تحدثنا من قبل عن الأسباب التي قد تدفعنا لإهمال أنفسنا، وما يؤدي ذلك الإهمال إليه من آثار خطيرة في مختلف الدوائر، وتحدثنا عن بعض المفاهيم التي ينبغي أن تُصحح لدينا كبدايةٍ لازمةٍ للعلاج.

 

ونتحدث الآن عن الوسائل العملية لعلاج هذه المشكلة، مع الوضع في الاعتبار أن الفرد المخاطب بهذا الكلام تقع على كاهله أعباء معيشية والتزامات أسرية لا يستطيع الفكاك منها، معنى ذلك أن الوسائل العملية المقترحة لا بد أن تراعي ظروف الأفراد.

 

من هنا تظهر قيمة وجود ثوابت في حياتنا نلتزم بها، ولا نحيد عنها أو نتهاون في أدائها مهما كانت الظروف.. هذه الثوابت ينبغي أن تشكِّل الحد الأدنى الذي يضبط لنا الميزان، ويحقق التوازن بين الدوائر الثلاث.

 

وإليك- أخي الحبيب- هذا التصور المقترح لهذه الثوابت، لك أن تضيف إليها ما تشاء مما يناسب ظروفك، وتنقسم هذه الثوابت إلى ثلاثة أقسام:

1- مع النفس

2- مع البيت

3- مع الدعوة

 

أولاً: ثوابت مع النفس

أولاً: الصلاة على وقتها

أول هذه الثوابت وأهمها الصلاة على وقتها وبالمسجد مع الجماعة الأولى، فالمسجد هو بيت المؤمن، ومنبع من منابع النور والإيمان.. قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "المسجد بيت كل تقي، وتكفَّل الله لمن كان المسجد بيته بالرَّوح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله، وإلى الجنة" (صحيح رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ح 324).

 

وإذا كان من السهل على بعضنا أداء الصلوات في المسجد فإنه قد يصعب عليه المحافظة على صلاة الفجر به، وهذا أمرٌ خطيرٌ لا ينبغي التهاون به، فلا يجوز بأي حالٍ من الأحوال وتحت أي مسمًّى أن نُقصِّر في هذه الصلاة، ولنعلم أن صلاةَ الصبح من أهم الأشياء التي تضبط الميزان.

 

كيف لنا أن نستيقظ على أشعة الشمس ولا ننزعج من ذلك، وكأنَّ شيئًا لم يكن، ثم نُصلي صلاةً ميتةً لا روحَ فيها، لنخرج بعد ذلك للقيام بواجبات الدعوة؟! أي بركةٍ تلك التي سنجنيها في يومٍ لم نُصَلِّ فيه صلاة الفجر على وقتها مع الجماعة الأولى؟!

 

أخي الداعية..

لا يوجد لأحد مبرّر يسوِّغ له عدم المحافظة على صلاة الفجر بالمسجد.. إن الذي سينصرنا على أعدائنا، ويُعيد لنا خلافتنا هو الله عز وجل، ولقد أخبرنا سبحانه بأنه لن ينصرنا إلا إذا أصبحنا عبيدًا له، معنى ذلك أن الذي يحب دينه ويحب دعوته ويريد عودة المجد لأمته فعليه أن يكون المسجد بيته، وأن يحرص كلَّ الحرص على صلاة الصبح فيه فيدخل في ذمة الله.. قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مَن صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فمَن أخفر- يُقال أخفرت الرجل: أي نقضت عهده وذمامه- ذمة الله كبَّه الله في النار لوجهه" (حسن، رواه ابن ماجة والطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح 458).

 

ثانيًا: قيام الليل

أما ثاني هذه الثوابت فهو المحافظة على السنن الرواتب، ويأتي على رأسها قيام الليل، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد" (صحيح، رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن بلال وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح 4079).

 

وإذا كان لقيام الليل هذا الفضل العظيم فإنه فوق ذلك يمثِّل أهميةً عظمى للداعية، فهو بالنسبة له يعد بمثابة المدرسة، والنبع الذي يمده بالإيمان ويقوِّي إخلاصه وتوجّهه لله عز وجل، وبدونه يحدث الاضطراب في يومه ويختل ميزانه، وليس القصد بقيام الليل حركة عضلات الجسم واللسان بالقراءة والقيام والقعود فقط، بل لا بد من تحريك القلب وتجاوبه مع القرآن والدعاء والمناجاة.

 

يقول ال