ما من كارثة أو مجزرة تحل بالشعب الفلسطيني الصابر إلا وتجد شاشة (الجزيرة) تواجهك بخبر قيام رئيس السلطة الفلسطينية (المجاهد) بإجراء الاتصالات العاجلة لوقف العدوان!.

 

لا أعرف بدعة الاتصالات العاجلة أو (الاتصالات على كافة المستويات) كيف تحرِّر أرضًا أو تحمي عرضًا.

 

المحزن في الموضوع أن الرئيس المجاهد كلما زاد حدة نضاله الهاتفي زادت حدة المجزرة في تناسبٍ طرديٍّ عجيبٍ ومَقيتٍ.

 

في بعض الأحيان أُصاب بالفزع عندما أتخيَّل أن هاتفه النقاَّل قد انتهى الشحن به!، أو أن الاتصال الذي يُجريه خارج نطاق الخدمة!!، وتنتابني الكوابيس عن مدى التدهور الذي سيلحق بالقضية نتيجةً لهذا العطل الفني!!، خاصةً أن الأخ المجاهد أبو مازن لم يطلق في حياته رصاصة واحدة!، بل إنه ألَّف كتابًا في نحو أكثر من أربعمائة صفحة لم يذكر في إحداها أن فلسطين دولة (محتلة)!.

 

إن القليل من التفكير يجعلك تدرك سريعًا أن العدوان الحاليَّ على غزة الغرضُ منه هو إنقاذ عباس من الورطة التي سيقع فيها بعد 9 يناير الحالي، وبما أن أبو مازن يمثِّل رأس الحربة في المشروع الصهيوأمريكي فسوف تمتد الورطة إلى كافة حلفاء أمريكا؛ بمن فيهم الدول التي يُطلق عليها محور الاعتدال ونطلق عليها نحن الاستسلام.

 

أما سبب الورطة فهو انتهاء فترة حكم أبو مازن كرئيس للسلطة الفلسطينية يوم 9 يناير الحالي، وبالتالي تنتهي شرعيته ويصبح بلا مظلة قانونية وشعبية يرتكن إليها، ويتبعه بالتوالي سقوط حكومة سلام فياض؛ لأنها مُعيَّنة من قِبل أبو مازن، فتصبح شرعيتها هي الأخرى منتهيةً بانتهاء فترة حكم أبو مازن، بينما تظل الشرعية الوحيدة التي لا خلاف عليها هي شرعية المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي تمثِّل الأغلبية فيه كتلة حماس.

 

وإذا أضفنا إلى ذلك إعلان حماس أنها لن تعترف بأبو مازن رئيسًا للسلطة الفلسطينية بعد 9 يناير الحالي، تتضح بذلك الصورة أمامنا أكثر، وتصبح أسباب الحملة الصهيونية واضحة المعالم.

 

قد يتذرَّع الكيان الصهيوني لتبرير عدوانه بحجة وقف صواريخ المقاومة الفلسطينية، وهو فعلاً صادق في ذلك، ولكنه ليس السبب الأصيل والرئيس في الحملة الحاليَّة تحديدًا.

 

الهدف إذن هو إنهاء شرعية حماس كحكومة فلسطينية، وهنا قد يتساءل متسائل: "ولكن النظام الدولي يطلق على حكومة حماس الحاليَّة (الحكومة المُقالة)؟!

 

وهنا أقول- رغم اختلافي مع هذه التسمية ورفضي إياها لأسباب منطقية لا عاطفية ليس محلها هنا الآن- إلا أن المجلس التشريعي الفلسطيني يملك شرعية إعادة تكليف حماس بتشكيل الحكومة، وبالتالي يصبح على الكيان الصهيوني أن يتفاوض مع حكومة حماس مباشرةً، وكذلك على الأنظمة العربية أن تتعامل مع حماس مباشرةً لا كما يتم حاليًّا عن طريق القيادات الأمنية!، ويصبح كذلك على الاتحاد الأوروبي وأمريكا أن تتعامل مع حماس مباشرة، وهذا طبعًا سيضعهم في حرجٍ شديدٍ؛ لأن حماس موضوعةٌ على قائمة الإرهاب الأمريكية؛ ولذا ترفض أمريكا التعامل معها مباشرة.

 

كل هذه الأجواء تبيِّن لنا إلى أي مدى ستصل إليه الحملة الصهيونية الحاليَّة على غزة بدعم فلسطيني عربي أوروبي أمريكي رسمي!!.

 

إن المعركة الحاليَّة تستدعي منّا أقصى درجات الانتباه، وتفرض علينا الاصطفاف جميعًا كشعوبٍ خلف المقاومة، وأن ندرك أن المعركة الدائرة حاليًّا على أرض غزة هي معركةٌ عالميةٌ بكل معنى الكلمة بين مشروعين وحضارتين وثقافتين، وإن دارت رحاها على غزة أرض العزة.