الحاجة ألفت محمد نجيب سالم زوجة المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تُوفيت السبت الماضي عن عمرٍ يُناهز 79 عامًا؛ مثَّلت حياتها رحلةً من العطاء لدعوة الإخوان المسلمين؛ ورفيقة درب مخلصة لزوجها الذي تقلَّد منصب المرشد العام للجماعة؛ والدها نجيب باشا سالم ناظر الخاصة الملكية، ومن قبل ذلك صديق المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين.

 

رأتها زوجة المستشار حسن الهضيبي ثم اختارتها زوجةً لابنها محمد المأمون الهضيبي، وتزوجته عام 1946م وكان عمرها في ذلك الوقت 17 سنة.

 

في هذه الأثناء كان المستشار المأمون رئيس نيابة رافقته خلالها في رحلاتِ عمله بالسويس والطور وأماكن مختلفة في سيناء، وأنجبت في السنة الأولى عزة، وفي السنة الثانية خالد.

 

وحينما انتدبت الإدارة المصرية المستشار المأمون للعمل رئيسًا لمحكمة الجنايات الكبرى في غزة عام 1953م رافقته أيضًا، ووقع العدوان الثلاثي وهم هناك، وأُسروا في المكان المحتل حيث تمَّ التحفظ عليهم في بيوتهم، وكان يتم التفتيش بصورةٍ عشوائيةٍ في المنازل، وكان المستشار المأمون يحضر التفتيش في كلِّ بيتٍ؛ حيث تمَّ انتخابه كبير الأسرى أو رئيسًا لهم وممثلاً عنهم، وحينما حان وقت الانسحاب كانت الحاجة ألفت حاملاً ولم تستطع الرجوع بسياراتِ النقل من رفح، فعادت عبر سيارات الإسعاف، وفي هذا الوقت أُخِذَ المستشار المأمون إلى تل أبيب، ولم تعرف عنه زوجته أية معلومةٍ طيلة ثمانية أشهر؛ حتى وضعت ابنتها واتضح بعد ذلك أنه كان في زنزانةٍ انفراديةٍ بأحد سجون تل أبيب.

 

بعد ذلك وفور أن عاد من سجون الاحتلال الصهيوني أديا مناسك الحج معًا عام 1957م، وهو نفس العام الذي كانت ابنتها مريم مريضةً؛ حيث أُصيبت بشلل أطفال فمكثت معها 7 أشهرٍ في المستشفى قبل أن يتوفاها الله.

 

ثم عادوا لقطاع غزة حتى عام 1958م، ووضعت ابنتها "أمال" في نفس العام، ثم وضعت "هشام" عام 1960م، واستمرَّ المستشار محمد المأمون الهضيبي في السلك القضائي حتى عام 1965م؛ حيث تمَّ اعتقاله وتوقَّف راتبه وظل عامًا كاملاً بدون دخلٍ وقُطع معاشه، وكانت زوجته مسئولةً عن الأسرة في هذا الوقت العصيب؛ حيث لا يوجد دخل، وفي عام 1966م أُجبر المستشار الهضيبي على تقديمِ استقالته، وظلَّ بالمعتقل حتى عام 1970م، كما اعتقل معظم أهله وذويه هذه الفترة.

 

في هذه الأثناء كانت الزوجة الصابرة تزور زوجها المعتقل في سجون أبو زعبل والسجن الحربي والقلعة وطرة، ودخلت في نقاش عدة مرات مع حمزة البسيوني وصفوت الروبي وغيرهم من زبانية السجون وقتها لإدخال الطعام والمصاحف لزوجها المعتقل.

 

وبعد خروج المستشار الهضيبي من السجن سافرت معه إلى المملكة العربية السعودية؛ حيث ظلا بها حتى منتصف الثمانينيات، ثم رجعت وأُصيبت بأمراضٍ كثيرةٍ ألزمتها الفراش بشكلٍ كاملٍ لمدة 6 أشهر؛ لتدور دائرة الزمن وتُعطي الفرصةَ لزوجها لأن يرد لها الجميل، فعندما كان المستشار الهضيبي عضوًا بمجلس الشعب المصري عام 1987م كان يتولى رعايتها بنفسه، وكان يقرأ لها القرآن في شهر رمضان، وخاصةً في العشر الأواخر، وكانت لا تُناقشه في أي أمور غير شئون الدعوة إلا إذا فاتحها هو في موضوعاتٍ حياتية أخرى.

 

ورغم مرضها الشديد لم تستجب لنصيحةِ الأطباء في عدم الصيام إلا مرة واحدة في عام 1999م عندما طلب منها ذلك د. حسين عبد الغفار بعد إلحاحٍ شديدٍ بسبب حالة الإعياء الشديد، ولم تترك أي فرض سواء صلاة أو صوم.

 

حجَّت واعتمرت عدة مرات، ولم يتبقَ من أولادها سوى خالد وأمال والكبرى عزة، وتُوفي ابنها هشام عام 2007م لتلحق به إلى مثواها الأخير.