؟!

** اعتقال الإخوان إصابة وابتلاء من الله سبحانه وتعالى، والإصابة أو الابتلاء في الإسلام جائزة، والآن الإخوان يدخلون المعتقلات ويخرجون ثم يدخلون ويخرجون أكثرَ صلابةً وعزيمةً مما كانوا عليه قبل دخولهم المعتقل.

 * هل رمضان الآن يختلف عن ذي قبل؟!

** رمضان هو رمضان، لكن رمضان أيام الإمام البنا رضي الله عنه كان حاجة تانية، حيث كان الإخوان يجتمعون حوله كثيرًا، وهذه وحدها تكفي، حيث الروحانيات الربانية وغير ذلك.

 * ما ذكرياتك مع الإمام الشهيد حسن البنا على مدى عشر سنين عايشته فيها؟

** أنا كنت واحدًا من ألوف مؤلفة كنت أحضر دروسه ومحاضراته، إلا أن هناك موقفًا حدث أثناء إحدى المحاضرات التي كان يُلقيها الإمام الشهيد حسن البنا؛ حيث أرسل أحد الأشخاص ورقةً للإمام البنا يسأله: لو حكم الإخوان بكتاب الله فماذا سيكون عملك؟! فردَّ الأستاذ البنا قائلاً سأعمل عندهم ساعيًا، أوصِّل الأوراق للمكاتب، وهذا ما يثبت أنه كان يعمل فقط لله سبحانه وتعالى.

 وهناك موقفٌ آخر، كان الأستاذ البنا يفتتح إحدى الشعب في الصعيد، فصمم أحد الأشخاص أن يأتي الأستاذ البنا ليشرب عنده فنجانًا من القهوة، ويبارك بيته، فوافق الإمام البنا، وذهب بعد انتهاء الحفل لبيت هذا الرجل وقدم له القهوة فشربها الأستاذ البنا ولكن على كرهٍ دون أن يخبر أحدًا لماذا، ثم انصرف، وبعد أن غادر اكتشفت زوجة الرجل أنها وضعت على القهوة ملحًا بدلاً من السكر، فغضب الرجل وذهب يحكي لأقاربه وجيرانه وهو متضرِّرٌ مما فعلته زوجته، فتعجب الناس من شرب الإمام البنا فنجانَ القهوة كاملاً دون أن يخبِر أحدًا بشيءٍ.. وهذا لم يكن إلا لاستحيائه وخوفًا من أن يُحرج الرجل في بيته، فازداد الناس حبًّا وشوقًا واحترامًا للإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله.