أيها الشعب المجاهد في غزة..

سلام على أرواح شهدائك الأبرار.. سلام على دمائك الطاهرة التي روت ثرى فلسطين المباركة.. سلام على أبطال المقاومة والصمود.. سلام على هذه الروح الأبيَّة.. روح العزة والكرامة والريادة.

 

بالطبع ليس دم الشهيدين نزار ريان وسعيد صيام أزكى من دم أي شهيد فلسطيني.. الكل عندنا سواء؛ المرأة، والشيخ، والطفل، وسواءٌ كانوا من حماس أو من عموم الشعب الفلسطيني في غزة؛ الكل انصهر في بوتقة واحدة هي بوتقة المقاومة، والكل اصطفاهم الله واجتباهم بالشهادة؛ ولذا قال عز وجل ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ (آل عمران: من الآية 140).

 

هذه المزيَّة العظمى لا ينالها إلا المقرَّبون أو المقبولون أو المرضي عنهم، حتى ولو رغمت أنوفهم؛ فقد جاء في الحديث: "يثاب المرء رغم أنفه".

 

إنها المكانة العالية والمنزلة السامقة التي تشرئب إليها أعناق المجاهدين العاملين المخلصين؛ فكم من مجاهدٍ خاض غمار حروب شرسة وضارية لم يَنَلْ تلك الشهادة!، وإن كان يتوق إليها ويتمنَّاها من أعماق قلبه، وها هو خالد بن الوليد رضي الله عنه يقول: "وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء".

 

غير أن القيادة حينما تنال الشهادة فذلك يعني أنها تضرب المثل والنموذج والقدوة لجنودها؛ في أنها تمثِّل جزءًا منهم، مرتبطة بهم وليست معزولة عنهم، بل هي تعيش معهم بروحها وجسدها، وفي هذا تقوية لروحهم المعنوية وتعزيزٌ للثقة فيما بينهم وإمدادٌ لهم بمزيد من الثبات والصمود والتحدي والمقاومة.

 

والقيادة حينما تنال الشهادة فذلك يعني أنها تبعث برسالة إلى من يتولَّى القيادة اليوم وغدًا، في فلسطين وفي غيرها؛ أن هذا هو الطريق، وأن القيادة ليست ترفًا وإنما مسئولية وتبعة وأمانة؛ لها أعباؤها وتكاليفها التي تتطلَّب- في لحظةٍ ما- التضحية بالنفس والروح والزوج والولد وبكل غالٍ ونفيس، وهذا عنوان الإخلاص والصدق والتجرد للقيمة والمبدأ.

 

أيها الشعب المجاهد..

نعم أنت الآن تعاني مأساةً كارثيةً بكل المقاييس، لكن يجب أن تعلم أن العالم كله دون استثناء- حتى العدو نفسه- ينظر إليك وإلى صمودك الفتيِّ وإرادتك الصُّلبة وعزمك القوي بعين التقدير والإجلال والاحترام.

 

ولو أن التاريخ خلا من نماذج كنموذجك لكان تاريخًا تافهًا مزريًا مخزيًا.. إن التاريخ سعيد بما تصنع، فَرِحٌ بما تُقدِّم من تضحيات وملحمة وأسطورة.. التاريخ يعلو حيث البطولة والشجاعة والإقدام، ويهبط حيث الصغار والجبن والإحجام.. وشتان شتان بين من قدَّموا الدماء والأرواح رخيصةً دفاعًا عن الأوطان، وفي سبيل الحق والعدل والحرية، وبين مَن لاذوا بالفرار واختبئوا خلف الجدران والتزموا صمت الجرذان.

 

أيها الشعب المجاهد..

صمودك طوال هذه الفترة- رغم شراسة القصف جوًّا وبحرًا وبرًّا ورغم استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا- لا يعني سوى شيء واحد؛ هو انتصار الإرادة.. نعم، لقد قدمتَ الكثير من الشهداء والجرحى، فضلاً عن حجم الدمار الذي لحق بالقطاع، لكنَّ إرادتك لم تَهِنْ، وعزمك لم يَلِنْ، ولم يستطع العدو الصهيوني أن ينال من مقاومتك.

 

لقد فشل هذا العدو- رغم آلته العسكرية الجبارة- في أن يُحقِّق أهدافه نتيجة إصرارك أيها الشعب الأبيُّ على الوقوف بصلابة حول رجال المقاومة ورموزها، وأثبتَّ أن انحيازك وتبنِّيَك خيارَ المقاومة كان حقيقةً لا وهمًا.. كان عميقًا لا سطحيًّا.. وأنك كنت وما زلت تؤمن بهذا الخيار كسبيلٍ وحيدٍ لتحرير الأرض واستنقاذ المقدسات.

 

لقد فشل العدو وتحطَّمت آماله وأحلامه على صخرة صمودك؛ كان يريد استعادة هيبته وثقته بنفسه بعد فشله في عدوانه على لبنان في يوليو بعد عام 2006م، وها هو اليوم يعود ليحمل نفس الخزي والعار والخيبة.

 

العدو الصهيوني يبدو أنه لا يدرك أن جيلاً من المقاومة قد تخلَّق على الأرض العربية الإسلامية، وأن هذا الجيل يستعصي على الصلف والكبر والإجرام الصهيوني، وعلى هذا العدو أن يُعيد حساباته ويُراجع مواقفه، وليعلم أن المقاومة مستمرة حتى يخرج الاحتلال ويُفك الحصار وتُفتح المعابر.

 

ولتوقن الأنظمة والحكومات العربية أن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على المقاومة وشعب المقاومة؛ فذلك هو سبيل العزة والكرامة.

---------

* النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين- [email protected]