قرأتُ تصريحاتك الأخيرة عن الإخوان، وبصفتي- كما صُنِّفتُ أخيرًا متعاطفًا معهم- أقول لك كما صرَّحَت بذلك كله (دير شبيجل) الألمانية: لقد كنتَ يومًا ما واحدًا منهم، عرفتَهم عن قرب، ولو بقِيْتَ لكُنْتَ اليوم أحدَ كوادِرَهم، فباللهِ عليكَ ماذا عرفْتَ عنهم؟!

أنا راضٍ بعد حكمِ الله حكمَك!!

 

* أما حديثك عن الإسلام السياسي.. فذلك تعبير (غربي)، لا يليق صدوره منك، وأنت شرقيٌّ، وأنت مسلم!!

وهو يذكِّرني بحديث سلفك: "لا دين في السياسية، ولا سياسية في الدين".. الأمر الذي اعترضَت عليه مباحث أمن الدولة في تقريرٍ لها رصَدَت به ردَّ الفعل الشعبي، فعاد ليقول: "الإسلام دين ودولة".. نعم.. ولكن لا دينَ في السياسية ولا سياسةَ في الدين!!

 

* وهو فرعٌ عن مقولة سادات أوروبا، إثْر طغيان الكنيسة فيها.. "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، فكأنما قسَّموا نفوذ الدنيا بين قيصر وبين الله، فجعلوا الكنيسة لله، وجعلوا الشارع والمجتمع والدولة لقيصر، وهي قسمةٌ جائرةٌ، فضلاً عن أنها خاطئةٌ!!

 

وهنا جاء دينُنا الإسلامي السَّمْح ليصحِّح الكثيرَ، ومنها هذه المقولة، فلا شيء لقيصر في كل إسلامنا، إلا أن يكون قيصر فرعون من الفراعين!! إن الأمرَ في إسلامنا كلَّه لله ﴿قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 154) ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام) نعم، يا أخ حسني.

 

إسلامُنا لا يعطي شيئًا لقيصر، ولو كان القيصر هو حسني مبارك؛ لأن الحاكم في الإسلام وكيلٌ عن الأمة وخادمٌ لها.

 

والسيدُ- في إسلامنا- هو اللهُ ﴿هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: من الآية 51) ثم الشعبُ، يختار وكيلاً عنه في إدارة أمر الأمة، ومِن حَق الموكِّل أن يُقيل وكيله متى أراد!!

 

* من أجل ذلك- يا أخ حسني- لا تسمع لقولهم، ولا تضَعنَّ نفسَك موضِعَ المردِّد لشعاراتهم.. واعلم أننا ننتظرُ منكَ غيرَ ذلك؛ ننتظر منك أن تنظرَ فيمن حولك، فأكثرُهم كما عبَّرت يومًا في لقاءات خاصة إما.. أو.. أو.. ثم انظر بعد ذلك إلى مَن تعرِف من الإخوان، فستجد فيهم عكس الصفات التي رأيتها وعبَّرت عنها في تلك اللقاءات الخاصة.

 

ستَجدُ فيهم- باختصار- مَن تتمنَّى، وستنصح ابنَكَ العزيز أن يتصلَ بهم، وأن يعرف عنهم ومنهم الكثير!!

 

* واعلم بعد ذلك- يا أخ حسني- أنَّ الدنيا زائلةٌ.. فأين جمال عبد الناصر؟! وأين أنور السادات؟! وأين أخيرًا صدام حسين؟! ومن قبلهم ومن بعدهم الكثير؟! واعلم أن هناك كأسًا لا بد لنا جميعًا أن نشربَ منه.. إنه كأسُ الموت ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (آل عمران: من الآية 185)، وأن بعد الموت حسابًا في القبر، ثم حسابًا يوم القيامة، وأن بعد الحساب جنةً أو نارًا ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ (مريم: 71)، ولن يُنجي من الحساب ولن يُنجي من النار إلا عملُ الإنسان ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه (8)﴾ (الزلزلة).

 

* وإني أتمنَّى لي ولك أن نكون من أهل الجنة، وأتمنَّى لنفسي الفردوس الأعلى، وأرجو أن تسألَها لنفسك، وإن لم تجمعني بك حتى الآن إلا رؤيا صالحة فإني أنتظرُ من ربي تحقيق هذه الرؤيا.. يومها أقول لك ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ (يوسف: من الآية 100) ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾ (الروم).

 

* وتحيةً لك، ودعاءً.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).