لم يكذب أحد المراسلين الفرنسيين حينما كتب يقول: ولم يعد في الشارع المصري إلا الإخوان المسلمون وآخرون، والرجل كان في مقولته هذه أصدق، وأوعى من قادة النظام القائم، أو الكابس على أنفاس الشعب، ومن يحملون المباخر، ويسيرون على الدرب من الكتاب، والصحفيين من هيئة مدرسة المستنقع الذين:

 إنْ قال سيدهم "لا" فهْي كِلْمتُهمُ     وإنْ يقل "نعمٌ" قالوا، "نعمْ" نَعَمُ

 عُمْىٌ عن النور، في آذانهم صَمَم        لا ينطقون بحق، إنهم بُكُمُ

يرضون بالدُّونِ والدنيا إذا نعموا         أما إذا حُرِموا أطماعَهمْ نَقَموا

 

ولم تعد سهامهم الخائبة توجه إلا إلى جماعة الإخوان التي يعبرون عنها دائمًا "بالمحظورة": فالعمال إذا طالبوا بحقوقهم اتهمت المحظورة بأنها وراءهم، والتهمة نفسها وجهت للمحظورة في إضرابات عمال المحلة، واعتصامات موظفي الشهر العقاري، وما زالت تتكرر مع كل تصرف لا يعجب حكومة النظام. ولا تعجب إذا ما قرأت في المستقبل القريب في إحدى صحف النظام خبرًا مؤداه أن الجماعة المحظورة وراء تطليق الزوج (فلان) لزوجته (فلانة)، مع أنهما كانا على وفاق دائم.

 

قلت ومن يدري. فلو عثرت بغلة بالعراق لكانت "المحظورة" مسئولة عنها؛ لأن المحظورة شغلت بإرهابها نظام الحكم في مصر، ومن ثم لم تنبه حكومتنا العراق إلى ضرورة تسوية الطرق ورصفها.

 

كل شيء حلال

وفي سبيل تشويه صورة الجماعة يستحل النظام وأتباعه الكذب، والمغالطة، والتزوير، والتهويل، لإيهام الشعب بخطورة وجود هؤلاء على أرض الكنانة. وأن استئصال شأفتهم واجب وطني وقومي، وربما ديني أيضًا.

 

وكلنا نذكر ما قيل وكتب عن ميليشيات الإخوان التي تهدد أمن الوطن، وتهيئ نفسها لارتكاب مذابح للذين يعارضونها، وأدخلت المواطنين في دائرة الرعب.

 

كل ذلك جاء استغلالاً لمشهد تمثيلي قام به طلاب الإخوان في جامعة الأزهر. وقد قاموا بتمثيله عدة مرات خلال عامين، ولم يتكلم أحد.

 

ونسأل هؤلاء أين هذه الميليشيات، وأين الرعب؟ وأين المرعَبون؟ حقًّا إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، وقل ما شئت، واكتب ما شئت.

 

وما زال خبير التعذيب يتكلم

إنهم يصفونه خطأ بأنه خبير الأمن، واسمه فؤاد علام، وما زال هذا الخبير يتكلم، ففي الأسبوع الماضي، شاهدته يصف الإخوان بأنهم يمثلون جهازًا سريًّا كامل التسليح في انتظار اللحظة المناسبة. وهذا لا يستغرب من مثل هذا الرجل، فأحكامه وأقواله تعد نقاط عارٍ، ونموذجًا خسيسًا في الكذب والمغالطات. ونحن مضطرون أن نذكر القراء ببعض أقواله السابقة، فمن قبل وفي كتاب صاغه له أحد أعضاء مدرسة المستنقع، واسمه "الإخوان وأنا"، أكد فيه خبير التعذيب أن الإخوان المسلمين لم يذهب واحد منهم إلى فلسطين، ولم ترق نقطة دم من واحد منهم.

 

فمن نصدق، هل نصدق "هذا الخبير التعذيبي"؟ أم نصدق قادة الجيش المصري في فلسطين سنة 1948م، وهم: اللواء أحمد المواوي، واللواء فؤاد صادق، والسيد طه "الضبع الأسود" وكلهم شهدوا ببطولة الإخوان في فلسطين أمام القضاء وفي مذكراتهم. وكان منهم شهداء وجرحى أنا أعرف بعضًا منهم؟.

 

ويظهر هذا أن ليس جديدًا عليه، ففي حوارٍ مع السيد الصحفي أحمد عبد الهادي في 7 أكتوبر سنة 2004م، كان من ضمن أكاذيبه، الأقوال الآتية:

- جماعة الإخوان المسلمين هي أسوأ هذه الجماعات، وأخطرها وأشدها شراسةً؛ لأنها تظهر عكس ما تبطن.

 

- جماعة الإخوان ترفض الاعتراف بالخطايا التي ارتكبتها في الماضي، وليس لديها الشجاعة في المراجعة.

 

- جماعة الإخوان ليست جماعةً دعويةً- كما يزعم قادتها- بل هي تنظيم سري، يمثل أخطر الفصائل الإسلامية الموجودة على الساحة.

 

- انتشار الجماعة ليس معناه نجاحها في تحقيق رسالتها، ولكنه انتشار اعتمد على غش الشعب تحت مظلة الدين.

 

- جنازة مشهور خديعة كبرى، فقد جمعوا المشيعين من القرى عن طريق عبارات مؤثرة عن الإسلام والمسلمين، وضرورة مشاركة المسلمين في جنازة رجل صالح، ومن الناس من حضر، وهم لا يعرفون الرجل، ولا حقيقته، ومع ذلك يزعم الإخوان أن الجنازة بلغت 300 ألف مشيع. مع أن هؤلاء الإخوان لو بلغ عددهم في مكان واحد 30 ألفًا لاستطاعوا أن يحدثوا انقلابًا.

 

- ثبت بالدليل القاطع أن المخابرات البريطانية والفرنسية كانت تقوم بتمويل الإخوان، في عهد الاحتلال البريطاني.

 

- الإخوان في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، كانوا يمولون من اليهود في مصر، ومصادر التمويل على وجه التحديد داود عدس، وصيدناوي.

 

وأعتقد ويعتقد القارئ معي أن هذا الكلام أقل من أن يرد عليه. فمعلومات الأطفال في الشوارع، يستطيعون أن يناقشوا ما قال هذا (الخبير التعذيبي).

 

وانتخابات نقابة الصحفيين

وكانت هذه الانتخابات مرعًى مستساغًا للحاقدين، والمشحونين، بكراهية الإخوان. ولأضرب مثالاً بما كتبه سليمان جودة في "المصري اليوم" (الإثنين 19 نوفمبر 2007م- عدد 1254)، وأنقل ما قاله بالنص:

"فقلت إن هناك أكثر من مؤشر مهم، يدعو إلى التأمل العميق، غير أن الأهم، هو ما كشفت عنه النتيجة، من تراجع حجم الإخوان في النقابة، ربما للمرة الأولى، منذ سنوات طويلة، وقد كان انحسار الإخوان في داخل النقابة ظاهرًا على عدة مستويات:

الأول أن تمثيلهم في مجلس النقابة السابق، كان أربعة أعضاء، فأصبح اثنين فقط في المجلس الجديد!!

 

والثاني أن محمد عبد القدوس الذي ننتخبه في العادة، لكونه ابن الأستاذ إحسان، وكونه لطيفًا، أكثر منه إخوانيًّا، كان قد اشتهر بأنه يحصل على أعلى الأصوات، في كل انتخابات خاضها من قبل، فإذا به هذه المرة يحصل على المرتبة الخامسة، من حيث عدد الأصوات الحاصل عليها، ويتقدم عليه الزميل عبد المحسن سلامة، الذي يرشح نفسه لأول مرة!!

 

أما المستوى الثالث، الأكثر مدعاةً للدهشة، فهو أن الفارق بين عدد الأصوات، التي حصل عليها الأستاذ رجائي الميرغني المرشح الذي كان الإخوان يدعمونه أمام الأستاذ مكرم محمد أحمد، وصل إلى ما يقرب من ألف صوت، لصالح النقيب مكرم الذي فاز بالموقع، بثلثي الأصوات؛ مما يدل في النهاية على أن الإخوان- الذين ناصروا مرشحهم علانيةً وحصل على الثلث- عجزوا عن الدفع به إلى منصب النقيب، وهي مسألة تدعونا إلى تناول ظاهرة الإخوان، فيما بعد، بموضوعية واجبة، دون تهويل من حجمهم، ودون تهوين أيضًا.

 

فحجم الدعاية التي أحاطت بمرشحهم على موقع النقيب، ومواقع المجلس كان هائلاً، وكان مُزايدًا في بعض الحالات، ومع ذلك فهذه هي مساحتهم الحقيقية، وهذا هو طولهم الطبيعي، في انتخابات امتازت بالشفافية، والنزاهة، ولم يتدخل فيها أحد!!".

 

وعلينا أن نقف بموضوعية أمام ما ذهب إليه سليمان جودة: فالموازنة التي عقدها بين وضع الإخوان حاليًا، ووضعهم في السابق موازنة غالطة، كما أن المقاييس التي أخذ نفسه بها، مقاييس ساقطة، وكذلك الأحكام، التي انتهى إليها:

1- فاثنان من الإخوان في مجلس النقابة حاليًّا بعد أن كانوا أربعة فيما قبل لا غرابة فيه؛ لأن لكل انتخاب ظروفه التي يطول شرحها.

 

2- ونسبة نجاح الإخوان هي 77% من الإخوان الذين خاضوا الانتخاب أخيرًا، إذ وفق اثنان ولم يوفق الثالث. ولو قام جودة بإحصائية شاملة، لوجد أن هذه النسبة تفوق نسبة الآخرين بالنظر إلى أحزابهم، أو توجههم السياسي.

 

3- يا ليتك يا سيد جودة قد ذكرت- ولو على سبيل الإلماع- حذف المرشح الإخواني أحمد عز الدين من قائمة المرشحين، وهو ظلمٌ فادح، وتحدٍ صارخ لحكم القضاء.

 

4- ثم ما ذنب الإخوان إذا لم يوفق الأستاذ رجاء الميرغني في موقع النقيب، حتى والإخوان يناصرونه، وهذا من حقهم. ولا يجهل أحد أن الدعاية التي حظي بها مكرم محمد أحمد، وربط المسئولين زيادة الـ"200 جنيه" بنجاحه لكفيلة بإنجاحه دون نقاش.

 

5- وأعجب من العجب نفسه أن يبرر جودة انتخابه لمحمد عبد القدوس بتبريرين:

الأول: أنه ابن إحسان عبد القدوس.

 

والثاني: أنه "لطيف" أكثر منه إخوانيًّا.

 

كأن الإخوان لا يعرفون اللطف، وكأن النسب واللطف، هما مؤهل محمد عبد القدوس، وأنه لا يتمتع بقدرات عقلية، وإدارية، وأمانة في أداء رسالته.

 

أين الموضوعية يا جودة؟

6- ويأتي حكمه النهائي بالتقليل من شأن الإخوان بأن هذه مساحتهم الطبيعية، وهذا هو طولهم الطبيعي، في انتخابات نزيهة.

 

وكنت أتمنى أن ينظر جودة إلى وضع الإخوان في كل النقابات كنقابة المحامين، والمهندسين، والأطباء، والعلميين، فمثل هذه النظرة الشمولية لو حدثت لنسفت قوله الذي يزري بقيمة الإخوان ومكانتهم.

 

ونتقل إلى آخر وهو خالد إمام- رئيس تحرير "المساء"- وما كتبه يوم الأربعاء 21 نوفمبر 2007م، وأيضًا نقدم ما قاله للقارئ بالنص:

"وإلى معارك الصحافيين ونتائج انتخابات النقيب وأعضاء المجلس والتي اعتبرها زميلنا خالد إمام رئيس تحرير "المساء" يوم الأربعاء معركة تحرير للنقابة من المحتلين والغاصبين وإن كان تحريرًا غير كامل- قال: نجح الصحافيون بإرادتهم الحرة وباختياراتهم المحايدة والوطنية في أن يحرروا نقابتهم إلى حد كبير ممن احتلوا كل حجرة فيها، من الدور الأول حتي الأخير.

 

كانت لديهم رغبة قوية وجارفة في أن يستردوا النقابة ممن اغتصبوها سنوات وسنوات، وحولوها إلى أوكار لتياراتهم الهدامة التي تحارب كل شيء وترفض أي شيء، لمجرد الحرب والرفض، جاء الرجل المناسب في المكان المناسب، واخترنا نقيبًا تتوافر فيه كل صفات المنصب.

 

واخترنا مجلسًا متوازنًا تغلب عليه المهنية ويمثل كافة التيارات، لا هو شرقي ممجوج ولا هو غربي مرفوض، مجلسًا ليبراليًّا لا تتحكم فيه الذقون التي تريد هدم المعبد على من فيه ولا العلمانية المفرطة التي تتشيع للا دين وتنخر كالسوس في القواعد الراسخة للمجتمع بانحلالها واستهتارها.

 

وإذا كنا قد حررنا النقابة كمبنى وبيت لكل الصحافيين، فالواجب على النقيب والمجلس أن ينعوا أي تجاوز فيه، مثل المؤتمرات المشبوهة، والاعتصامات اللامنطقية، واجتماعات التهييج والإثارة وغير ذلك، وإلا كان التحرير ناقصًا أو شكليًّا، وآن الأوان للنقيب ومعه الأغلبية بالمجلس أن يحرروا سلم النقابة ممن يحتلونه ويجعرون عليه بالميكروفونات أو يبيعون من فوق درجاته الخضار والفاكهة!! عيب جدًّا أن تضم النقابة زملاء من هذه النوعية أو تلك تحت أي ذريعة كانت.

 

وهكذا يا إخواني نحمد الله عز وجل أن بدأت مسيرة التحرير، فحررنا جزءًا، والباقي في الطريق، اتباعًا لسياسة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة التي بدأها، وهي خذ، وطالب، المهم أننا تخلصنا من أصحاب اللحي ومن الكفار من زملائنا وبقيت السلالم وباعة الخضار".

 

وفي الكلمات السابقة نجد انفلاتًا عاطفيًّا جعل الكاتب يخبط خبط عشواء، فهو يعتبر الإخوان في نقابة الصحفيين، محتلين وغاصبين، وتخليص النقابة منهم يعد تحريرًا لها، وقضاءً على أوكار التيارات الهدامة التي تحارب كل شيء.. ثم أخذ يسخر من أصحاب الذقون؛ لأنهم يريدون هدم المعبد على من فيه.

 

واستساغ صاحبنا هذا منطقه الأعمى، وأخذ يسخر من باعة الخضار والفاكهة، ويعني بهم صحفيي جريدة "آفاق عربية" الذين اعتصموا بالنقابة، ووضعوا أمامهم بعض الخضار كرمز للمسئولين بالنقابة بأنه لم يعد أمامهم إلا أن يهينوا مهنة الصحافة، ببيع الفاكهة والخضراوات في الأسواق، بعد أن أغلقت "آفاق عربية"، وانقطعت مرتباتهم، وأغلبهم يعولون أسرًا.

 

كنت أتمنى من صاحبنا هذا أن يراعي الجانب الإنساني في النظر إلى هؤلاء المساكين، ولا يتخذهم مادة للسخرية، وعلى أية حال أعتقد أن ما قال هذا الصحفي، ولد ميتًا، ولا يستحق الرد عليه.

 

هذه بعض الأكاذيب التي يسوقها أعداء الإخوان، وللأسف نجد وسائل الإعلام مفتوحةً عليهم، ومفتوحةً لهم، يقولون ما يشاءون، ما دام ذلك في النيل من جماعة الإخوان، أو "المحظورة" كما يحلو لهم أن يطلقوا عليها، ولكن ليعلم هؤلاء أن البقاء للأصلح دائمًا، وأن الكذب لا يصمد أبدًا أمام نار الحقيقة.

---------

* [email protected]