كانت الداعية الإسلامية زينب الغزالي- رحمها الله- شديدة الإيمان بمبادئ الإسلام الحنيف، شديدة الثقة بقدرة هذا الدين العظيم على إقامة مجتمع إنساني أفضل.. مجتمع تظلِّله معالم الإيمان والتوحيد، وتسيِّره أصول الأخلاق والقيم، وكانت تدرك أن هذه المبادئ الجليلة في حاجة إلى الدعاة المخلصين, الذين يحملونها بصدق وإخلاص إلى المجتمع والناس, ويغرسونها- بدأَب وصبر- في القلوب والنفوس والعقول؛ حتى تصبح سلوكًا عمليًّا حقيقيًّا، وهذه المبادئ في حاجةٍ أيضًا إلى "سُلطة" تُفسح لهؤلاء الدعاة الطريقَ, وتيسِّر لهم الحركة, وتفتح لهم الأبواب.

 

وتلفَّتت حولها فوجدت المملكة العربية السعودية، هذه الدولة الفتيَّة التي قامت على أسس الإسلام، وتأسست دعائمُها على منهج التوحيد، فاهتمَّت بمتابعة جهود المملكة في خدمة الإسلام، وشجَّعها ذلك على أن تنتقل من مرحلة التمنِّي إلى الحركة، وبدأت ترسل رسائل للملك سعود بن عبد العزيز، تستحثُّه فيها على استكمال تطبيق الشريعة في كافة الميادين، وتقترح عليه الأفكار والموضوعات التي ترى أنها تخدم الإسلام، ومنها إنشاء بنك إسلامي لا يتعامل بالربا؛ حتى يكون نموذجًا لمبادئ الإسلام في التعاملات المالية، كان ذلك في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي، قبل أن يسمع الناس عن فكرة البنوك الإسلامية!!

 

وعندما أصدرت مجلة (السيدات المسلمات) في عام 1951م- شهرية ثم أسبوعية- كتبت فيها العديد من المقالات, التي عبَّرت فيها عن آمالها وأحلامها في دولة الإسلام، وظهر أولُ كتابٍ لها يحمل هذه الآمال والطموحات باسم: (ملك وآمال شعب)، والملك هو "سعود" رحمه الله، والشعب هو الشعب السعودي وخلفه كلُّ الشعوب الإسلامية، ورحَّب الملك "سعود" برسائلها ومقالاتها.

 

وعندما زار مصر في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي زار المركز العام للسيدات المسلمات، ونشرت المجلة صورةَ الملك أثناء الزيارة على صدر غلافها، وعندما كانت تذهب بعثة السيدات المسلمات سنويًّا إلى المملكة لأداء فريضة الحج كانت الداعية زينب الغزالي تنزل في ضيافة المملكة، وساعدها هذا القرب من الملك على اقتراحٍ مهمٍّ حملته إلى الحكومة السعودية، وهو إقرارُ مبدأ تعليم البنات، فحتى الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي لم تكن الفتاة السعودية تتلقَّى تعليمًا دراسيًّا رسميًّا من قِبَل الدولة، وبدأت الحكومة تدرس الاقتراح بجدِّيَّة؛ حتى تمَّت الموافقة على إنشاء إدارة لتعليم البنات تتبع وزارة المعارف في أوائل الستينيات من القرن الماضي.

 

 الصورة غير متاحة

 زينب الغزالي

وعندما كانت تذهب "زينب الغزالي" إلى المملكة كانت تزور مدارس البنات وإداراتها، وتلتقي بطالباتها ومعلِّميها وموجِّهيها، وكانت تحثُّ الجميع على الاجتهاد والمثابرة في تحصيل العلم, والالتزام بشعائر الإسلام العظيم، وكانت تبحث مشكلاتهن وتضَعُ لها الحلول المناسبة من واقع خبرتها في العلوم الشرعية وفي المجال الاجتماعي.

 

كانت "زينب الغزالي"- رحمها الله- تؤمن بأن نهضة الإسلام لن تقوم على أكتاف الرجال وحدهم, بل على أكتاف الرجال والنساء معًا, فإذا نجحت المرأة في أداء دورها ورسالتها, وحملت الأمانة بصدق وإخلاص, كان هذا إيذانًا بنهضة الإسلام من جديد, وعودة الأمة إلى سابق عزَّتها ومجدها من جديد, والمرأة لن تنجح في ذلك إلا إذا تعلَّمت ودرست واجتهدت في تحصيل العلم, حتى تكونَ على بيِّنةٍ من مسئوليتها ومن مخططات أعداء أمتها.

 

وعندما تُوفِّيت في أغسطس 2005م قال أحد تلامذتها؛ المهندس محمد الصروي- رحمه الله- في حفل تأبينها: إن للداعية المجاهدة زينب الغزالي فضلاً على كل فتاةٍ سعوديةٍ تعلمت ودرست واجتهدت في طلب العلم.

 

وبهذه المناسبة أدعو الأساتذة والمسئولين الذين حضروا وشاركوا في تلك الفت