- مارسوا ضدي 14 نوعًا من أنواع التعذيب ونقلوني إلى سجنين

- 21 يومًا قضيتها في أمن الدولة لا يعرف أحد عني شيئًا

- بسبب مقال نقلوني إلى زنزانة الحمام عقابًا على الشكوى

 

حوار- سلسبيل علاء:

أحداث المحلة التي شهدتها مصر يوم 6 أبريل الماضي كان لها ضحايا مختلفون، منهم المذنبون ومنهم المظلومون، ومن هؤلاء المظلومين الدكتور ممدوح المنير الناشط في مجال حقوق الإنسان وصاحب المدونة الشهيرة في أحداث 6 أبريل، والتي نقلت للعالم أجمع ما حدث في المحلة بالصوت والصورة، وكان جزاؤه الاعتقال بعد أحداث المحلة بيومين فقط، ليغيب ما يزيد عن سبعة أشهر في معتقلات الداخلية؛ حيث مارسوا معه مختلف وسائل التعذيب البدنية والمعنوية، فمن ضربه بالأيدي والأرجل والعصي إلى صعقه بالكهرباء في شتى أنحاء جسده لا سيما المناطق الحساسة مع إلقائه شبه عارٍ في زنزانة ضيقة للغاية في بدروم أمن الدولة بدون شيء سوى زجاجتين إحداهما لشرابه وأخرى للتبول، هذا فضلاً عن سبِّه وإهانته وتهديده المتواصل بالاعتداء الجنسي عليه، وبعد أيامٍ من الإفراج عنه التقى (إخوان أون لاين) به ليحكي لنا ما حدث معه ولماذا حدث.

 

* بدايةً نُهنئك بالإفرج وخروجك من المعتقل، وبرغم مرور قرابة ثمانية أشهر إلا أن ملابسات اعتقالك غاب منها الكثير، فهلاَّ وضحتها لنا؟

** هي ذكريات قاسية، فهذه التجربة الأولى لي مع الاعتقال، بل في التعامل مع جهاز الشرطة بشكلٍ عام، واعتقالي كان فجر الثامن من أبريل الماضي بعدما نشرت في مدونتي قصة مصرع الصبي أحمد علي محمود حماد من أبناء مدينتي المحلة وعمره 15 عامًا تُوفي إثر إصابته بطلقٍ ناري في الرأس وآخر في الخد، بُعيد دقائق قليلة من نقله لمستشفى القصر العيني بالمحلة؛ وذلك في المواجهات التي دارت بين قوات الأمن المركزي والأهالي في أحداث يوم الإثنين السادس من أبريل.

 

اشتعال الموقف

* هل كنت تقوم بتغطية إعلامية لصالح جهة معينة؟

** لا، بل بصفتي مدون وناشط حقوقي، فلم يتوقع أحدٌ على الإطلاق تلك الأحداث، كما أن أهل المحلة عامةً وشعب مصر خاصةً معروف عنهم الهدوء واستخدام الأسلوب الحضاري السلمي في التعبير عن مواقفهم، وبالتالي كان الوضع حتى عصر الأحد هادئًا تمامًا قبل أن يشتعل الموقف فجأةً بسبب مناوشات بين الأمن المكثف الذي ملأ شوارع المدينة وبعض الأهالي.

 

* هل كنت متابعًا للأحداث منذ يومها الأول أي يوم "6/4"؟

** نعم.. وكل ما كان يدور في ذهني أن الإضرابَ حال نجاحه سيتمثل في خلو الشوارع من المارة وإغلاق المحلات أبوابها، ولكني فوجئت أثناء توجهي إلى منزلي عصر يوم الأحد 6 أبريل وجدتُ نفسي بين طرفي كماشة كما يقولون، فأمامي كانت قوات الأمن وخلفي كان المتظاهرون متجهين نحو ميدان الشون بوسط المدينة، فلم أستطع الحركة وفضلتُ التوجهَ إلى أحد الأرصفة الجانبية حتى لا أُصاب من أحد الطرفين، وكان يتم وقتها إطلاق قنابل غاز وأُصبت بإحداها؛ لذا توجهتُ إلى إحدى العيادات الطبية الموجودة بميدان الشون وغسلتُ وجهي لأزيل آثار قنبلة الغاز، وبدأت وسائل الإعلام في الاتصال بي للحصول على معلوماتٍ حول أحداث المحلة غير المتوقعة، وتسبب غياب التغطية في هجومٍ إعلامي عليَّ؛ نظرًا لعلاقاتي بكثيرٍ من الصحفيين.

 

وفي ذلك اليوم لم أستطع الذهاب للمنزل إلا بعد انتهاء الأحداث تمامًا، وكان ذلك في منتصف الليل، وبعد أن قمتُ بالتغطية الإعلامية بشكلٍ جيدٍ مع تصوير أغلب الأحداث، فضلاً عن الاستعانة بصور المشاركين وما تم إرساله على بريدي الإلكتروني.

 

تجدد الاشتباكات

* وماذا عن يوم 7 أبريل؟

** تخيلتُ إن الإضراب انتهى بانتهاء يوم 6 أبريل، ولكني فوجئتُ بإحدى وكالات الأنباء تتصل بي، وتتحدث عن معلوماتٍ تُفيد بتجدد الاشتباكاتِ مرةً أخرى وتسألني عن صحةِ المعلومات؛ وبذلك وجدتُ نفسي وسط الحدث من جديد، واتجهت إلى ميدان الشون ووقفتُ في مدخل إحدى العمارات لابتعد بنفسي عن الاشتباكات المتصاعدة بشكلٍ عنيف، وقمتُ باستكمال التغطية يومها لصالح إحدى الجهات الإعلامية، أما ثالث يوم أي 8 أبريل فقد تم اعتقالي في ساعتها واتجهتُ مباشرةً إلى مباحث أمن الدولة بالمحلة؛ حيث تم حبسي بمفردي وبدأ التحقيق معي عصر ذات اليوم بعدما وضع أفراد الشرطة عصابةً على عينيَّ مع تقييد اليدين فلم أستطع رؤية مَن قام بالتحقيق معي، ولكني ميزتُ أن عددهم تجاوز عشرة أفراد.

 

وسائل التعذيب

* هل تم التحقيق معك بشكلٍ عنيف؟

** بالطبع، كانت تتم عمليات التعذيب أثناء التحقيقات، وذكرتُ هذا في النيابة, وقد أصدر المهندس سعد الحسيني عضو الكتلة البرلمانية عن الإخوان المسلمين بيانًا بأنواع التعذيب التي بلغت 14 وسيلةً مُورست ضدي أثناء إجراء التحقيقات معي، وأرجو إعفائي من ذكرها كي لا أستعيد أوجاع لا أريد تذكرها.

 

* هل كنتُ تتصور أن يتم الضغط عليك باستخدام مثل هذه الوسائل الوحشية؟

** طبعًا.. تعامل جهاز الشرطة المصري مع المعارضين السياسيين لا يخفى على أحد، ولكني لم أكن أتصور أبدًا أن تصل إلى هذا الحدِّ من البشاعة، ولم يشفع لي عندهم أنني ناشط حقوقي أو إعلامي.

 

* كم كانت مدة إقامتك بجهاز أمن الدولة في المحلة؟

**  قضيتُ هناك 21 يومًا، تحت تعذيبٍ مكثف، ورفض المحققون طلبي لمحامي ومنعوا زيارة أهلي الذين كانوا يترددون على الجهاز يوميًّا للسؤال عني، وأفراد المباحث يصرون على نفي اعتقالي بالمقر، وقولهم دائمًا "مش موجود عندنا".

 

بعد 21

* وما الإجراء القانوني الذي تم بعد مرور الـ21 يومًا؟

** تم نقلي إلى نيابة أمن الدولة العليا بالمحلة في تمام الساعة الثانية صباحًا؛ بتهمة التحريض على الإضراب وتخريب الممتلكات العامة، بالإضافةِ إلى تكوين مجموعاتٍ تعمل على قلب نظام الحكم.

 

تعاطف النيابة

 الصورة غير متاحة

المنير خلال إحدى مرات عرضه على النيابة

 

* ما الذي واجهته في النيابة؟

** كان هناك تعاطفٌ معي من جانب وكيل النيابة؛ نظرًا للإعياء الشديد الذي كان بي وقتها؛ حيث قام بنفسه وساعدني على المشي، فقد كان من الصعب عليَّ الحركة دون مساعدةٍ من أحد، وطلب مني النوم على الأريكة التي أمامه، بالإضافةِ إلى قيامه بشراء طعامٍ لي، ثم قام بفتح التحقيق معي، ولكني رفضتُ الكلامَ إلا في وجود محامين، وقتها طلب مني وكيل النيابة الاتصال بأحد المحامين، وكانت هذه المكالمة لوالدتي لإحضار محامين، وكان هذا أول اتصالٍ لي بالعالم الخارجي.

 

* كيف كان حال الوالدة أثناء المكالمة؟

** بالطبع كانت مكالمةً شاقةً جدًّا على النفس، ولم أتمالك نفسي؛ نظرًا لاشتياقي لسماع صوتِ أمي الحنون الذي بعث في نفسي بعضًا من طمأنينةٍ كغريقٍ يبحث عن قشة، وأمي بدورها لم تتمالك نفسها وأجهشت بالبكاء، فقد كانوا جميعًا في حالة فزع لا سيما وأن صوتي كان ينمُّ عن حالةٍ صحيةٍ ونفسيةٍ سيئةٍ للغاية، وعقب دقائق من المكالمة حضر عندي 4 محامين بصحبةِ والدي.

 

آثار التعذيب

* ماذا حدث بعد وصول المحامين؟

** تم فتح التحقيق معي، والذي استمرَّ لمدة ساعتين، وقتها قمت بسرد وسائل التعذيب التي تعرضتُ إليها؛ مما جعلهم يطالبون بتوقيع الكشف الطبي وتحويلي إلى الطب الشرعي، وقد طلب مني وكيل النيابة تعديد أنواع التعذيب التي تعرضتُ لها وأمرني بخلع ملابسي فيما عدا ما يستر العورة، وكان ذلك في وجود أبي الذي أُصيب بحالة انهيار إثر رؤيته لآثار التعذيب على جسدي.

 

* ماذا جاء بقرار النيابة وقتها؟

** حصلتُ على أول إخلاء سبيل، وتم تحويلي لقسم ثاني المحلة، وطلبوا مني في القسم التوقيع على إخلاءِ سبيلي والتعهد بالحضور صباح باكر على مسئوليتي الشخصية لمصلحة الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي عليَّ، ولكن لم يتم تنفيذ قرار إخلاء السبيل وقتها، وتملكني الذهول لذلك الإجراء فقد كنتُ جديدًا على هذه الألاعيب، وتوجهتُ للطبِّ الشرعي صباح يوم السبت في حراسةٍ مشددة، وعُرِضتُ على الطبيب المختص، وقال لي إنه سيقوم بإثبات آثار التعذيب التي رآها بجسدي، وأتيتُ من مصلحة الطب الشرعي إلى النيابة مرةً أخرى ومعي محضر جديد.

 

* وماذا كان قرار النيابة؟

** جاء قرار النيابة بالتحفظ على إبداءِ الرأي في حريتي لحين انتهاء فترة اعتقالي علمًا بأنه لم يكن قد صدر لي أمر اعتقال لحظة صدور قرار النيابة!!.

 

شلل مؤقت

* ومتى صدر قرار اعتقالك رسميًّا؟

** بعدها مباشرةً صدر قرارٌ باعتقالي لانتقل إلى سجن وادي النطرون؛ حيث استقبلني المعتقلون أحسن استقبال، وكان من بين المعتقلين إخوان أطباء وأساتذة جامعات قاموا بتوقيع الكشف الطبي عليَّ وعمل جلسات علاج مكثف لي، وخاصةً أنني كنتُ أصاب بشللٍ كلي مؤقت من آنٍ لآخر نتيجة التعذيب بالكهرباء، واسترددتُ عافيتي إلى حدٍّ ما بعد مرورِ نحو شهر من العلاج، وظللتُ باقي فترة الاعتقال في وادي النطرون، وللأمانة كان وضع السجن والمعاملة مع الإدارة آدمية إلى حدٍّ كبير.

 

* هل ظللت كافةَ المدة في وادي النطرون؟
 
 

الداخلية جددت اعتقال المنير أكثر من مرة دون مبرر

** كما قلتُ سابقًا في وادي النطرون المعاملة كانت جيدة وظروف الحياة كذلك، ولكن حين حصلتُ على حكم الإفراج واجب التنفيذ، وكان الثاني من نوعه، لم يُنفَّذ وجرى اعتقالي من جديد، وتمت إعادتي إلى وادي النطرون مرةً أخرى، وبعدها بأسبوع نُشِرَ مقال لي في إحد الصحف المستقلة يتحدث عما تعرضتُ له، ونُقلِتُ بعد هذا المقال بفترة إلى سجنٍ آخر في القاهرة، وتم تسكيني في عنبر التأديب في زنزانة انفرادي عبارة عن حمام ( 1.5× 1.8 متر) في ظروفٍ بالغة السوء، ثم نقلوني بعد ثلاثة أيام من داخل الحمام الزنزانة إلى الصالة أو الطرقة الخاصة بالعنبر، وكان المكان أوسع وأفضل، ولكن لم تنتهِ متاعبي عند هذا الحد؛ حيث كان المساجين الجنائيون في عنبر التأديب كارثة لا تُحتمَل إذْ كان المسجون الجنائي يهرب من الواقع الكئيب الذي يحياه في السجن إلى عالم الأحلام، ولكن عن طريق المخدر الذي يتعاطاه.

 

والمشكلة في هذا المكان أن المخدر لا يصل إليه إلا تهريبًا!! وعندما ينتهي مفعول الجرعة التي أخذها ولا يجد جرعةً جديدةً يبدأ في فقدِ اتزانه، ويبدأ في الصراخ وكأنه أصابه مسٌّ من الجنون، ويظل يقرع الأبواب قرع طبول الحرب، لا يتعب ولا يمل من القرع على الباب يفرغ فيه- أي الباب- كل ضيقه وغضبه وسخطه، ولا يدري أنه يُفرِّغه حقيقةً في أُذني أنا لا في أُذنِ السجَّان، الذي لا يستجيب لصرخاته ولا آهاته؛ لأن السجَّان تعوَّد عليها، فلم تعد تحرك فيه ساكنًا، وكان هذا أسوء متاعبي في السجن، ولكنَّ الله سلم، وظللت في هدوءٍ حتى نهاية وجودي في هذا السجن بعد شهر ونصف في عذابٍ لا يُطاق.

 

جلسة الاستماع

* كيف كانت نهاية الفترة؟

** قبل موعد الإفراج عني بيوم جاءني وفدٌ من أمن الدولة جلسوا معي في جلساتِ استماع، وكنتُ مندهشًا من أسلوب الحوار الراقي؛ حيثُ إني لم أتعود على ذلك!! وتكرر اللقاء في اليوم الثاني مع مفاجأةٍ بإخراجي إلى البوابة والإفراج عني لأجد والدي الذي أحضروه خصيصًا لأنصرف معه، وهكذا حصلتُ على حريتي بعد سبعة شهور كاملة من الاعتقال.

 

* هل هناك من كلمةٍ ترغب في قولها في النهاية؟

** لا أجد سوى "حسبي الله ونعم الوكيل".. أقولها في كلِّ مَن ظلمني، وأقول كذلك إن هذا ليس سوى دليل جديد على ضعفِ النظام الذي أصبح يُفكِّر بعضلاته أكثر مما يُفكِّر بعقله، وهذه كارثة لا نملك إزائها إلا قول "اللهم لطفك الذي وعدت".

 

وفي النهاية أوجه التحيةَ لكل الأحرار والشرفاء خلف القضبان، وأقول لهم: "صبرًا، إنَّ بعد العسر يسرًا، فإذا كان الله معك فمَن عليك، وإذا كان عليك فمَن معك".