أسرتها "حكومة ائتلافية"!

الذين يتحدثون عن "تشدد" الإسلاميين في التعامل مع غيرهم من أصحاب الفكر أو الرأي الآخر، لا يعرفون الكثير من الحقائق والمواقف، ولعلَّ في السطور القادمة ما يكشف عن هذه النظرة الخاطئة.

 

فقد عاشت الداعية زينب الغزالي في أسرة، أطلق عليها البعض "أسرة الحكومة الائتلافية"! وبالفعل كانت عبارة عن "خلطة" مدهشة! كان الشقيق الأكبر "علي"- رحمه الله- وكيلاً لوزارة المالية ومديرًا سابقًا للتكية المصرية في السعودية، وكانت ميوله السياسية مع "الحزب الوطني" القديم، الذي كان يتزعمه "مصطفى كامل"، وآخر مَن تولَّى قيادته المحامي الشهير فتحي رضوان.

 

وكان الشقيق الثاني "الشيخ محمد" يجمع بين حُبِّه للجمعية الشرعية التي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي، ويرأسها الآن العالم الأزهري الشيخ محمد المختار المهدي وبين عشقه للإخوان المسلمين، فكان يرتدي "زيَّ" الجمعية الشرعية "العمامة والعدبة"، وكان قريبًا جدًّا من الإمام الشهيد حسن البنا، الذي أوكل إليه مهمة الإشراف على شئون بيته.

 

أما الحاجة زينب فقد كانت قياديةً في جماعة الإخوان المسلمين، ورئيسةً لجمعية "السيدات المسلمات".

 

وكان الشقيق الرابع "سيف الدين" وفديًّا حتى النخاع، وعند عودة حزب الوفد للعمل السياسي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، تولى أمانة الشباب في الحزب، وكان عضوًا في مجلس الشعب عن حزب الوفد.

 

والشقيقة الخامسة "حكمت" كانت "ناصرية" الفكر، تحب جمال عبد الناصر وتؤمن بشعاراته ومبادئه، وبرغم حزنها على سجن شقيقتها في عهده، إلا أنها كانت مخلصةً للفكر حتى آخر حياتها.

 

والشقيق السادس "عبد المنعم" كان في بداية حياته متصوِّفًا، يحبُّ الفقراء ويعطف عليهم، ويُقدِّم لهم كل ما يمكنه، من ملبسٍ ومأكلٍ ومال، وعندما لم يجد في "الصوفية" ضالَّته، انضمَّ إلى أحد التنظيمات الشيوعية، وحمل الفكر الذي تصوَّر أنه يدافع عن الفقراء، خاصةً الطبقة العمالية، وفي منتصف الثمانينيات استقرَّ في بيت شقيقته زينب؛ حيث إنه لم يتزوج، وبدأ الإيمان يستيقظ في قلبه مجددًا، وانتظم في أداء الصلاة وبقية العبادات، وأحسن الله خاتمته.

 

أما الشقيقة السابعة والأخيرة "حياة"، فكانت أقرب إلى شقيقتها "زينب"، وعاشت معها، أحبتها وأكرمتها، وخدمتها هي وضيوفها، وكانت "حياة" تشرف على البيت ومطالبه، وهذا ساعد الداعية الكبيرة على أداء دورها، وتفرغت تمامًا للعمل للإسلام.

 

وقبل وفاة زينب الغزالي تُوفي جميع أشقائها وشقيقاتها، وجميعهم معمَّرون، فقد تُوفُّوا بعد أن جاوزوا السبعين والثمانين وحتى التسعين من العمر، وعاشت والدتهم قرابة 93 عامًا وتُوفيت في أغسطس 1982م.

 

وبرغم هذا التنوع والاختلاف الفكري بين الأشقاء والشقيقات، إلا أنني أشهد بأن الاحترام والتقدير البالغَين كانا أساس التعامل بين الجميع، وكانت الداعية الكبيرة تحظى بمكانةٍ خاصةٍ داخل الأسرة؛ نظرًا لمكانتها في مصر والعالم الإسلامي، ولما تحمله من فكرٍ يحظى بالاحترام من الجميع.

 

كانت الأسرة- برغم اختلاف الفكر والتيارات السياسية- تعيش بأخلاقٍ عاليةٍ، وتماسكٍ كبيرٍ، واحترامٍ بالغ، وهذه صورة أُقدمها للذين يتهمون الإسلاميين بالتشدد تجاه الرأي الآخر؛ عسى أن يدركوا الحقيقة.