رغم أن العلاقة بين الإخوان المسلمين والأقباط في مصر تاريخية وتمتد منذ نشأة جماعة الإخوان على يد الإمام حسن البنا- رحمه الله- وحتى اليوم، إلا أن هناك عددًا من التطورات التي طرأت على هذه العلاقة، خاصةً في ظل تعاطي الكنيسة مع الوضع السياسي الراهن وتشنج بعض الكُتاب الأقباط مثل أحدهم الذي قال عقب فوز الإخوان بـ88 مقعدًا في انتخابات مجلس الشعب 2005م إنه سوف يرحل من البلاد إذا وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم.
ولا شك أن هناك متربصين بهذه العلاقة من عُشاق زرع الفتنة بين أهل الوطن الواحد، يشيعون الضغائن ويروجون للكراهية في أرض تحتاج إلى ترسيخ مفهوم الوطن الواحد والمصلحة الواحدة؛ ولذلك يجب أن تكون العلاقة أكثر وضوحًا حتى لا يستغل أعداء الأمة المساحات الرمادية لتسميم الأجواء، ولكي تُصبح العلاقة واضحةً لا بد أن يتعرف الطرفان على أفكار بعضهما حتى تتبدد المخاوف ويطمئن كلا الطرفين إلى الآخر.. هذا ما يسعى إلى تأكيده الزميل عامر شماخ من خلال كتابه الجديد "الإخوان والأقباط.. مَن يُطمئن من؟".
والكتاب يقع في 134 صفحة بخلاف الملاحق والمراجع ويتألف من سبعة فصول يسبقها المقدمة التي عبر فيها المؤلف عن الجدل الذي ثار حول العلاقة بين الإخوان والأقباط بعد انتخابات 2005 وحصول الإخوان على 88 مقعدا بالبرلمان مما أدى لوضع سياسي جديد للجماعة اعتبرها كثير من الأقباط إيذانا بوضع جديد تكون فيه الكلمة للإخوان على حساب ما جنته الكنيسة من مكاسب طوال العقود الثلاثة الأخيرة.
ويعتبر الكاتب أن النظام القائم حريص على تسميم العلاقة بين الطرفين، خاصةً بتخويف الأقباط من الإخوان للانفراد بالسلطة.. كذا التيارات السياسية المعادية للمشروع الإسلامي أيضًا تجعل من ورقة الأقباط وسيلة لحصار التيار الإسلامي وتشويه صورته.
هذه الأسباب كانت مبررات الكاتب التي جعلته يبحث ويكشف حقيقة العلاقة ليصل في النهاية إلى إجابة السؤال المطروح في عنوان كتابه مَن يطمئن مَن؟.
وقبل أن يعمد إلى الإجابة مباشرةً يُمهّد المؤلف لذلك في الفصل الأول بالحديث عن موقف الإسلام من الآخر، وأنه أنصف الناس جميعًا وأعطى الحرية لمخالفيه، وأقرَّ حقوق الإنسان وساوى بين البشر، وأقرَّ حرية العقيدة ورفض التفرقة العنصرية بسبب لون أو جنس أو دين، مشيرًا إلى موقف الإسلام من أهل الكتاب والباحث يستدل لذلك بالقرآن والسنة بما يؤكد هذه المبادئ بل الممارسات على مرّ التاريخ منذ العهد النبوي والخلفاء الراشدين ومن بعدهم تؤكد هذه المبادئ.
ويخصص الفصل الثاني للحديث عن الإسلام وأهل الذمة، مشيرًا إلى حقوقهم التي كفلها الإسلام، وهي حق الحماية من الاعتداء الخارجي والظلم الداخلي وحماية الدماء والأبدان وحماية الأموال والأعراض والتأمين عند العجز والشيخوخة والفقر وحرية التدين والعمل والكسب وتولي وظائف الدولة، وأن القاعدة في الإسلام "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، مستدلاً لذلك بالقرآن ووصايا الرسول الكريم بأهل الذمة وصحيفة المدينة التي أقرَّت مبدأ المواطنة بين المسلمين واليهود ثم الممارسات التالية للعهد النبوي، والتي شهد بها كتاب الغرب أنفسهم من المنصفين.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان (وللأقباط خصوصية عند المسلمين) بيَّن فيه المؤلف موقف القران الكريم من سيدنا عيسى عليه السلام وأمه السيدة مريم البتول، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أكد في الحديث أنه أولى بعيسى من سائر البشر ووصية الرسول المسلمين بأهل الكتاب، خاصةً أهل مصر فعن أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمةً ورحمًا"- أو قال "ذمة وصهرًا"- فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنه فاخرج منها". وعن أم سلمة- رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدةً وأعوانًا في سبيل الله".
وتحدث المؤلف عن ظروف الفتح الإسلامي لمصر وكيف تقبله النصارى بترحاب؛ لأنه أنقذهم من الاضطهاد الروماني، ويشهد لذلك بعض الكتابات القبطية.
وفي مقابل التعامل الإسلامي مع أهل الكتاب يوضح المؤلف موقف الغرب المسيحي الذي زحف على العالم الإسلامي عن طريق الحملات الصليبية وسط أحقاد وعداوات لا تنتهي بل يعمل على بذل المزيد من الجهد بغرض تنصير المسلمين، مستغلاً في ذلك الفقر والمرض في بعض مناطق العالم الإسلامي، بل يشجعون على التطاول على الإسلام، وهم ينطلقون في أفعالهم هذه من عنصرية بغيضة وكراهية عمياء.
الإخوان والوحدة الوطنية
تحت عنوان "الإخوان ثمانون عامًا في دعم الوحدة الوطنية" يبين المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين تنطلق في علاقتها بالأقباط منذ تأسيسها على يد الإمام حسن البنا من الفهم الصحيح للإسلام تجاه أهل الكتاب فلا يكره أحد على ترك دينه وأحقيتهم في المساواة مع المسلمين في الحقوق والواجبات وأمور المواطنة، ويرى الإخوان أن حماية غير المسلمين في عقائدهم وعباداتهم جزءٌ من وظائف الدولة، ويتلخص موقف الإخوان من الأقباط في مصر في أنهم جزء من النسيج الوطني، وأنهم شركاء في الوطن والمصير، وحرية الاعتقاد والعبادة محترمة للجميع، والتعاون في كل ما يخدم الوطن وتحقيق الخير لكل المواطنين أمر لازم، وتأكيد الوحدة الوطنية وعدم السماح لأي نشاط يؤدي إلى إثارة الفتنة أو التعصب الطائفي والحرص على روح الأخوة المصرية التي أظلت الشعب المصري على مر العصور- مسلمين وأقباطًا-، كما تعمل الجماعة على إشاعة الأصول الداعية إلى المحبة والمودة لتمكين الأمة من العمل المتكامل لبناء مستقبلها وحمايتها من ويلات التعصب الطائفي المقيت.
والإخوان يدركون أهمية الكنيسة في الإصلاح، وأنها ركيزة اجتماعية تدعم الدور الروحي للأقباط وتساهم في مسيرة الوطن، كما أن لها رسالةً في حماية ثقافتنا وحضارتنا العربية والتصدي للأزمة الأخلاقية التي تهدد المجتمع.
ولقد ترجمت أفكار الإخوان إلى واقع عملي فلم ينجروا إلى فتنة ولم يقعوا فيما يقع فيه العوام من تعصب وطائفية، بل استنكروا أحداث وقع فيها الظلم على الأقباط وأصدروا البيانات التي تدين ذلك في كل حادثة.
البنا والأقباط
ويتحدث المؤلف عن دور الإمام الشهيد حسن البنا تجاه الأقباط عندما كتب مبكرًا عن فضل الإسلام في الانتصاف لأهل الذمة وحماية حقوقهم، معتبرًا جماعة الإخوان هي التي يقع على عاتقها مسئولية توفر الأمن وحرية العقيدة لمواطنيهم الأقباط، وكان- رحمه الله- يعي تعاليم الإسلام جيدًا ويتعامل مع الأقباط بروح التسامح الديني لا النفاق السياسي.
ودعا الإمام البنا الأقباط إلى المشاركة في نصرة فلسطين باعتبارها قضية المسلمين والمسيحيين معًا، ودافع الإخوان في عهده عن المسيحيين في بيت لحم دفاعًا مستميتًا؛ ولذا احتفى كثير من الأقباط بالبنا فكان لويس فانوس أحد زعماء الأقباط من الحريصين على درس الثلاثاء، وقد شارك في اللجنة السياسية المركزية للإخوان ثلاثة من كبار الأقباط وهم وهيب بك دوس المحامي ولويس فانوس عضو مجلس النواب (آنذاك ) وكريم ثابت الصحفي المعروف وقد شارك في جنازة الإمام البنا الزعيم السياسي الكبير مكرم عبيد، وقدَّم العزاء لوالد الشهيد، وقال مخاطبًا الإخوانَ (فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذي أسلم وجهه لله حنيفًا قد أسلم روحه للوطن عفيفًا..).
وقد تعامل البنا بذكاء شديد مع محاولات الإيقاع بين الإخوان والأقباط، وهو في تسامحه مع الأقباط لم يتهاون في أمور الدين وشرائعه، فحينما رأى الإخوان أحد كبار رجال الكنيسة القمص سرجيوس يتصرف بما يسيء إلى الدين والوطنية هاجمه الإخوان بشدة في جريدتهم، وعندما بدأت الحملات التنصيرية في مصر نشاطها، وكان يعاونها بعض الأقباط لم يتردد البنا في تشديد النكير على المنصِرين وأعوانهم الخائنين.
موقف مرشدي الإخوان
أما المرشد الثاني الإمام حسن الهضيبي فقد صار على نهج سلفه مبددًا مخاوف الأقباط فيما لو تم تحكيم الشريعة الإسلامية ضامنًا لهم حسب فقه الإسلام عدم مساس قوانين الشريعة بما يدينون أو يتعاملون به، ثم جاء الأستاذ عمر التلمساني الذي أطفأ نار الفتنة الطائفية في مصر، واستعانت به الحكومة لتهدئة شباب الطرفين.
مرشدو الإخوان |
أما الأستاذ مصطفى مشهور فيرى المؤلف أنه قد تم تحريف كلامه في الصحافة عام 1997م بشأن المطالبة بتطبيق الجزية على النصارى، يؤكد ذلك ما جاء في كتبه قبل سنوات؛ حيث قال: "نريد من إخواننا الأقباط أن يطمئنوا كل الاطمئنان أن تطبيق الشريعة الإسلامية سيضمن لهم حقوقهم أكثر مما تحققه القوانين الوضعية حاليًا".. وطالبهم بألا يستجيبوا للإشاعات والأباطيل التي يرددها أعداء المسيحيين أيضًا من الملحدين والماديين، ومن هؤلاء الذين يقيمون في المهجر الذين يرسلون مجلات وكتابات لإثارة الفتنة في مصر.
وجاءت فترة المرشد محمد المأمون الهضيبي تأكيد موقف الإخوان الثابت من الأقباط بما نص عليه القرآن والسنة أيضًا.
وجاء المرشد الحالي الأستاذ مهدي عاكف ليكون أكثر انفتاحًا على الأقباط، فاتخذ الدكتور رفيق حبيب مستشارًا سياسيًّا، وبعد انتخابات برلمان 2005 أعلن القسم السياسي بالجماعة عن مبادرة لتدشين حوار مع الأقباط، وتمت لقاءات بين نواب والإخوان والمواطنين الأقباط لتأكيد حقوق المواطنة، ويتواصل أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان مع الأقباط في كل المناسبات.
التخوفات السبع
الفصل السادس يعتبر أهم ما في الكتاب؛ حيث يعرض فيه المؤلف تحت عنوان (الإخوان والأقباط.. تخوفات وتطمينات) الإشكاليات السبع التي يطرحها الأقباط تخوفًا من الصعود السياسي للإخوان والرد عليها من جانب الإخوان.
وتأتي الإشكالية الأولى في أن وصول الإخوان إلى الحكم يجعل تطبيق الشريعة على رأس أولوياتهم؛ مما يُكرّس للطائفية ويجعل الأقباط منبوذين، ويورد المؤلف رد الإخوان على ذلك بأنهم لا يقدمون لغير المسلمين أحكام الشريعة على أنها دين يؤمنون به، بل على أنه قانون اجتماعي يحارب الجريمة ويحقق ما جاءت به الأديان السماوية ولا تصطدم مع نص من نصوصها، ولا تتعرض للمؤمنين بها من عقيدة ولا عبادة ولا عمل من الأعمال.. فهل يكره أحد الإصلاح الاجتماعي الذي يحقق فعلاً ما يريده دينه لمجرد أنه ورد في القرآن؟!.
كما أورد المؤلف عددًا من الردود التي تفند دعاوى المشككين مثل رأى الإمام الشهيد حسن البنا في مذكرته لوزير الحقانية أحمد محمد خشبة باشا في وجوب العمل بالشريعة الإسلامية.
ومثل رد الدكتور يوسف القرضاوي، مؤكدًا أن المسيحي الذي يقبل الحكم العلماني لن يضيره الحكم بالإسلام لأنه يحترم عقيدة النصارى بخلاف العلماني الذي لا يهمه الأديان ولم يفرض الإسلام الزكاة والجهاد إلا على المسلمين، أما باقي التشريعات الإسلامية فشأنهم كأي تشريعات أخرى مقتبسة من الغرب أو الشرق وترتضيها الأغلبية وبعض المذاهب لا تلزم غير المسلمين بالتشريع الجنائي مثل إقامة الحدود، وهناك أشياء يحرمها لكن بعضهم يرونها حلالاً مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ومع هذا فإن جمهرة من فقهاء الإسلام أباحوا لهما الأمرين والمتاجرة فيهما على ألا يظهروا ذلك في البيئات الإسلامية ولا يتحدَّوا مشاعر المسلمين.
وهناك كثيرٌ من الأقباط يرون أفضلية تطبيق الشريعة مثل الكاردينال اصطافنوس بطريك الأقباط الكاثوليك الذي أكد هذا عام 1977 م في استفتاء مجلة الدعوة والأنبا جريجويوس أسقف البحث العلمي والدراسات اللاهوتية بالكنيسة القبطية وممثل الأقباط الأرثوذكس، وكذا القس برسوم شحاتة وكيل الطائفة الإنجيلية، وهذا في نفس الاستطلاع.
كما أن هناك تصريحات للبابا شنودة يقول فيها إن الأقباط في ظل حكم الشريعة يكونون أسعد حالاً وأكثر أمانًا، ولقد كانوا كذلك في الماضي حينما كان حكم الشريعة هو السائد، بل هناك استطلاع للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية نُشر بالأهرام في مقال عبد الرحمن الشرقاوي في 3 مارس 1985 بيَّن أن نسبة الأقباط الراغبين في تطبيق الشريعة أكثر من المسلمين، وهناك شهادات أخرى لرموز قبطية أوردها المؤلف مثل رأي المفكر جمال أسعد الذي لا يرى في المادة الثانية للدستور عائقًا أمام الحركة السياسية للأقباط.
بل هناك رأي الدكتور رفيق حبيب الذي يرى أن المعارضين للمشروع الإسلامي يستخدمون هذه المسألة للضغط على الإسلاميين وإبعادهم عن الحلبة السياسية؛ ولذا يعمدون إلى تشويه صورة الإسلاميين مما أدى إلى خلق صورة مشوهة عند الأقباط والعوام عن التيار الإسلامي، وهذا الرأي يتفق معه الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي.
أما الثاني فهو تخوف بعض الأقباط من فرض الجزية، ويرد الإخوان على ذلك أنه لا جزيةَ الآن؛ لأن الغرض منها انتفى، وهو الاختيار الفقهي الذي التزمت به الجماعة منذ مؤسسها.
والثالث يرى بعض الأقباط أن هناك مفاهيم وألفاظًا متداولة في الفكر والواقع الإسلاميَين مثل الذمة تنتقص من حق الأقباط في المواطنة والمساواة، ويرد الإخوان بأن كلمة الذمة كثيرًا ما تُفهم خطأ، ويظن الناس أنها ذم أو انتقاص مع أن معناها العهد والضمان؛ أي أنهم في عهد الله ورسوله وجماعة المسلمين وفي ضمانهم، ولا يجوز أن ينتقض عهدهم وإن كانت الكلمة تؤذي فلا حاجةَ لها، وكما عبر الدكتور محمد حبيب نائب المرشد بأن الدولة حلت هذه الإشكالية ببطاقة الهوية لجميع المواطنين، ويرى الإخوان أنهم في النسيج الوطني لا يخرج بعضه عن بعض.
الإسلام هو الحل
أما الإشكالية الرابعة فتتعلق بشعار الإخوان (الإسلام هو الحل)؛ لأنه يصنع تمييزًا بين المواطنين ويضفي المقدس على الشأن العام، ويرون أن المصلحة الوطنية ألا يرفع الشعار خوفًا من أن يرفع الأقباط شعارًا ممثلاً مما يحدث فتنة، ويرد الإخوان بأنه لا يوجد في الإسلام أقلية وأغلبية، بل يوجد مواطن له حقوق لا بد من تلبيتها، وأن الشعار يُقصد به المبادئ والقيم والنظم الموجودة في هذا الدين، والإخوان لا يريدون تديين المجال السياسي وإنما يقصدون الإسلام كبديل حضاري لا ينكر الحضارات بل يأخذ منها.
والدولة الإسلامية في المشروع الإسلامي دولة مدنية لا هي دينية ولا هي تستند على حزب طائفي أو ديني، وإنما تستند على حزب سياسي.
أما الإشكالية الخامسة فهي أن مصر ستتحول إلى دولة طائفية على أيدي الإخوان تتبنى العنف ضد الأقباط، والرد الاخواني على ذلك لا بالقول بل بالتاريخ الذي لم يشهد عنفًا من الإخوان ضد الأقباط، وأنهم برءاء من أي عنف إلا من حالات فردية شهدتها الساحة السياسية فرضتها ظروف معينة واستنكرتها الجماعة في حينها.
وتشغل الردة الإشكالية السادسة؛ حيث اعتبرها البعض تتنافى مع المساواة والحرية، والرد على ذلك أن الإسلام لا يكره أحدًا على اعتناقه، ويحمى عقائد الآخرين ولو كانت إلحادية غير أن هذه الحماية مشروطة بعدم إفساد معتقدات الغالبية من مواطنيه أو التشكيك فيها أو إثارة البلبلة حولها، وكما يقول الشيخ القرضاوي: "إن الإسلام لا يريد أن يتخذ الناس الدين ملعبة يدخله اليوم ويخرج منه غدًا"، والردة إذا انتشرت تهدد المجتمع كله بالخطر.
أما الإشكالية السابعة التي أوردها المؤلف فهي أن فتاوى الإخوان تمنع بناء الكنائس وترميم القديم منها، وفي هذا يؤكد الإخوان أن هناك اختيارات فقهية إخوانية تبيح لغير المسلمين بناء دور لعبادتهم وإصلاح ما تهالك منها مثل رسالة الدكتوراه التي نُوقشت في حقوق القاهرة، وحصل بها الباحث عبد الكريم زيدان على الدكتوراه، وهو المراقب العام للإخوان المسلمين في العراق، ولم يرد في تاريخ السلف منع بناء الكنائس.
أخطاء الأقباط
ويأتي الفصل السابع والأخير بعنوان الأقباط الآن بين المواطنة الكاملة والشعور بتضخم الذات، ويبين فيه الكاتب أخطاء الجماعة القبطية تتمثل في المبالغة في المطالب لدرجة الاستثناء، والتعالي على الآخرين، والتمرد على الواقع واستفزاز مشاعر المسلمين، والهجوم على الأصول الإسلامية مثل الشريعة والحجاب، والربط الدائم بين الإرهاب وما يحدث للأقباط من مشكلات.
كما أن الصعود السياسي للكنيسة وتدخلها في مسائل شائكة يجعلها دولة داخل الدولة، ويهيئ الساحة لصدامات من نوع جديد، وكذا الاستقراء بالخارج ومعاونة المنصرين في التبشير بالمسيحية، وهي جريمة يرتكبها متعصبو الأقباط، ونشر الداعيات الكاذبة والمبالغ فيها في حالات التوتر التي قد تحدث، كما أن لأقباط المهجر دورًا في تأجيج مشاعر العداوة بين الطرفين بسبب الممارسات المستفزة من جانبهم.
ويختم المؤلف كتابه بالسؤال المطروح منذ عنوان الكتاب وهو "مَن يُطمئن مَن؟" فيقول: لقد طمأن الإخوان إخوانهم الأقباط من خلال العمل والقول وردوا على تخوفاتهم واختاروا الخيارات الفقهية التي تتناسب مع الحالة المصرية، وهم بذلك يحتاجون أن يطمئنهم الأقباط وأن يقوموا بإصلاح الأخطاء التي وقعت فيها الكنيسة، ويتصدوا لأقباط المهجر وألا يستقووا بالخارج.
وأن يسعى الطرفان إلى فتح الأبواب المغلقة وإطلاق الحريات، ولا يمنع طرف الآخر من الحصول على حقوقه كاملةً، وأن يُدرك الجميع أن هناك أياديَ تعمل على الوقيعة بين الطرفين فليحذر الجميع.
وضمن المؤلف في نهاية كتابه عددًا من الملاحق منها الوثيقة التي كتبها الرسول لتنظيم العلاقة بين المسلمين واليهود في المدينة، ومعاهدته صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران، وأحد كتبه إليهم، ثم معاهدة عمر بن الخطاب مع أهل بيت المقدس، ومعاهدة عمرو بن العاص مع الأقباط بعد فتح مصر، ثم حكم المحكمة الإدارية بجواز رفع شعار (الإسلام هو الحل)، وبيان من الإخوان المسلمين حول الأحداث الطائفية في دير مواس وأبو قرقاص مارس 1990، وبيان الإخوان لتوضيح عدد من القضايا منها العلاقة مع الأقباط أبريل 1995م.