إنصافًا للقذافي الزعيم الأوحد "للجماهيرية الليبية.. العظمى" أشهد له أنه "ملأ الدنيا، وشغل الناس"، وما زال "مالئًا... وشاغلاً". ويرجع ذلك إلى أنه صاحب غرائب، وعجائب، وتجليات، وفرائد، وأوليات، لم يسبقه إليها أحد، ولن يلحقه في مثلها أو شبيهها أحد:

 

1- فهو أطول حكام العرب والمسلمين بقاءً في الحكم، فقد توسَّد عرشه من قرابةِ أربعين عامًا، والله وحده يعلم إلى متى سيظل متشبثًا به، عاضًا عليه بالنواجذ.

 

2- وهو أقدر حكام الدنيا على إهدار أموال شعبه في سبيل إشباع هواه وحرصه على تحقيق أمجاده التلميعية.

 

3- وهو صاحب القرارات الشاذة التي أضرَّت بليبيا، وجعلت منها دولة متخلفة سياسيًّا، واقتصاديًّا، وإداريًّا، وعسكريًّا، ومن هذه القرارات: "الزحف الشعبي"، والاستيلاء على السلطة، والبيت لساكنه لا مالكه... وغير ذلك كثير.

 

4- وهو يجهل طبيعة ذاته، وحدود- بل محدودية- إمكاناته وقدراته العقلية والعلمية والسياسية، فهو لا يرى إلا ذاته في مرآة ذاته، وهي مرآة تضخم صورة الناظر فيها، ولا "ناظر" غيره: فهو- بكتابه الأخضر- المُنَظر الوحيد للجماهيرية الليبية العظمى، وللعالم كله.

وكأني بلسان حاله يقول:

وأنا المليكُ عليهمو = وهم العبيدُ إلى القيامهْ

 

5- وهو أول حاكم عربي يُنصَّب "ملكًا للملوك"، وهذا يُذكِّرني بقول الشاعر القديم:

مما يزهِّدني في أرض أندلس =  ألقاب معتضد فيها ومعتمد

ألقاب مملكةٍ في غير موضعها =    كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد

 

6- ومن أهم سمات القذافي- أعني ملك الملوك- "التناقضية الشاملة" في الأقوال، والأفعال، والسلوكيات. فلا يستطيع أي باحثٍ أن يرسم له صورةً نفسيةً متسقةَ الملامح والسمات.

 

وتأكيدًا لما ذكرته آنفًا أُقدِّم في السطور الآتية عينات عشوائية مما نُشِرَ عنه في صحف عربيةٍ وأجنبية:

- قامت الحكومة البريطانية مؤخرًا ببيع سرج مخصص لركوب الجمال كان قد أهداه الزعيم الليبي "معمر القذافي" لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير"، وكان الزعيم الليبي قد قدَّم السرجَ هديةً للقاء التاريخي الذي جمع بينهما في آذار عام 2004م بأحد الخيام البدوية في الصحراء بالقرب من طرابلس.

 

ووفقًا لما نقلته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن مجموعةٍ من أعضاء المعارضة في البرلمان الإنكليزي فإنهم يتنبئون بأن يعتبر القائد الليبي تلك الوقعة بمثابة الإهانة. 

 

  حفل فلامنكو خاص‏..‏ أمنية تحققت للقذافي‏!‏

مدريد- أ‏.‏ ف‏.‏ ب‏:‏ الأهرام- 11من ذي الحجة 1328- 20 من ديسمبر 2007:

"طلب الأخ معمر القذافي‏,‏ قائد الثورة الليبية‏,‏ من وزير الخارجية الإسبانية أنخيل موراتينوس لليلته الأخيرة في إسبانيا‏,‏ أفضل حفل فلامنكو‏,‏ وقد تحققت أمنية الزعيم الليبي بالفعل‏,‏ وتم إحياء حفل راقص خاص للقذافي‏,‏ بمشاركة إحدى أفضل راقصات الفلامنكو في قصر باردو‏؛ حيث أقام الزعيم الليبي.

 

وقد بدا القذافي متأثرًا بأداء الراقصة القديرة ماريا لاكونيخا‏,‏ ولم يلبِّ الزعيم الليبي دعوة الراقصة للصعود على خشبة المسرح ومراقصتها‏,‏ إلا أنه قام بخطوةٍ راقصةٍ من مقعده ضاربًا رجليه أرضًا‏.

 

وكشفت صحيفة الموندو الإسبانية أمس‏,‏ عن أن الحفل أحيته فرقة رافايل أمارجو في غضون بضع ساعات‏,‏ بطلبٍ من الخارجية الإسبانية‏,‏ ودفع الوفد الليبي التكاليف‏.‏

 

‏وقد غادر القذافي مدريد أمس الأول مختتمًا زيارةً لإسبانيا بوعود للشركات الإسبانية بتوقيع عقود بقيمة 11.8 مليار دورو".

 

‏- العقيد معمر القذافي يعلن أنه قرر دفع 7.2 مليار دينار ليبي.. أي ألفين وسبعمائة مليون دولار تعويضًا لضحايا طائرة "لوكيربي" بواقع عشرة ملايين دولار لأهل كل قتيل, ونسي الزعيم الليبي- صاحب ميراث القومية العربية, ثم الأفريقية.. أن إقدامه على هذه الخطوة يعني الاعتراف الصريح- ولا أقول الضمني- بمسئوليته كحاكم دولة عن إسقاط هذه الطائرة"؛ لأن التعويض- في مثل هذه الحال- يترتب على المسئولية الجنائية.

 

عدوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم

وبين يدي نص خطبة للقذافي مطبوعة في كتيب وزرع على مستوى عالمي، وعلى الغلاف (خطاب الثائر المسلم معمر القذافي في ذكرى المولد النبوي الشريف -12 من شهر ربيع الأول 1387هـ من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق 19 من فبراير 1978م).

 

وفي هذا الخطاب يعتبر القذافي أن الصلاةَ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شرك بالله، وتقليد للنصارى في تأليه المسيح؛ لأن هذه الصلاة تجُسِّم النبي حتى يحجب الله- على حد قوله-. ولنقرأ ما يقول: "إن.. المسلمين ابتعدوا عن الدين الإسلامي، وهم في طريقهم إلى النتيجة التي وصل إليها المسيحيون... ونحن الآن بدأنا عبادة الأصنام، فنحن نُجسِّم النبي حتى يحجب الله، ولو قلت لكم "رسول الله" لقلتم كلكم "صلى الله عليه وسلم", ولو قلت لكم "الله" لما تكلَّم أحد. وهذا نوعٌ من الاستعباد والوثنية التي نسير فيها.. وكأنَّ ذلك يعني أننا نخاف الرسول أكثر مما نخاف الله، أو أننا نرى الرسول أقرب إلينا من الله , وذلك تمامًا مثل المسيحيين الذين قالوا إن عيسى أقرب من الله.." (ص9،10، 11).

 

وواضح ما في هذا العدوان من مغالطات وتخليط:

1- فلا وجه لتشبيه المسلمين إذ يصلون على النبي- صلى الله عليه وسلم-، بالنصارى الذين أدانهم القرآن الكريم بالكفر البواح، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ..﴾ (التوبة: 30)، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ..﴾ (المائدة: 17، المائدة:72).

 

2- والمسلمون إذ يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، إنما يستجيبون لأمر الله – سبحانه وتعالى- في قوله: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56).

 

3- وعدم رفع الصوت- حتى يصل إلى أذني القذافي- عند ذكر الله لا يدل على انعدام الخشوع، كما أن رفع الصوت لا يقطع بعمقه أو تمامه، فالمسألة بين العبد وربه، ومن ثَمَّ تسقط النتيجة التي أصر القذافي على الوصول إليها من الحكم على الناس بالكفر الصريح والخوف من النبي أكثر من الخوف من الله.

 

وعدوان على السنة النبوية

والقذافي ينكر السنة النبوية، ولا يعتبرها مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي، ولكي نضع أيدينا على منطلقاته وأسانيده في دعواه- أو ادعائه- نعرض على القارئ بعض ما قاله في خطابه السابق بالنص- دون تغيير أو تحريف.

 

1- القرآن الكريم لم يرد فيه نص يقول إن النبي قال عليكم أن تتبعوا كل الكلام الذي قلتُه.. وإلاًّ فأين الكلام الذي قاله لمدة أربعين عامًا قبل البعثة؟…" ص 12 "ولم يرد فيه ما يشير إلى أن نأخذ عنه حديثًا". (ص16).

 

2- "النبي لو كان يقول: اتبعوا حديثي فمعنى ذلك أنه سيعمل بديلاً للقرآن، لكنه باستمرار يؤكد التمسك بالقرآن فقط.." (ص14).

 

3- "الأحاديث كتبها أناس ثم نسبوها للنبي، وهو أنواع: منها الصحيح والمنقول والخاطئ والمكذوب، أما القرآن فهو قرآن واحد.."(ص19).

 

4- "لو كان الحديث الذي يقوله الرسول يُعتَد به، أو يؤخذ كشريعة لوجب أخذ كل كلامه حتى الذي قبل الرسالة"(ص32).

 

5- سنة النبي إنما هي عمل النبي، وليس كلامه، فهل النبي كان يسرق مثلاً؟ طبعًا لم يكن يسرق، هذه سنة من سنته، ومن أخلاقه أنه لا يكذب، ولا يسرق، ويتصف بالأمانة والنزاهة والاستقامة، هذه هي السنة، أي أنها تصرف النبي وطريقته في ذلك، إذن كيف نأتي بعد ألفي سنة، ونقول: إن الحديث هو السنة؟ (ص26-27).

 

وواضح ما في كلام القذافي من ضعف وهشاشة وسذاجة. ومنطقه المتهافت يستطيع أي تلميذ في المرحلة المتوسطة أن يدحضه، زيادة على ما في أسلوبه أيضًا من ضعف وركة:

1- من عجب أن يطلب الكاتب "معمر محمد القذافي" نصًّا من النبي- صلى الله عليه وسلم- يطلب من المسلمين أن يتبعوا كل الكلام الذي قاله بما في ذلك كلامه لمدة أربعين عامًا قبل البعثة، ونصًا قرآنيا يؤكد ذلك، فمن البدهي أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبدأ إلا من يوم بعثه نبيًا ورسولا، أي بنزول الآيات الأولى عليه في غار حراء في ليلة القدر من شهر رمضان.

 

والمعروف أن المسلم غير مطالب باتباع كل ما صدر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- من أقوال وأفعال، بل ما كان تكليفًا منها متعلقًا بالدين والاعتقاد, وما دار في هذا الفلك, كقوله- صلى الله عليه وسلم: "صَلَّوا كما رأيتموني أصلَّي"، وما رواه البخاري ومسلم عن أنس- رضي الله عنه- من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا، ولا تحاسدُوا، ولا تَدابروا، ولا تقاطعوا، وكونُوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث" وقوله: "إنما يلْبَس الحرير من لا خلاق له" , يعني: من الرجال.

 

ويحرّمُ على المسلم اتباع ما كان من خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم كوجوب تهجّده بمقتضى قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ (الإسراء: 79)، وجواز مواصلة الصوم، وقد نهى غيره عنه وقال: "وأيّكم مثلي؟ إنَّي أبيتُ يُطعمني ربي ويسقيني".

 

وشدد النبي صلى الله عليه وسلم في نهي أصحابه عن الإقتداء به في هذه الخصوصيات , أو هذه المثاليات النبوية، فعن عبد الله بن عمرو قال: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم أخْبَرْ أنك تقوم الليل, وتصوم النهار؟ قلت: بلى، قال: فلا تفعل: قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوْرك (زائريك) عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا..".

 

وهناك الأعمال العادية كالتي تتعلق بالمعاش مثل طريقته في المشي، وتناول الطعام، وإيثاره ألوانًا معينة منه، ومثل هذه السلوكيات لا حرج على المسلم في مخالفتها، وإن حرص كثير من الصحابة والسلف الصالح على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في ذلك: فقد رأى بعضهم عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- يدير ناقته في مكان فسُئل عنه فقال: "لا أدري، إلا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ففعلته".

 

2- وقد جاء في القرآن الكريم ما يُلزمنا بالأخذ بالسنة النبوية والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويحذر من عصيانه، ويبين عاقبة هذا العصيان، وينفي الإيمان عمن خالف عن أمره. والآيات الشاهدة على ذلك كثيرة نكتفي ببعضها:

- ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: 32).

- ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ (النساء: 80).

- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (سورة الأنفال: 24)

- ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 65).

 

أما الأحاديث النبوية في هذا المقام فهي أكثر من أن تحصى ومنها – على سبيل التمثيل-:

- "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، وهو متكئ على أريكته، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله"..

 

- "يا أيها الناس, إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي".

 

- وفي رواية أخرى للحديث الأول: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"، قال الإمام الخطابي في معنى هذه الرواية "أوتى الكتاب وحيًا يُتْلَى، وأوتي من البيان مثْله، أي أذِن له أن يبين ما في الكتاب: فيعم، ويخص ويزيد، ويشرح ما في الكتاب، فيكون: في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلوِّ من القرآن".

 

وقد أجمع الصحابة- رضي الله عنهم- على الاحتجاج بالسنة والعمل بها، وقد استفادوا ذلك من إقرار الرسول- صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل حين بعثه على اليمن "فسأله: بم تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: بكتاب الله، قال فإن لم تجدْ؟ قال فبسنة رسول الله، قال فإن لم تجد؟ قال اجتهد رأيي ولا آلُوا (أي لا اقصر) فضرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله إلى ما يُرضي الله ورسوله".

 

وتقوم السنة بتفصيل الأحكام المجملة في القرآن الكريم، وتقييد الأحكام العامة، وتوضيح ما غمض على المسلمين، وتأكيد ما جاء به، وتقعيد ما ورد فيه مفرَّقًا.

 

كما جاء في السنة أحكام تشريعية مستقلة لم ترد في القرآن مثل: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وتحريم الذهب والحرير على الرجال، وإثبات حق الشفعة للجار، وميراث الجدة، ورجم الزاني المحصن، وكل ذلك لا يتعارض مع وصف القرآن في قوله تعالى:﴿...مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ...﴾ (الأنعام: 38).

 

لأن ما قدمه الرسول- صلى الله عليه وسلم- في سنته يتفق مع أهداف القرآن ومقاصده العامة، ولا يخالفه، ولا يناقضه، وقد جاء القرآن في أغلبه كليات، وقواعد مجملة، ومهمة الرسول هي بيان كل ذلك استجابةً لقوله تعالى: ﴿.. وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(النحل: 44).

 

3- فالأحاديث النبوية إذن ليست بديلاً للقرآن إذا أخذنا بها، أما زعمه بأن الأحاديث كتبها أناس ثم نسبوها للنبي، فهذا افتراء لا أساسَ له من الصحة، فأحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- خضعت لأدق عملية توثيق في التاريخ حتى وصلت إلينا الصحاح منها، ولست أدرى إن كان القذافي قد سمع بكتب "الجرح والتعديل" أم لا، تلك التي فضحت كل موضوع مخترع من الأحاديث.

 

وتقسيم الحديث إلى صحيح ومنقول وخاطئ ومكذوب تقسيم مضحك.. مضحك جدًّا والله!! لأن أقسام الحديث يعرفها طلاب المدارس ولا أزيد.

 

 4- أما البلية الأشد إضحاكًا فهي زعمه أن "سنة النبي إنما هي عمل النبي، وليس كلامه، فتلاميذ المدارس المتوسطة يعرفون منها ما هو قولي، ومنها ما هو فعلي، ومنها ما هو إقراري، على أنه يستحيل الفصل في كثيرٍ من الأحيان بين الفعل والقول، كقوله- صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فهو أمر بالقول، وهو فعل في الوقت نفسه، وما رأى القذافي مثلاً في تحديد الرسول- صلى الله عليه وسلم- للزكاة نصابًا وإخراجًا؟ وخطبة الوداع مثلاً- ألا تعد من السنة؟.

 

ونسي كاتبنا معمر محمد عبد السلام "أبو منيار القذافي" إذ يرى أن السنة في عمل النبي دون قوله- أن عمل النبي وهيئته لم تصل إلينا إلا نقلاً عن الصحابة، فكيف يصدق الصحابة، ويكذب رسول الله؟ أو كيف يصدق الصحابة فيما نقلوه من أفعال النبي، ولا يصدقهم فيما نقلوه من أقواله؟!.

 

وأختم هذه الحلقة بكلمتين: الأولى للإمام الشوكاني إذ يقول: "إن ثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع ضرورة دينية، ولا يخالف ذلك إلا مَن لا حظَّ له في دين الإسلام".

 

أما الثانية فلابن حزم، ونصها: "ولو أن امرءًا قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرًا بإجماع الأمة".

 

فلا عجب إذن أن يتهكم القذافي بعد ذلك على الصحابة والسلف الصالح، وأفاضل العلماء والفقهاء والدعاة، نعم.. لا عجب.. ولا غرابة.. فمن يطالب بتحريف القرآن الكريم، ومن يزري برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وينكر سنته، لا يستغرب منه أن يسب الصحابة والفقهاء وأهل العلم والفضل من صفوة الناس.

-----------

* [email protected]