هناك اليوم حملة على شبابِ الجامعات ومطاردة لأفكارهم ومؤسساتهم، وهذا خطأ فادح. نقول لأصحابه رفقًا بالشباب.

 

رفقًا بالشبابِ؛ فهم أسلم الأمةِ قلوبًا، وأطهرها لسانًا، وأعفها منطقًا، وأسلمها طويةً، وأنبلها قصدًا، وأطهرها ذيلاً وأرحمها فؤادًا، وأبيضها صفحةً، وأخلصها نجيبًا.

 

رفقا بالشباب؛ فهم أمل المستقبل، وغرس الحاضر، ونهضة الغد وأمل الحضارة، وعمد الصروح وأعلام النصر، ورايات العز وأسلحة الحق، وجند الإيمان.

 

رفقًا بالشباب؛ فهم أبصر ذي عينين وأسمع ذي أذنين وأبطش ذي يدين، وأجود ذي كفين وأمشى ذي رجلين، وأبلغ ذي لسان، وأعف ذي مقولة.

 

رفقًا بالشباب، فما استنجدت أمة به إلا نجدت، وما اعتصمت بقوته إلا عصمت، وما استجارت بساعده إلا عُصمت، وما استجارت بحميته إلا أجيرت، وما استمدت من عزمه إلا أمدت، فهم الملاذ والموئل والاعتصام بعد الله وكتابه ورسوله.

 

رفقًا بالشباب؛ فهم أغلى من كل رغبة وأبقى من كل ذخيرةٍ، وأفضل من أي فائدةٍ وأسمى من أي مغنم، وأنفس من أي عرض، وأكرم من كل ناطق وصامت.

 

رفقًا بالشباب؛ فهم سباقو غايات، وبلاغو أمال- وطلاعو مجد لا يشق لهم غبار ولا يُثنى لهم عنان، ولا يدرك لهم مدى، ولا يلحق لهم شأو، ولا يبلغ لهم آفاق.

 

رفقًا بالشباب؛ فما انتظم لأمةٍ أمر إلا بهم، وما استقام لها طريق إلا على ضوئهم، وما استتب لها أمن إلا بسواعدهم، وما اتسق لها عز إلا بعزمهم، ولا تهيَّأت لها رفعة إلى بفتوتهم.

 

رفقًا بالشباب؛ فهم معذورون بتلمسِ الطريق وحده، فلا مثلَ يُحتذى، ولا رُشدَ يُبتغى، ولا عزَّ يُقصد، ولا مجدَ يُرفع، ولا نصرَ ينهض، ولا مصباح يضيء أو إصباح يفلق.

 

رفقًا بالشباب، فالطرق وعرة، والليل طويل، والرياح عاتية، والرماح شديدة الجراح غائرة الطعان، والأيام كئيبة والحوادث جسام، والطوفان عارم.

 

رفقًا بالشباب؛ فلا تبتروه من نسبه ولا تقطعوه من لحمته، أو تفصلوه من عشيرته ووشيجة رحمه، أو تبعدوه عن قرابته أو تحولوا بينه وبين عمومته وخؤولته وأصهاره، فإنَّ بينه وبين تراثه صلة الرضاع، ونسب المودة، وبينه وبين دينه ورسالته آصرة الأبوة ولحمة النبوة وعهد الوفاء، فلا تجعلوه دعيًّا لصيقًا لفاجر، أو لقيطًا مهينًا لعاثر، أو ملحقًا ذليلاً لعاقر، أو ذيلاً وضيعًا لحيوان.

 

لا تنزعوه من تربته، أو تقطعوه من جذوره، أو تفصلوه عن حقله أو تمنعوه عن ورده، أو تحجبوه عن هوائه.

 

إنَّ الشبابَ في حاجةٍ إلى أُبوةٍ بحب، ونُصحٍ بعلم، وقيادةٍ بمثل، وتوجيهٍ بإخلاص.. في حاجةٍ إلى خطةٍ واضحةٍ وطريقٍ مدروسٍ، وغايةٍ مشعة، وهدفٍ سامق، وأملٍ مشرق.

 

في حاجةٍ إلى روادٍ لهم حلوم، ودستورٍ له إشعاع، وتعاليم لها مذاق وأخلاق لها أريج.
وليسوا في حاجةٍ إلى سرابٍ خادع، أو بروق خلب، أو أمان كذاب، أو وعود عرقوب.
ليسوا في حاجةٍ إلى دجالين ومشعوذين وملوثين، وسكارى وضالين أو مهرجين.

 

ليسوا في حاجةٍ إلى أمراضٍ مستوردة أو جراثيم معابة، أو عمالة مغلقة، أو جهالة مضللة.
فيا أيها الناس، ويا أيها الإنسان المتصدر:

 

إذا لم تستطع أن تكون طبيبًا بارعًا فلا تكن حلاقًا جاهلاً!!

وإذا لم تستطع أن تكون جراحًا ماهرًا فلا تكن جزارًا فاتكًا!!

وإذا لم تستطع أن تكون موجهًا فاضلاً فلا تكن دجالاً عابثًا!!

وإذا لم تستطع أن تكون معلمًا ذكيًا فلا تكن مشعوذًا غبيًا!!

وإذا لم تستطع أن تحمل الخيرَ في سلتك فلا تحمل الثعابين في جعبتك!!

وإذا لم تستطع أن تحمل القلم النافع فلا تحمل الخنجر القاطع!!

وإذا لم تستطع أن تكون مجاهدًا عظيمًا فلا تكن مثبطًا خطيرًا!!

 

إنَّ شبابَ الأمة العربية والإسلامية ينتظره كفاحٌ طويلٌ وجهادٌ شاقٌ ومسيرةٌ صعبةٌ في العلمِ والعمل، في الصناعةِ والتجارة، في الإنتاجِ والتفوق، في البذرِ والحرث، في الاكتشافِ والإبكارِ، في القوةِ والعزة، في الآمالِ والأماني.

 

ولا تنجح الخطط والأماني كما يقول الإمام البنا إلا إذا قوي الإيمان بها، وتوفَّر الإخلاصُ في سبيلها، وازداد الحماس لها ووُجد الاستعداد الذي يحمل على التضحيةِ والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل، من خصائص الشباب؛ لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماس الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي.. وهذه كلها لا تكون إلا للشباب، ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أمةٍ عماد نهضتها، وفي كل نهضةٍ سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾.

 

ومن هنا يجب أن تكثر العناية بالشباب، وتتوفر الرعاية للفتية؛ لأنهم فكر النهضة وساعد الحركة وراية الكفاح.

 

كما يجب أن يُوجَّه الشبابُ عقائديًّا وفكريًّا نحو تراث أجدادِه وتاريخ أمته ورسالة سلفه وخلفه؛ ليكون ثابت الجذور مرتفع الفروع جيد الثمار؛ لأنه من أخطر الأمور على الأمةِ الناهضة وعلى شبابها الغضِّ في فجرِ نهضتها، اختلاف الدعوات واختلاط الصيحات وتعدد المناهج وتباين الخطط والطرائق.. فكل ذلك تفريقٌ للجهود وتوزيع للقوى يتعذر معه الوصول إلى الغايات.

 

وأنتم أيها الشباب، ألجموا نزوات العواطف بنظراتِ العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهبِ العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة.

 

أيها الشباب: لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المجد الوضَّاء الذي ما زالت البشرية إلى اليوم تعيش على ضوءِ سناه.. فسيروا على بركةِ الله، فالله معكم ولن يتركم أعمالكم.