خمس محاكمات عسكرية هي حصيلة المحاكمات التي مثُلَ أمامها قيادات الإخوان المسلمين في عهد الرئيس مبارك، منذ عام 1995 في القضية التي اتُّهِمَ فيها عددٌ كبيرٌ من قيادات الإخوان، منهم فضيلة المرشد العام للجماعة الأستاذ محمد مهدي عاكف، وأيضًا نائباه الدكتور محمد حبيب وكذلك المهندس خيرت الشاطر.

 

ورغم تفاوت المدة الزمنية بين كل قضية وأخرى، إلا أن المحاكمات الخمسة للإخوان اشتركت في الكثير من التفاصيل، في مقدمتها الظلم الواقع على المحالين للمحكمة، وتلفيق الأدلة وشهادات الزور وغيرها، حتى إنها اشتركت أيضًا في الكثير من التفاصيل الصغيرة التي تستوجب الوقوف معها.

 

وأول ما يلفت نظر المتابع أن قاعة المحكمة هي نفسها التي جرَت فيها المحاكمات الخمسة، والتي كانت في الأصل قاعةً للسينما والمسرح خاصة بالمعسكر، وتم تحويلها عام 95 إلى قاعة محكمة، وهي ليست القاسم المشترك الوحيد بين المحاكمات الخمسة، ولكن القاسم المشترك الأعظم فيها هو شخص يعرفه الجميع، وتوجد بينه وبين المحامين علاقةٌ تمتدُّ لأكثر من عشر سنوات، يناديه الجميع بـ"عم عيد"، بالرغم من رتبته العسكرية، إلا أن "عِشْرِة" السنوات بين "عم عيد" ومحامي الإخوان، وأهالي المعتقلين أكبر بكثيرٍ من كل الرتب العسكرية.

 

إنه النقيب عيد كاتب المحكمة العسكرية، بداياته مع الحياة العسكرية لا نعرف عنها الكثير، إلا أنه مع بداية المحكمة العسكرية الأولى للإخوان في عام 95 كان برتبة شاويش، يتميز بخط كتابي جميل، لا يختلف عليه اثنان، وسرعته في الكتابة رشحته وقتها لأن يكون كاتب المحكمة، ليبدأ "عم عيد" قصةً طويلةً مع محاكمات الإخوان.

 

على مدار 12 سنةً كتب "عيد" التفاصيل الدقيقة للخمس قضايا العسكرية التي اتُّهِمَ فيها الإخوان، وخلال هذه الفترة رُقِّيَ "عيد" من رتبة شاويش حتى وصل إلى رتبة نقيب، وهي أعلى رتبة يمكن أن يرقى إليها فردٌ متطوع بالجيش، قد يأخذ بعدها رتبة رائد شرفية فقط عند خروجه للمعاش.

 

وفي المحاكمات الخمس تغير القاضي، وتبدَّلت الأوجه، واختلف المعتقلون واختلف كل شيء عدا عم عيد، الذي لا يعرف أحدٌ سرَّ ارتباطه بقضايا الإخوان العسكرية، إلا أن أحد محامي الإخوان قال ذات مرة- ردًّا على هذا التساؤل-: إن السبب بسيط وهو أن "عيد" يكتب ما يؤمَر به أن يكتبه فقط؛ فـ"عيد" ذو خبرة واسعة جدًّا بمحاكمات الإخوان، وعلى مدار الـ12 سنة أجمع جميع من يقرأ محاضر الجلسات التي يخطُّها بخطِّ يده أنه لا يكتب كل ما يدور بالجلسات كما يجب أن يفعل بل هو يكتب ما يحب أن يكتبه فقط أو بالأحرى ما طُلِبَ منه أن يكتبه.

 

و"عم عيد"- كما يناديه المحامون وأهالي المعتقلين على حدٍّ سواء- رجلٌ هادئُ الطباع، نادر، لا ينفعل إطلاقًا، يقرأ ما يريده القاضي بالإشارة، ولا يحتاج لوقت كبير حتى يعرف المطلوب منه، ولعل هذا الهدوء جعله خبيرًا في التعامل مع المحامين أيضًا، فهو يتلقَّى الهمز واللمز، وفي كثير من الأوقات الانتقادات الشديدة من هيئة الدفاع بابتسامة عريضة تحمل بين ثناياها الكثير من علامات التعجُّب حول القضية ونهايتها!!.

 

ومما يلفت النظر أن "عم عيد" حريص على هندامه، فهو يعرف أن القضايا التي يحاكَم فيها الإخوان تختلف عن غيرها؛ حيث يقف أمامه في قفص الاتهام خيرةُ أبناء مصر، من علماء وساسة ورجال أعمال، وأساتذة جامعات ونقابيون بارزون، ولعل الخبرة الطويلة التي نشأت بين "عيد" ومحامي الإخوان، جعلت التعامل بينهم أسهل بكثير مما مضى.

 

فمحامو الإخوان في القضايا العسكرية الخمسة لم يختلفوا كثيرًا، وبالتالي فإن أغلبهم تعامل مع "عيد" في القضايا الخمسة، وهو ما جعلهم على دراية كاملة بفنون التعامل مع كاتب المحاكم العسكرية؛ لذا تُلاحظهم في جلسات المحكمة وهم يصرُّون على بعض النقاط أن تثبُتَ حرفيًّا كما ينطقونها، أو كما ينطقها الشاهد، والتأكيد على ذلك أكثر من مرة، وأحيانًا يتظَاهرون بأنهم يريدون سماع نقطة ما من محضر الجلسة كانت قد حدثت منذ لحظات؛ ليتأكدوا فقط أن "عيد" كتبها كما حدثت تمامًا.

 

أهمية "عيد" لا يختلف عليها اثنان؛ فهو من عناصر المحكمة الهامة، ويمثل بالنسبة للقاضي أهم شيء في المحكمة كلها، فنرى القاضي- وخاصةً في قضية الشاطر الأخيرة- لا يبدأ الجلسة إلا بعدما يتأكد أن "عيد" جاهز تمامًا، كما أنه ينبِّه على أي شاهد أو على أي شخص سيتحدث أمام المحكمة أن يركِّز مع "عيد"، فعندما ينظر "عيد" إلى أوراقه ليكتب فعلى الشاهد أن يصمت، أما عندما ينظر إلى الشاهد فعلى الشاهد أن يتحدث مرةً أخرى وعلى هذا المنوال تسير المحكمة.

 

على مدار الجلسات دائمًا ما تسمع القاضي، وهو يردِّد كلمته الشهيرة: "خلاص خلصت يا عيد؟" و"كتبت يا عيد؟".. اهتمام القاضي الشديد بـ"عيد" كان مادةً جيدةً لإثارة ضحك أهالي المعتقلين، وذويهم، بل والمعتقلين أيضًا، فكثيرًا ما كنت تسمع تعليقًا من قبيل: "مش مهم طلبات الدفاع ولا المتهمين ولا الأدلة ولا أي حاجة.. المهم عيد بيكتب".