- سيدي خرج:

كان الشاعر "إمام العبد" شديد السمرة، وذات ليلة كان عائدًا من سهرةٍ بعيدةٍ، وكانت الليلة شاتية والبرد قارس، ولم يكن "إمام العبد" يملك أجرة الحنطور- وسيلة المواصلات الشائعة في ذلك الوقت-، وبينما هو سائر في الطريق، أبصر حوذيًّا يسوق حنطوره، فاستغل سواد لونه، وتقدَّم من الحوذي، يقول له:

 

- إنَّ سيدي يريد عربة حنطور.

فرحَّب به الحوذي، وركب "إمام" إلى جانبه حتَّى وصل به إلى بيته، فاستوقفه ريثما يصعد لإبلاغ سيده، وما إن وصل إلى مسكنه حتَّى أطلَّ على الحوذي قائلاً:

- سيدي لقانا اتأخرنا عليه.. خرج!!..

 

-  سَمِّيع:

في ليلةٍ أخرى كان الشاعر "إمام العبد" عائدًا إلى بيته، وهو مفلس كعادته، فأبصر حوذيًّا يسوق حنطورًا، وهو يغني في نشوةٍ بصوتٍ عالٍ أجش، فاستوقفه "إمام العبد" ملتمسًا توصيلةً بالمجان، قائلاً له:

- مُش لازمك سَمِّيع يا أسطى؟!..

- أُجْرَةُ الْحُجْرَةِ

 

كَانَ الشَّاعِرُ الأَدِيبُ "إِمَامُ الْعَبْدُ" يَسْكُنُ فِي حُجْرَةٍ مِنْ دَارِ الْمَرْحُومِ "حُسَيْن الْحَلَبِيّ" الزَّجَّال فِي جِهَةِ "الصَّلِيبَةِ"، وَمَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَ"إِمَامٌ" لا يَدْفَعُ عَنِ الْحُجْرَةِ أَجْرًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ "الْحَلَبِيُّ" رَسُولاً يُطَالِبُهُ بِالأَجْرِ الْمُتَأَخِّرِ، فَاشْتَرَطَ "إِمَامٌ" لِهَذَا أَنْ يَقُومَ "الْحَلَبِيُّ" بِطِلاءِ الْحُجْرَةِ.

 

وَعَادَ الرَّسُولُ يَحْمِلُ الشَّرْطَ إِلَى "الْحَلَبِيِّ"، فَقَامَ بِمَا طَلَبَ "إِمَامٌ"، فَطَلَى الْحُجْرَةَ أَحْسَنَ طِلاءٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رِسَالَةً يَقُولُ فِيهَا:

أَ "إِمَامُ" يَا رَبَّ الْمَحَــا  مِـدِ وَالْعَــزَائِمِ وَالْمَكَارِمْ

إِنْ كَانَ أَعْجَبَكَ الدِّهَــا  نُ فَجُــدْ بِإِرْسَالِ الدَّرَاهِمْ

 

وَوَافَى الرَّسُولُ "إِمَامًا" بِالرُّقْعَةِ، وَطَالَبَهُ بِالأُجْرَةِ حَسَبَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَأَعْطَى الرَّسُولَ خَمْسِينَ قِرْشًا، وَأَرْسَلَ مَعَهُ رِسَالَةً يَقُولُ فِيهَا:

إِنْ كَانَ أَعْجَبَ أَوْ لا  فَالدَّفْعُ لا بُدَّ عَــنْهُ

إِلَيْكَ نِصْــفُ جُنَيهٍ  فَخُــذْ بِحَقِّـكَ مِنْهُ

- البعبع

كان "إمام العبد" يسير يومًا في الطريق، فاقتربت منه امرأة قبيحة الوجه، تحمل طفلاً بين ذراعيها، وسمعها تقول وهي تشير إليه:

- إن بكيت بالليل سأحضر لك هذا البعبع.

فالتفت إليها "العبد" قائلاً:

- إذا كان لا يخاف من وشك.. فهل يخاف من البعبع!!..