المتتبع لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين، من يوم نشأتها وحتى اليوم، يجد صورة واحدة: محتل أجنبي أو عدوّ- صهاينة أو إنجليز أو أمريكان أو غيرهم- يشاركون مع الحكومات "الوطنية" في ضرب الإخوان بلا هوادة؛ بغرض استئصالهم، وكلٌّ له مصلحته، غير أن الذي يدعو للعجب أن حكوماتنا "الوطنية"، من يوم أن تصدَّرت أول حكومة منها للإخوان وحتى اليوم لا ينظرون أبدًا لمصلحة بلدنا ولا يحترمون رغبة شعبنا.. بل هم دائمًا في خدمة العدو أو المستعمر، يقدمون مصلحته علي مصلحة الوطن.

 

بهذه الكلمات قدم الزميل الصحفي عامر شماخ لكتابة الجديد "الإخوان والعنف.. قراءة في فكر وواقع جماعة الإخوان المسلمين"، تضمن الكتاب سبعة فصول في 231 صفحة من القطع المتوسط.

 

كتاب "الإخوان والعنف.." عبارة عن عرض تاريخي لجماعة الإخوان المسلمين من بداية نشأتها، مرورًا بقرار الحل والعودة ، وبعض المراحل الحيوية في حياة الجماعة، كان في بدايتها حرب فلسطين والحديث عن النظام الخاص، ومواقف الجماعة من قضايا العنف باستطراد، بدايةً من السيارة الجيب، وقضية اغتيال النقراشي، وانتهاءً بحادث المنشية.

 

 الصورة غير متاحة

الإمام الشهيد حسن البنا

 وانتقل بعدها لعرض بعض المقتطفات من تصريحات مرشديها السابقين إزاء هذه القضية، بدايةً من المؤسس الأول الإمام حسن البنا، وانتهاءً بمرشدها الحالي محمد مهدي عاكف، وعرَض لأقوال العلاَّمة الدكتور يوسف القرضاوي في هذا الشأن، ومنها انتقل لعرض بعض البيانات التي أصدرتها الجماعة تدين فيها كافة حوادث العنف، واختار أحدثها، بدايةً من محاولة اغتيال رئيس الجمهورية حتى تفجيرات دهب منذ سنتين تقريبً، وعرض في نهاية كتابة لشهادات غير الإخوان يشهدون فيها بعدم انتهاج الجماعة العنف، وصدرها بتصريحات للرئيس المصري محمد حسني مبارك والصحفي اليساري صلاح عيسى وريتشارد ميتشل، وانتهى بهذه الشهادات للباحثة الألمانية إيفيزا ليون.

 

وعرض في نهاية كتابة بعض المقتطفات في العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والأقباط وموقف الجماعة من التكفير والحكم، وموقفهم من جماعة الجهاد واستخدامها للعنف.

 

محن وابتلاءات

تحت هذا العنوان عرض الكاتب لقرار حل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر عام 1948، والذي أعقبه حادث اغتيال الإمام حسن البنا، وتوالت بعد ذلك محن قاسية على الجماعة، بدايةً من يناير 1954 وأكتوبر من نفس العام، ثم مذبحة طرة ومحنة 1965 ثم حادثة كرداسة الشهيرة، وعرض بعد كل هذا لخطة استئصال طويلة المدى انتهى بها لخطة الرئيس السابق محمد أنور السادات عندما شكَّل لجنةً لمكافحة الإخوان، تلتها اعتقالات بالآلاف في صفوف الجماعة وسبع محاكمات عسكرية، وقتل أربعة من أفراد الجماعة في عهد الرئيس الحالي محمد حسني مبارك.

 

ويوضح المؤلف أن قرار حلّ الجماعة جاء بعد اجتماع سفراء دول بريطانيا وفرنسا وأمريكا في مدينة فايد خريف 1948؛ حيث قرروا في هذا الاجتماع حلَّ الجماعة والتخلص من مرشدها، وعليها قامت الحكومة الوطنية بتنفيذ المخطط مستغلةً فرصة السيارة الجيب؛ حيث تزامن قرار الحل مع هذه الحادثة الشهيرة.

 

ويؤكد أن قرار حل الجماعة صدر والإخوان لديهم ألفا شعبة في أنحاء العاصمة والأقاليم، ومثل هذا العدد من جمعيات البر والخدمة الاجتماعية ومئات المستوصفات والنوادي الرياضية، كما صدر نفس هذا القرار والإخوان لديهم جيش من الفدائيين يحاربون في فلسطين ويحمون مؤخرة الجيش المصري.

 

عرض الكاتب للمذكرة التفسيرية لقرار الحل، ثم ردّ الإمام الشهيد على هذه المذكرة، جاء فيها أن كل الاتهامات التي وجِّهت للجماعة لا أساس لها من الصحة، وأن كل من درس نظم الإخوان أو اتصل بهم يعلم تمام العلم بطلان كل ما وجِّه إليهم من اتهامات.

 

وأضاف الإمام البنا في رده أن قرار الحل كان وفقًا لنهضة اجتماعية كبرى تهيَّأ لها شعبُ هذا الجيل من أبناء الوطن وأفضل العقائد وترك في النفوس أعمق الآثار.

 

وفي سياق الابتلاء يتحدث الكاتب عن اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، فيضيف أن الجريمة لم تكن باعتقاله فقط وإنما كانت بمنع تشيُّعه أو الصلاة عليه إلا لوالدة، ولم يستطع أحد أن يقدم واجب العزاء فيه إلا مكرم عبيد باشا، بل بادروا باعتقال كل من يُرَى حزينًا لموته أو يقرأ الفاتحة له، وبعدها انطلقت حملة مسعورة لاعتقال روَّاد المساجد، وتم تعيين الحراسات على المقابر وتفتيش الجثث التي تدخلها خوفًا من خروج جثة الإمام الشهيد.

 

حقبة عبد الناصر

 الصورة غير متاحة

عمر التلمساني

بعد قرار الحل قام الرئيس جمال عبد الناصر في 12 يناير 1954 باعتقال آلاف من الإخوان، وتم إيداعهم سجن الحربي، ثم سجن العامرية بعد ذلك، وتعرَّض خمسة منهم لأبشع أنواع التعذيب، منهم عبد القادر عودة وعمر التلمساني، وما إن انتهت هذه المحنة لتشتبك معها محنة أخرى في أكتوبر 1954 إثر انفجارات نسف مبنى السكة الحديد والجامعة ومحل جروبي في توقيت واحد.

 

أضاف الكاتب أن الابتلاءات التي شملت الجماعة في العشرين سنة الأخيرة جاءت بعد مقتل الرئيس السابق محمد أنور السادات وخروج مرشد الإخوان الثالث عمر التلمساني من السجن، بعدما اتجهت الجماعة للعمل العام، مثل البرلمان والنقابات ونوادي هيئة التدريس والعمل الطلابي؛ من أجل التغيير عن طريق النضال الدستوري؛ حيث اعتقل الآلاف من الإخوان، ولم تخلُ وقتها السجون والمعتقلات من الإخوان، واستغل النظام مناسباتٍ بعينها، فكان يعتقل في المناسبة الواحدة الآلاف من أعضاء الجماعة، وانتهى ذلك باعتقال أربعة من الجماعة: ثلاثة منهم في السجون، والرابع في إحدى سيارات الترحيلات، بعدما تعمَّدوا عدم إسعافه، غير الكثير الذي مات بطيئًا بعد خروجه من المعتقلات؛ بسبب التعذيب والإهمال والحالة السيئة التي عليها السجون؛ لينتهي كل هذا بسبع قضايا عسكرية أخرها القضية المنظورة الآن ويحاكم أمامها أربعون من قيادات الجماعة، ولم تصدر بشأنهم أحكام.

 

النظام الخاص

تحت هذا العنوان عرض الكاتب لظروف نشأة الجهاز الخاص ومهامه وما قام به خلال السنوات التي نشأ فيها، مؤكدًا أن نشأة هذا الجهاز كانت بعيدةً تمام البُعد عن ممارسة العنف بكافة وسائلة؛ حيث انحصرت أدواره في أعمال فدائية قام بها النظام الخاص ضد المحتل الإنجليزي، عرض فيها شمَّاخ لهذه المهامّ، ومنها تعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد علاوةً على محلات شيكوريل والشركة الشرقية للإعلانات وشركة أراضي الدلتا بالمعادي، ونسف بعض المساكن في حارة اليهود بالقاهرة، وحوادث قنابل عيد الميلاد، وحادثة النادي الإنجليزي ومثلها حادثة النادي الإنجليزي المصري وحادثة فندق الملك جورج.

 

ويعرض بعض ما قام به الجهاز الخاص حيث هاجم دوريةً مصفحةً جنوب القنطرة وقذف مئات من سيارات الاحتلال بالقنابل والزجاجات الحارقة، علاوةً على نسف مخازن الذخيرة بأبي سلطان، وتدمير أنابيب المياه التي تغذي المعسكرات الإنجليزية، ونسف قطارات الإنجليز في مناطق السويس والإسماعيلية، وضرب سيارة مصفَّحة بمعسكر القرين، ونسف خط السكة الحديد بقرية أبو حماد وإحراق مخازن البترول في جبل عتاقة بالسويس، علاوةً على عشرات العمليات الأخرى.

 

وتناول كذلك دوره المحوري في معركة كفار ديروم الأولى، ونصب كمائن للعدو واصطياده أفراده بعد تدمير شبكات مياهه، كما عرض لدور الجهاز في الاستفادة من البدو في الحرب على اليهود، والحصول على كميات هائلة من الأسلحة والدجاج في معركة كفار ديروم، وتدمير برج مستعمرة "تل بيوت"، واسترداد دير مار إلياس، وتحرير قرية العسلوج من أيدي اليهود ومنع العدو من احتلال جبل المكبر وتكبيده خسائر فادحة.

 

كما عرض لدور الجهاز في تدمير مركز قيادة اليهود وبداخله ضباط كبار والاستيلاء على تبّة اليمن وتغير اسمها إلى تبَّة الإخوان وتموين قوات الجيش المصير الحاصر في الفالوجا؛ لينتهي كل ذلك بمجاهدين الإخوان في معتقلات رفح.

 

قضايا العنف

يقسم الكتاب الحديث عن قضايا العنف إلى قضايا عنف كان الإخوان طرفًا فيها وقضايا أخرى تمَّ الزج باسم الإخوان فيها، وضرب مثالاً للقضايا التي كان الإخوان طرفًا فيها بقضية السيارة الجيب، والتي اتهم الإخوان فيها بقلب نظام الحكم بواسطة عصابات مسلحة؛ حيث ضبطت السيارة الجيب عن طريق المصادفة وعُرف تنظيم الإخوان الخاص لدى الحكومة والأمن، وعلى هذا بدأ النقراشي في التضييق على الجماعة حتى انتهى الأمر بحلها، ثم تلى ذلك قضية اغتيال النقراشي وقضية محاولة نسف محكمة الاستئناف وقضية الاعتداء على حامد جودة عند محاولة تدبير قتل إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء آنذاك، ردًّا على قتل النقراشي، ثم قضية الأوكار، واغتيال أحمد الخازندار.

 

وعرض الكاتب لأهم القضايا التي تم تلفيقها للإخوان، منها قضية اغتيال سيد فايز، وحادث المنشية، على اعتبارهم من أبرز القضايا التي تم اتهم فيها الإخوان.

 

بيانات وتصريحات وشهادات

 الصورة غير متاحة

الأستاذ مهدي عاكف

عرض الكاتب لأقوال المرشدين السابقين وبيانات الجماعة في نبذ العنف، بدايةً من الإمام حسن البنا في رسالة (دعوتنا) ورسالة (بين الأمس واليوم) ورسالة المؤتمر الخاص ورسالة (هل نحن قومٌ عمليون؟)، ثم عرض لبعض من أقوال المرشد الثاني حسن الهضيبي وتلاها بعرض آخر للمرشد الثالث عمر التلمساني، وذكر نص كلام الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد الحالي في نبذ العنف، والجماعة تجدد رفضها لجميع أعمال العنف والقتل والتدمير، وتؤكد أن هذا الأسلوب لا يؤدي إلي صالح البلاد والعباد، بل يصبُّ في مصلحة أعداء الإسلام والمتربِّصين بأوطاننا العربية والإسلامية.

 

وعرج الكاتب قائلاً: ومنهج الإخوان المسلمون منهجٌ سلميٌّ يسعى للتمسك بسماحة الإسلام صفةً لازمةً لأي مشروع إسلامي إصلاحي، فهم يؤكدون أن الحوار البنَّاء والحقيقي بين كافة أطراف الوطن هو السبيل للقضاء على أي فساد أو استبداد.

 

وانتقل الكاتب بعد ذلك لعرض أهم بيانات الجماعة في الإعلان عن نبذ العنف بدايةً من "بيان للناس" للتذكير بصحيح فكر الإخوان، ثم بيان آخر بشأن محاولة الاعتداء على رئيس الجمهورية، وبيان بشأن أحداث الكشح، وبيان آخر بشأن الاعتداءات التي تعرضت لها أمريكا، وكان آخرها البيان الذي كتبة الإخوان بشأن تفجيرات مدينة دهب منذ سنتين.

 

وعرض الكاتب لكلام غير الإخوان في الشهادة بأن الإخوان لم يستخدموا عنفًا، بدايةً من حديث الرئيس المصري حسني مبارك عندما قال لجريدة "لوموند" الفرنسية مصرِّحًا في عام 1993- ونُشر ذلك في جريدة (الأهرام) المصرية- أن هناك حركةً إسلاميةً في مصر تفضِّل النضال السياسي على العنف، وقد دخلت هذه المعركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعت النجاح في انتخابات النقابات المهنية، مثل: الأطباء والمهندسين والمحامين.

 

ثم عرض لشهادة الكاتب اليساري صلاح عيسى وشهادة ريتشارد (صاحب كتاب: الإخوان المسلمون)، ثم شهادة الأديب أحمد حسن الزيات والمفكر القبطي رفيق حبيب وشهادة الصحفي مصطفى أمين والصحفي القبطي موسى صبري والكاتب الأمريكي جراهام فولر، ثم شهادة الباحثة الألمانية إيفيزا ليون.

 

الأقباط والتكفير والجهاد والحكم

عرض الكاتب في نهاية بحثه لبعض القضايا، ومنها العلاقة مع الأقباط وقضية التكفير والجهاد وقضية الحكم، ورؤية الإخوان لكل منها بشكل منفرد، مستشهدًا بالآيات الكريمة وبعض أقوال المؤسس الأول للجماعة من خلال رسائله منها (رسالة إلى الشباب)، وسرد في ذلك الكاتب احتفاء الأقباط أنفسهم بالإمام البنا، من خلال لويس فانوس أحد زعماء الأقباط؛ حيث كان حاضرًا أغلب دروس البنا إعجابًا بشخصية، وعندما ترشَّح البنا في الانتخابات البرلمانية كان وكيله في أحد اللجان، وعندما منعت الحكومة أحدًا من السير في جنازة البنا كان مكرم عبيد مشيِّعًا للجنازة، وشارك ثلاثة من الأقباط في اللجنة السياسية المركزية للإخوان التابعة لمكتب الإرشاد، وهم: وهيب بك دوس، ولويس فانوس عضو مجلس النواب، وكريم ثابت الصحفي المعروف.

 

وسرد الكاتب لأحداث الوقيعة بين الإخوان والأقباط وكلام الهضيبي بشأن الأقباط أنهم شركاء في الوطن والمصير؛ لينتهي بذلك الجدل الدائر حول قضية الأقباط وعلاقة الإخوان بها.

 

وكذلك قضية التكفير وقول الإخوان في ذلك من خلال مقولات للمرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي والمرشد الثالث عمر التلمساني، ثم موقف الجماعة من قضية الجهاد؛ ليُنهي بحثه عن موقف الجماعة من الحكم، نافيًا تهمة سعي الجماعة للوصول للحكم، وأن الإخوان لم ولن يسعوا للقفز على السلطة والسيطرة على مقاليد الأمور، مضيفًا أن قادة الجماعة- رغم إيذاء الحكام والحكومات لهم- يقومون بالتقرب منهم وإظهار النيات الحاسمة من جانبهم، ومدّ الأيادي بالمصافحة والمسامحة.