كان المأمول أن تكون التعديلات الدستورية خطوةً للأمام لكن مصر رُوِّعت بمقترحات دستورية أقل ما توصف به أنها انقلابٌ دستوري يتيح ببساطة ما يغتصبه الانقلاب بالقوة والقهر من تزوير إرادة الأمة وانتهاك الحريات واعتداء على السلطة القضائية وسلطة حل المجالس النيابية المنتخبة.

 

إن النظام بهذه المقترحات يحاول أن يجد حلولاً لمشكلات ممارساته الديكتاتورية لا بالانصياع للدستور والقانون ولكن بتطويعهما والعبث بهما وهو في نفس الوقت ينتقم من القضاء الدستوري الذي أصدر أحكامًا تاريخيةً بحلِّ مجلس الشعب في عامي 84 و87 وفرض الإشراف القضائي على الانتخابات الأخيرة.

 

قد يرى البعض أن الهدف من هذه الإجراءات إقصاء الإخوان لكن في الحقيقة سيتم إقصاء شعب مصر بأكمله وتدمير حاضره ومستقبله لصالح فئةٍ بعينها.

 

ولقد كنا نتخوف من توريث السلطة إلا أنَّ النظامَ بهذه التعديلات وبرفضه تعديل المادة 77 رغم أن تعديلها محل إجماع الأمة يؤكد أننا أصبحنا أمام حالة توريث للاستبداد والفساد لا السلطة فقط.

 

وسيثبت التاريخ أن الذين سيمررونها سيكونون أول ضحاياها وسيعودون للشارع فلا هم حافظوا على مقاعدهم ولا هم صانوا الأمانةَ التي وضعتها الجماهير في أعناقهم.

 

إنَّ الإخوانَ شأنهم شأن أصحاب الدعوات والرسالات لن يفلح معهم القمع والتعذيب والاعتقال بعد تبرئة القضاء ومصادرة الأموال وإغلاق الشركات وتلفيق التهم كما حدث ويحدث الآن، كما لن تفلح التعديلات الدستورية المقترحة في إقصائهم أو القضاء عليهم.

 

الإخوان ليسوا خطرًا على شعب مصر لكن مكمن الخطورة في الديكتاتورية والاستبداد وحماية الفساد والاستسلام لأعداء الوطن يعيثون فسادًا في شرق مصر وجنوبها.

 

الإخوان هم صمام الأمان لهذا البلد بكفاحهم وصمودهم من أجل حرية وكرامة أبناء وطنهم وعدم تفريطهم في ثوابته التي لا تختلف بحال عن ثوابتهم وعلى رأسها المرجعية الإسلامية.. وفي نجاحهم على مدار أكثر من 40 عامًا في نقل قطاعات عريضة من الشباب من دائرة العنف أو السلبية إلى دائرة الكفاح السياسي السلمي والدستوري، إضافةً إلى العمل التربوي والدعوي والقيمي كوسيلةٍ للتغيير والإصلاح.. ويؤيدهم في ذلك تاريخ الأمة وثقافتها ودستورها كما يؤيدهم برنامج الحزب الوطني نفسه الذي هو في حقيقته ذو مرجعية إسلامية ونحن نهدي نسخة منه لزعيم الأغلبية ليقرأها ليراجع نفسه في رفضه المطلق للتصريح بأي حزب ذي مرجعية إسلامية.

 

كما أن أداء نواب الوطني في قضية الحجاب لتضعهم على المحك حيث يثور التساؤل: من أين انطلق هؤلاء؟ ولماذا انفعلوا؟ وإلى أي خلفيةٍ رجعوا؟ رجعوا إلى دينهم وثوابته وقيمه وثقافتهم وتاريخهم.

 

الإخوان المسلمون يريدون إنشاء حزب مدني ذي مرجعية إسلامية قادته وأعضاؤه مسلمون ومسيحيون غير معصومين يصيبون ويخطئون ويُحاسبون يعينون ويعزلون ويتولون كافة المناصب في الدولة تبعًا لمعيار الكفاءة والتخصص.

 

الحزب الإسلامي والدولة الإسلامية مدنيان بطبعهما والإخوان يؤمنون بمبدأ المواطنة بديلاً عن قضية أهل الذمة؛ لأن الظروف التاريخية التي نشأ في إطارها المصطلح لم تعد متوافرة مع انخراط الأقباط في الجيش؛ دفاعًا عن أمن وطنهم وتحرره.. شأنهم شأن إخوانهم المسلمين على السواء.

 

كما يؤمنون أن الأمةَ مصدر السلطات ويحترمون النظام النيابي ودولة المؤسسات وسيادة القانون والعلاقة التعاقدية بين الحاكم والمحكوم في إطارِ المادة الثانية من الدستور التي تؤكد أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع والمادة الثالثة التي ترفع من شأن المواطنة، وهما من وجهةِ نظر واضعي الدستور يزكي كل منهما الآخر ويدعمه لا ينفيه ويضعفه فلا يعقل أن يحتوي الدستور على الشيء ونقيضه.

 

وختامًا في بلدٍ غالبيته العظمى والتي تتعدى التسعة أعشار من المسلمين لا يمكن القول إن أسلمة المجتمع أو إنشاء حزب مدني ذي مرجعية إسلامية يُكرِّس وضعًا طائفيًّا ولكن الحكم هنا تبعًا لرؤية المستشار طارق البشري لا يرد على هذه الحقيقة الاجتماعية ولكن على حقيقة دستورية؛ حيث إن الدستور هو تعبير تشريعي عن الأصول المرجعية للمجتمع.

---------

* الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب