- الطلاب: الكتاب غالٍ ومملّ والملازم مختصرة ومفيدة

- د. المهدي: "المَلازم" تقدمها مكتبات تدميرية وليست تعليمية

- د. زينب: الكتاب يحتاج إلى تكلفة ليوفر للأساتذة ضروريات الحياة

- د. دياب: لسنا باعة كتب ومطلوب إدارة أمينة للطباعة والبيع

 

تحقيق- سلمى البحيري

في الوقت الذي يشكو فيه الجميع من سوء المنظومة التعليمية، والتي تنتهي بطلاب جامعيين بدرجة "أُمّيّ"، يشكو الأساتذة في الطرف الآخر من قلة الدخول والمرتبات، وهو ما يشكِّل إحدى أزمات الجامعات المصرية، التي تحمل العديد من المشكلات.

 

وعند البحث في ملفات الجامعة وجدنا الكتاب الجامعي الذي أصبح وصمة عار على الجامعات المصرية؛ أستاذة يؤلفون، ويعدون الكتب، وطلبة لا تشتري منها شيئًا!!.

 

 الصورة غير متاحة

وتبدأ حلقات الصراع بين الأستاذ الجامعي والطالب، بوسائل الضغط المختلفة من الأستاذ، ووسائل الهروب والتنصُّل المختلفة من الطالب؛ فالطالب يسير على مبدأ "إيه اللي رماك على المرّ؟ قال: اللي أمرّ منه"؛ الأمر المرّ هنا هو شراء الملخَّصات التي تحمل أسعارًا باهظة، والأمرّ منه بالطبع كتاب أستاذ المادة، الذي يحتاج إلى قاموس لفكِّ شفراته!.

 

في هذا الوقت نجد أساتذة الجامعة يتعلَّقون بشعار "سرقة الملكية الفكرية" وحرمتها، والأضرار التي ترجع على الطالب من عدم شراء الكتاب، فيستخدمون الترغيب والترهيب، وما زال الصراع مستمرًّا، وفي هذا التحقيق، اقتطعنا جزءًا من هذا الصراع؛ لنبحث عن آلية لحل هذه الإشكالية:

 

في البداية ذكرت شيماء محمد (طالبة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة) أن الكتاب في الكلية يتراوح ثمنه ما بين 15 و20 جنيهًا، والطلاب غير القادرين لا يحصلون على الدعم، فلا يحصل على الدعم من الدفعة الواحدة غير 5 طلاب، متسائلةً: هل يُعقل أن تحتوي الدفعة الواحدة المكوَّنة من حوالي 1500 طالب على 5 طلاب غير قادرين فقط؟!

 

"المَلازم".. المختصر المفيد

وتضيف شيماء: "الأساتذة يضاعفون أوراق الكتاب لتزداد قيمته المادية، وفي آخر العام يتم حذف ثلثي الكتاب، ونحن مُجبَرون على شراء الكتاب لنحصل على الورقة الذي تُثبت شراءنا للكتاب، وعلى الرغم من ذلك لا نستفيد من الكتاب ولا نذاكر منه، فالملازم ملخّصة وواضحة وتعطينا المفيد".

 

وأكدت شيماء أن أحد الأساتذة بالكلية فرَض علينا دخول المحاضرات بالكتاب، وبعد أن ضَمِنَ أن الطلاب قد اشتروا الكتاب لم يسأل عنه ثانيةً!!.

 

أما عمار محمد (طالب بكلية السياحة والفنادق) فيرى أن المشكلة ليست في ثمن الكتاب ولا في مضمونه، ولكن الكتاب ينزل قبل الامتحان بأسبوعين ويصل حجمه إلى 400 أو 500 ورقة، فلا يوجد وقت لمذاكرة هذا الكتاب.

 

بينما نور طه (طالبة بكلية التجارة) فلم تشترِ الكتب الجامعية إلا في السنة الأولى؛ لأنها كانت مستجدَّة ولا تعرف مدى سوء الكتاب الجامعي وقيمته الرديئة، مؤكدةً أنها تذاكر دائمًا من الملخَّصات والمَلازم التي تعدّها المكتبات.

 

 الصورة غير متاحة

 الكتب الجامعية أصبحت وصمة عار على الجامعات المصرية!!

وعن دعم الكتاب الجامعي قالت نور: لا يحصل على الدعم سوى 25 طالبًا في المادة الواحدة، وذلك من بين دفعة تحمل الآلاف من الطلاب.

 

أسماء منصور (طالبة بكلية دار العلوم) فلها موقف مع أحد الأساتذة؛ حيث ذهبت لأستاذ مادة الأدب والنصوص، وطلبت منه تقديم البحث من غير الورقة التي توضع في آخر الكتاب؛ لأنها لا تملك ثمن الكتاب، ووقتها علا صوتُه في المدرّج؛ اتهامًا لها بادِّعاء الفقر والتمثيل للحصول على الكتاب مجانًا، ثم أهانها في المدرَّج أمام زملائها!!.

 

وأشارت منى السقاري (طالبة بكلية التربية النوعية) إلى أن الدكتور يسجِّل أسماء الطلاب الذين يشترون الكتاب ويترك نسخةً أخرى في المكتبة لتسجيل أسماء المشترين، ومع الكتاب يتم إرفاق ملزمة لامتحان أعمال السنة؛ وبذلك يفرض علينا شراء الكتاب، وزيادةً على ذلك لا ندخل امتحان العملي من غير الكتاب!.

 

أرقام فلكية!!

والأرقام الفلكية للكتاب الجامعي وجدناها في كلية الهندسة والتجارة "إنجليزي" والطب والصيدلة؛ فتقول سمية محمد (طالبة بكلية الهندسة جامعة القاهرة) إن الكتاب الواحد يصل ثمنه إلى 100 أو 200 جنيه، وفي نفس الوقت الكتاب ليس له أية فائدة، و"شيت" التدريبات أهم، والشرح نحصل عليه من المحاضرات، ويطلب منا الدكتور مراجع كبيرة جدًّا لا نفهم منها شيئًا، كما أننا لا نحصل على الدعم من إدارة الكلية.

 

أما أمنية عبد الستار (طالبة بكلية التجارة إنجليزي) ففاجأتنا بالأسعار النارية للكتب، والتي يتراوح ثمن الكتاب فيها بين 60 إلى 300 جنيه، وإذا قمنا بحسبة لكل الكتب خلال التيرم الواحد فإنها تصل إلى 1500 جنيه!!.

 

منظومة سيئة!!

 الصورة غير متاحة

 الكتاب الجامعي إلى أين؟!

وعلى الجانب الآخر كان لأساتذة الجامعات رأيٌ آخر؛ فمن وجهة نظرهم أنهم مجني عليهم وليسوا جناة، وذلك ما أكد عليه الدكتور عادل المهدي رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة حلوان، قائلاً: إن انصراف الطلاب عن الكتاب الجامعي يعدُّ مشكلةً تاريخيةً وليست وليدة اليوم؛ مشيرًا إلى أنها نتيجة لانصراف الطالب منذ المرحلة الابتدائية عن الكتاب المدرسي، وفقد الطالب منذ الصغر القدرة على القراءة والاستعانة بكتاب، وأصبح الاعتماد على كبسولات المذكرات حتى المرحلة الثانوية والتي هي مرحلة تكوين مستقبلهم العلمي، وفي كل هذه المراحل يعتمدون على الملخَّصات والدروس، ويحصلون على مجاميع عالية يدخلون بها الكليات فيفشلون ويرسبون عامًا واثنين.

 

وأضاف د. المهدي أن الاتهام ينبغي أن يوجَّه لسوء التعليم الجامعي وسوء الكتاب ووسيلة العرض، مؤكدًا أن الطريقة التعليمية التي نشأ عليها الطلاب خاطئة ومختلفة عن الأسلوب الجامعي في التعليم؛ فهذا الطالب المهلهل لا يستطيع المذاكرة من كتاب أو غيره، وكلمة "الكتاب" كلمة مكروهة عنده؛ فالقضية ليست في أسلوب التعليم الجامعي ولكنها في النشأة التعليمية للطالب.

 

شكوى هوجاء!!

أما بالنسبة لثمن الكتاب فيرى د. المهدي أن سعره محدَّد من قِبَل إدارة الجامعة في ضوء تكلفة الطباعة وحقوق المؤلف، وحق المؤلف حق مشروع في المواثيق الدولية، مؤكدًا أن شكوى الطلاب من ثمن الكتاب هي شكوى هوجاء ليس لها أي أساس؛ فالطالب يأخذ من والده ثمن الكتاب أكثر من مرة وينفقها على المأكولات والمشروبات، وفي نهاية التيرم يشتري الملازم، وتصل تكلفة ملازم المادة الواحدة لـ80 جنيهًا، موضحًا أن المكتبات التي يحصلون منها على الملازم هي مكتبات الخدمة "التدميرية"، وليست مكتبات الخدمة التعليمية، مضيفًا أن هذا السعر يعدُّ أضعاف ثمن الكتاب، معترفًا أن هذه المكتبات بالفعل تساعد على النجاح وليس التعليم!!.

 

بالنسبة لغير القادرين من الطلاب فيؤكد د. المهدي عكس كلام الطلاب قائلاً: إن مكاتب الأساتذة مفتوحة أمامهم، ولا نرد سائلاً حتى لو التمسنا فيه روح المخادع، وكل أستاذ في الجامعة يضع عدة نسخ في مكتبه للطلاب غير القادرين.

 

التكلفة
 
 الصورة غير متاحة

 المنظومة التعليمية تبحث عن حلول عملية!!

"العلم ليس محلاًّ للتجارة".. هذه أولى كلمات الدكتورة زينب الأشوح رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر، والتي ذكرت أثرًا عن الإمام أحمد بن الدلجي، والذي قال فيه: إن من أسباب انخفاض أجور العلماء انخفاض الطلب عليهم، مشيرةً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء" وأنهم لا يورِّثون الدراهم والنقود، وإنما يورِّثون العلم.

 

وفي بحث خاصٍّ لها في "سوء التأليف العلمي والدين" تساءلت د. زينب: هل المؤلف في مجال العلم والدين يعطي علمه مجانًا؟ فالمعروف والمعهود أن كل مَن يعطي خدمة يحصل على تكلفة هذه الخدمة، والأستاذ الجامعي يعطي خدمةً تحتاج إلى بحث في مراجع وأمهات الكتب، ويبحث عنها في وسائل مختلفة وينفق على بحثه ووقته ومجهوده، ونعلم كلنا أن الجهد المبذول لله، ولكن هذا المؤلف يحتاج حتى لضروريات الحياة ويحمل عبء آخرين، وهذه التكاليف غير مباشرة في التأليف، ولكن هناك تكلفةً مباشرةً كتكلفة الكتاب؛ من ورق وطباعة وتصوير وناشر وكتابة كمبيوتر وغيرها من التكاليف.

 

وفي محاولة منها لمعالجة هذه المشكلة قدمت هذا العام كتاب المادة التي تدرِّسها في الجامعة؛ بحيث لا يتعدى المائة صفحة وقيمته 8 جنيهات، وباقي المادة العلمية يحصل عليها الطلاب من المحاضرات، معتبرة هذا الأسلوب محاولةً منها لتطوير أسلوب التعليم داخل الجامعة.

 

إدارة أمينة

 الصورة غير متاحة

د. أحمد دياب

وأرجع د. أحمد دياب الأستاذ بكلية الألسن جامعة عين شمس وعضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين السبب في ظهور مشكلة الكتاب الجامعي إلى عدم وجود منظومة واضحة لتنظيم تبادل الكتاب بين الأستاذ والطلاب، ويلتزم بها الطرفان، رافضًا أن يتحوَّل الكتاب الجامعي إلى سلعة تجارية ويصبح مجموعةً من الأوراق والأبحاث تجمع في كتاب واحد ويتم بيعها.

 

وأضاف د. دياب: يجب أن يكون هناك خطة للمحتوى العلمي، وفي ظل هذه الخطة يضع عضو هيئة التدريس المحتوى العلمي ويأتي بعد ذلك دور الجامعة في تحديد سعر الكتاب ودعمه للطلاب، ناصحًا الأستاذ الجامعي أن يترفَّع عن هذه الإشكالية.

 

أما بالنسبة للدعم الذي يحصل عليه اتحاد الطلاب لدعم الكتاب الجامعي، فيقول د. دياب: ليس هناك قاعدة بيانات موثوقة لنبحث فيها عن قيمة الدعم وما ينفق منه؛ ولذلك وضعت في محلّ الشك والمحسوبية والإشكاليات التي تثار حول ميزانية اتحاد الطلاب.

 

ولذلك يرى دياب ضرورة تكوين إدارة أمينة موثوق فيها لتشرف على طباعة وبيع الكتاب بعيدًا عن الأستاذ الجامعي؛ فالأستاذ الجامعي مهمته التدريس وليس من مهمته بيع الكتب.