نشرت جريدة (الشرق الأوسط) بتاريخ 16/5/2008م مقالاً للكاتب أمير طاهري أشار فيه إلى مأساة "الأويغور" المسلمين تحت عنوان (الشعب المنسي في الصين) وبين أن المسلمين في الصين، وليس أهل التبت هم الأكثر إقصاءً وإبعادًا عن روح الحياة الإنسانية والأكثر حرمانًا من حقوق الإنسان وفق المعايير التي تتحدث عنها هيئة الأمم المتحدة وكذلك هيئات المجتمع المدني العالمية، ومن المعلوم أن مسلمي الأويغور هم الذين يسكنون في منطقة كانت تسمى بـ"التركستان الشرقية"، وقد دخلها الإسلام في عصوره الأولى، وكانوا أصحاب قوة وشكيمة وأصالة.

 

وهم في الأصل أتراك، وقد هرب الكثير من القبائل المسلمة تحت الضغط والقتل والإرهاب الصيني إلى وسط آسيا وأفغانستان وإيران، ومع ذلك بقيت مجموعات صغيرة للحرب وحالت بين الصينيين والسيطرة على المنطقة حتى منتصف الستينيات.

 

وكثيرًا ما كان الصينيون يهاجمون هذا الشعب المسلم، ويقتلون منهم الملايين، فقد قُتل من الأويغور المسلمين أكثر من مليون مسلم في عام 1863م كما قُتل أكثر من مليون مسلم في المواجهات التي تمت في عام 1949م عندما استولى النظام الشيوعي الصيني بقيادة "ماوتسي تونج"؛ حيث ألغى استقلال الإقليم، وجرى ضمه عنوةً وقسرًا لجمهورية الصين، وهناك تم الآتي:

1- جرى تفريغ الإقليم من سكانه المسلمين وتوزيعهم إلى أقاليم، حتى يمثلوا أقليةً في مواطنهم الجديدة.

 

2- محاولة سحق الهوية الخاصة بالمسلمين والتضييق عليهم في عباداتهم ومظاهرهم الإسلامية وهدم مساجدهم، وإزالة مدارسهم، بحيث تنشأ الأجيال الجديدة بعيدةً تمامَ البعد عن الإسلام.

 

3- وما كانت الثورة الثقافية التي قادها "ماوتسي تونج" في أواخر الستينيات من القرن الماضي إلا نارًا ألهبت ظهور المسلمين، بدعوى الديمقراطية والحرية، وكم من الجرائم البشعة تُرتكب باسم هذه الدعاوى الزائفة على مدار التاريخ، وحتى أيامنا هذه في عصر الإمبراطور الأمريكي الأوحد "بوش" في أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال... إلخ.

 

ولذلك فقد نشرت منظمة العفو الدولية وثيقةً في عام 1999م، ووثيقة أخرى أعدها عدد من أعضاء البرلمان الكنديين (1998م) تتهم الوثيقة "بكين" بتلفيق تهم الإرهاب لشعب "الأويغور" المسلم واتهامهم كذبًا بـ"الأصوليين الإسلاميين" و"الإرهابيين الإسلاميين" و"الانفصاليين"، وأكدت الوثيقة أن "الأويغور" لم يكونوا يومًا مسئولين عن أي من الأعمال الإرهابية، بل على العكس هم مَن يعيشون تحت سيطرةٍ إرهابيةٍ خطيرةٍ من قِبل الحكومة الصينية ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) (البروج).

 

إذن هذه أقلية مسلمة تعيش تحت سيطرةِ نظامٍ شيوعي ملحد، يحرمها من كلِّ حقوقها في التعليم وفي الصحة، وفي العمل الشريف، وفي المشاركة في إدارة شئونه، وفي الحياة الديمقراطية الحديثة التي يتشدق بها أغلب البلاد المعاصرة، التي تخفي حقدًا دفينًا على الإسلام والمسلمين، وتعمل على استئصاله من القواعد والجذور.

 

الإسلام هو الذي يحمي حقوق الأقليات:

نعم، نقولها بكل فخرٍ واعتزاز، إنه ليس على مدار الزمان مَن يحمي حقوق الأقليات، ويحفظ آدميتهم، ويحترم استقلالهم، غير الإسلام لا قديمًا، ولا حديثًا، فهم إخوان للمسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا حرج عليهم في عباداتهم وطقوسهم وكنائسهم وبيعهم، بل نظمهم وشرائعهم وقوانينهم، وصلبانهم وكهنتهم ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)﴾ (الممتحنة).

 

وهذا الفهم الحقيقي والتطبيق العملي لمعنى "المواطنة" الحقيقي، والجوار الحميد، والمعاملة بالحسنى والفضل.

 

وبعيدٌ عن ذلك كثيرًا، بل ويناقضه، ذلك الخبل والهراء والفوضى التي يدعو إليها كثير من أدعياء الثقافة من العلمانيين والملاحدة من اليساريين وأدعياء التقدم والعلمية وفلول الشيوعيين الذين حولوا "بوصلتهم" و"ولاءهم" تجاه أمريكا بعد أن أفلس وانتهى الحزب الشيوعي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

 

وهؤلاء جميعًا، يمثلون جيوش المنافقين في بلاد المسلمين، ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ﴾ (آل عمران: من الآية 154).

 

وهم يعلمون تمامًا أن أية أقلية تعيش تحت حكم وشريعة الإسلام هي بلا شك أقلية محظوظة، وأنها تتمتع بامتيازات وحقوق، وأمن وأمان، واحترام وحرية، بما لا تتمتع به أية أقلية مسلمة تعيش في أرقى الديمقراطيات الحديثة في أوروبا أو أمريكا.

 

وإخواننا الأقباط في مصر، يدركون أن أمنهم وأمانهم في شريعة الإسلام، وأن تطبيق الشريعة ظل أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من الزمن دون ظلم أو قهر أو إكراه، ودون اعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم وعقيدتهم.

 

وإذا كان بعضهم يشعرون أن هناك تمييزًا بين الأديان، وتعقد له المؤتمرات في الخارج والداخل، ويصرف على هذه المؤتمرات أموال مشبوهة بالملايين، وتجند لها وسائل الإعلام المختلفة للدعاية والصخب، وتغدق الهبات والعطايا على الذين يحضرونها من اليساريين والمفكرين ادعاءً، ويحاولون النفخ في نار الفتنة لا حبًّا في إخواننا الأقباط والحرص على مصالحهم وحقوقهم كما يدعون، ولكن في النهاية كرهًا في الإسلام وفي شريعة الإسلام، بعد أن باعوا أنفسهم للشيطان.

 

وسؤال هنا يطرح نفسه، هل تعني "المواطنة" و"عدم التمييز" سحق هوية الأغلبية العظمى من السكان، والحيلولة بين إقامة دينهم وتطبيق شريعتهم بما لا يضر بحقوق ومشاعر إخوانهم في الوطن؟!! وهل تملك أقلية مسلمة في العالم أن تتحكم في الأغلبية وتمنعها من ممارسة مظاهر دينها؟

وتقول لها لا تمارسي دينك الذي تؤمنين به لأن في ذلك عدوانًا على كياننا أو عدوانًا على حقوقنا!!

 

حال بعض الأقليات المسلمة في العالم:

- ففي الهند، تعيش أكبر أقلية مسلمة في العالم يبلغ عددهم أكثر من 200 (مائتي مليون مسلم) يمثلون 20% من السكان، ورغم أنهم يعيشون في مجتمع ديمقراطي إلى حدٍّ ما، غير أنهم يتعرضون من فترةٍ لأخرى لعوامل القتل والحرق والدمار، ولا يمكنهم أن يمارسوا شعائر دينهم بحرية، مثل أن يقوموا بذبح الأضاحي من الأبقار في عيد الأضحى، ومَن يفعل ذلك، فكأنما ارتكب جريمةً لا تُغتفر، فيهجم عليهم الهندوس عباد البقر فيقتلون مَن يقتلون منهم ويحرقون عليهم دورهم، ثم ينصرفون آمنين لا ينالهم عقاب، فأين المواطنة؟، وأين الديمقراطية؟ وأين حقوق الإنسان المدعاة؟!!

 

- وفي الفلبين، فمنذ أن وطئت أقدام "ماجلان" أرض الفلبين، وجاء النصارى، فأخرجوا المسلمين من أرضهم الغنية واضطروهم إلى أرض جدباء مجهدة، ثم لم يكفوا حتى هذه اللحظة عن مضايقةِ المسلمين أهل البلاد (حتى إن اسم العاصمة مانيلا" هو تحريف لاسمها الإسلامي "أمان الله")، وما زالت الجيوش النظامية للدولة مدعومةً بالعون العسكري الأمريكي يحاصرون المسلمين في أقصى جنوب جزر الفلبين يبخلون عليهم بشرعية الوجود أو بالحكم الذاتي.

 

- وفي "تايلاند" و"ميانمار"، توجد أعداد كبيرة من المسلمين دخلوا الإسلام منذ قرونٍ يتسلط عليهم الآن "البوذيون" يذيقونهم ألوانًا من الإقصاء والإيذاء والإبعاد عن حقوقهم في الحرية والمواطنة، والتعليم والمناصب المختلفة في إدارةِ شئونهم، ويعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وليس لهم سند دولي إسلامي يدفع عنهم هذا الظلم والبطش.

 

- وفي إثيوبيا (الحبشة): المسلمون هناك هم الأكثرية (65% من السكان) ومع ذلك هم محرومون من حقوقهم السياسية حرمانًا كاملاً، وليس لهم وزير واحد في الحكم، ولا رجل في منصب حيوي، ولا يتعلمون في مدارس الدولة التي بيد النصارى، وحتى "الكتاتيب" ترهقها الدولة بالضرائب حتى تغلقها، وتحرمها من تلقي المعونات المالية من الخارج، ومعروف أن الجيش الإثيوبي يقتل هذه الأيام المسلمين في الصومال نيابةً عن أمريكا.

 

- وهل تذكرون "زنجبار" و"تنجانيقا" حيث أُبيد ثلث سكانها المسلمين، وتم إدماج الكيانين في دولةٍ واحدةٍ يحكمها النصارى هناك تحت اسم "تنزانيا"!!.

 

- وفي فرنسا في العالم الحر: دعوات تنادي بطرد المسلمين منها، وتستبيح دماءهم وأموالهم بوحشيةٍ مع أن أعداءَ المسلمين يصل إلى سبعة ملايين مسلم محرومين من كل الحقوق.

 

وبعد..

لا نستطيع أن نسير في هذا السرد إلى نهايته فأنفاسنا تتقطع، ودموعنا تسيل، وقلوبنا تهتز ألمًا وحزنًا وكمدًا.

 

ولكن لنا أن نقول:

* إن الأقليات المسلمة في كل العالم، بل الأغلبية منهم كذلك، يعانون من الظلم والتسلط والقهر والحرمان من أبسط الحقوق الآدمية، بما لا يتصوره عقل أو يخضع لأية معايير أو ضوابط.

 

* وأن الأقليات غير المسلمة، في كل البلاد الإسلامية وبالأخص إخواننا الأقباط في مصر، لهم كل الحقوق والاحترام والبر والعدل، وهم الأكثر علمًا ومعرفةً بذلك وعقلاؤهم يدركون ويتفهمون هذا جيدًا.

 

* ولكن الحذر كل الحذر، من العلمانيين واليساريين ودعاة الفوضى الخلاقة، وأهل الفتن، الذين لا يحبون الأقباط بالضرورة، ولكنهم يكرهون الإسلام ويبغضون الشريعة، وينفرون من عالم تسوده الأخلاق والفضيلة والعدل والإنصاف.