لك يا إمامي يا أعز معلم             يا حامل المصباح في الزمن العمي

يا مرشد الدنيا لنهج محمد                  يا نفحة من جيل دار الأرقم

حسبوك مت وأنت حي خالد                  ما مات غير المستبد المجرم

حسبوك مت وأنت فينا شاهد                  نجلو بنهجك كل درب معتم

شيَّدت للإسلام صرحًا لم تكن                  لبناته غير الشباب المسلم

وكتبت للدنيا وثيقة صحوة                     وأبيت إلا أن تُوقَّع بالدم

لم أجد في افتتاح هذه القراءة لهذا الكتاب الجديد أعلى من هذه الأبيات التي نظمها العلامة الجليل الدكتور يوسف القرضاوي؛ حيث جمعت للإمام أسباب المجد الذي حازه، والتي تمثَّلت في ما شيده للإسلام من صروحٍ جعلته بحق يجدد شباب الأمة الإسلامية في العصر الحديث.

 

وقصة هذا الكتاب ترجع إلى نحو عام ونصف العام يوم التقيتُ الشيخ الكريم عبد الخالق الشريف، وتناولنا ضمن ما تناولناه من أطراف الحديث عما يلزمنا والذكرى الثمانين لنشأة الحركة التي أرسى دعائمها الأستاذ الإمام حسن البنا؛ مما كان من شأنه تكليفي بالبدء فيما يمثل نقطة انطلاق، فكان مني استكتاب من ترى جهدهم في هذا الكتاب الذي يمثل بداية فقط لما يتصور صنعه نحو هذا الرجل العملاق رحمه الله ورضي عنه.

 

والكتاب الذي بين أيدينا محاولة أولى للكشف عن القيمة الكبرى للنص المركزي في فكر حسن البنا وحركته الرائدة، وهي محاولة تسعى للتأسيس لنوعٍ جديدٍ من قراءتها مدعوم بما استطاعه الإخوة المشاركون بحديثهم من كشفٍ عن نص مجموعة الرسائل.

 الصورة غير متاحة

 غلاف كتاب مدخل إلى رسائل الإمام البنا

 

والكتاب الذي قام على تحريره الدكتور خالد فهمي، وقدَّم بين يديه بمقدمة طويلة كاشفة عن الموقع العلمي والفكري لشخصية حسن البنا الشيخ عبد الخالق الشريف، يضم البحوث التالية:

1- الفجر يشرق من جديد، للدكتور خالد فهمي.

2- العناصر البلاغية المؤسسة للوضوح في رسائل الإمام البنا، للدكتور إبراهيم عبد الفتاح.

3- أسلوبية الإبلاغ في رسائل الإمام البنا للدكتور مصطفى أبي طاحون.

4- أثر اللغة في البناء الفكري للأصول العشرين للدكتور حمدي بخيت.

5- المرأة المسلمة في ضوء الرسائل للدكتورة أم فاطمة إبراهيم أبي داود.

6- الموقف من الثقافة الأجنبية (على سبيل التمهيد) للأستاذ محمد عبد الرحمن.

7- الثقافة الأجنبية في الرسائل للدكتور أحمد الصياد.

8- الإشارات التاريخية في الرسائل للدكتور كامل عبد الفتاح.

9- قراءة في وعي حسن البنا بالتراث من خلال رسائله للدكتور أحمد طه.

خطر الموقع

وفي تقديمه كشف الأستاذ الشريف عن الموقف العلمي لشخصية الإمام الشهيد، وهو ما كشفه عنه من خلال رسالة علمية تقدَّم بها عنه بعنوان (حسن الإمام البنا محتسبًا)، والاحتساب هو اللفظ القديم الذي يمكن تفسيره بالإصلاح والحركة للإسلام في اللغة المعاصرة.

 

ويلمس الشريف مسوغات المنزلة العلمية التي يتبوأها الأستاذ الإمام حسن البنا فيما يلي:

أ- التوازن الفكري الذي يتجلى في الاعتراف بقيمة الفرد والدولة في فكره.

ب- العمق الفكري الذي تتمتع به كتاباته في يسر وسهولة ووضوح.

ج- اتحاد الزمان، فهو يعيش عصرنا ويتعاطى مع قضايانا.

د- التشريع بين التنظير والتطبيق.

هـ- سلامة المعتقد الذي يصدر عنه فكره.

و- الانطلاق من أرضية علمية أصيلة في العلوم الشرعية (التفسير والحديث والأصول) والعلوم العربية (نحو أو بلاغة أو معجم إلخ) والعلوم الواقعية (من الخبرة بواقع الأمة وتاريخها).

 

ز- الإيمان والعمل العالمية الفكرة تطبيقًا لمفهوم عالمية الإسلام وعالمية حقائقه.

التأسيس الواعي

وفحْصُ مجموعة الدراسات التي تقدَّم بها أصحابها في هذا الكتاب المدخلُ يكشف عن الغرض منها، والمتمثل في وضع علاماتٍ تُعين على تمثُّل حقائق الرسائل وتعين على إدراك المفاهيم الكبرى التي تضمنتها، وهو ما ظهر في عنوان هذا الكتاب في عبارة (دراسة تأسيسية).

 

وقد كشفت هذه الدراسات جميعًا عن شيءٍ لا مبالغةَ فيه، وهو أن هذا النص المركزي- أعني مجموعة رسائل الإمام البنا- نصٌّ فارقٌ في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة، وأنه لم يزل بكرًا لم يُستثمر الاستثمار اللائق به، إنني يمكن أن أقرر من غير شططٍ إنه نصٌّ لم يُكتشف بعد!.

 

وأنه لم يتوقف أمامه بالقدر الكافي الذي تُمثله أهميته، كما أنه لم يُستثمر الاستثمار الأمثل على طريق حسم كثيرٍ من المشكلات الفكرية التي تواجه العمل الإسلامي في المعاصر من داخله أو من خارجه.

 

ويلفت الدكتور خالد فهمي في مقدمته التي صنعها باعتبار محرر الكتاب عن حاجة الرسائل إلى الدراسات التأسيسية التالية:

أ- دراسة مصادر الرسائل لتقييم صلة الإمام البنا بالمصادر الإسلامية الأصيلة وللكشف عن مكانه الجديد.

 

ب- معجم مصطلحات العمل الإسلامي من خلال الرسائل.

ج- تحقيق نص جامع شامل للرسائل وفق الأصول العلمية لعلم تحقيق النصوص.

أما عن البحوث فقد تناولت مناطق متنوعة وإن اعتنت عنايةً ظاهرةً بالكشف عن خصائص الرسائل الأسلوبية والبلاغية واللغوية في المقام الأول باعتبارها نصًّا لغويًّا دعويًّا في المقام الأول.

 

فكشف خالد فهمي انطلاقًا من فكرة أساسية حاكمة هي النظر إلى الرسائل من زاوية كونها نصًّا أو مسألة هدفها البلاغ عن خصائصها التي تتمتع به على مستوى البناء اللغوي من خلال معجمها وتراكيبها ليقرر بعد اختباراتٍ أن نص الرسائل نصٌّ واضح محدد دقيق في غير خصامٍ من القيم الجمالية.

 

وهو الخيط الذي التقطه إبراهيم عبد الفتاح ليقيس من خلاله بلاغة الرسائل من خلال المحاور الاستعارية والتشبيهية والتضمينية.

 

ويكمل مصطفى أبو طاحون الدائرة بما كتبه من دراسةٍ أسلوبيةٍ قامت على رصد الوسائل التعبيرية التي استعملها الإمام البنا وحددت أسلوبية رسائله، وهي:

1- التناجي (تداخل النصوص) في رسائل الإمام البنا.

2- الإنشاء.

3- التكرار (الأفقي التوكيدي/ الرأسي).

4- التوازن.

5- الصورة.

الإشارات التاريخية

وفي ورقته يكشف كامل عبد الفتاح عن توظيف الإشارات التاريخية في الرسائل ليكشف عن وجه مسكوت عنه هو امتداد خلف قراءة هذه الإشارات التاريخية في هذه المجموعة من الرسائل.

 

ثم تأتي ورقة حمدي بخيت عمران لتبرهن تلازم اللغة والدين وأثر هذا التلازم من ضرورةِ التضلع من علوم اللغة لمفكري الإسلام ودعاتها المعاصرين، وهو ما أخضعه حمدي بخيت للفحص ليكشف من خلاله ملاحظة أثر اللغة إلى أن الإمام البنا وإن كان مجددًا فإنه لم يُبدع من القول بل إن ما قاله متواتر الذكر في أدبيات العلماء الثقات عبر تاريخ العلم عند المسلمين.

 

وفي ورقتين متكاملتين التفت محمد عبد الرحمن ممهدًا الطريق بين يدي ورقة أحمد الصياد انفتاح البنا على الآخر وثقافته دون انبهارٍ أو اتهام، وهي الرؤية الوسطية الحاكمة للأمة في عصور ازدهارها الحضاري، وهو ما تمثَّل في توظيف البنا لروافد هذه الثقافة الأجنبية في تجلياتها المختلفة تاريخيًّا وأدبيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، لقد كشفت هاتان الورقتان عن شيءٍ عجيب في خلفية الرسائل أنها تمثَّلت المنجز الفكري الغربي، واتخذت منه موقفًا نقديًّا حينًا وموقفًا مستفيدًا حينًا آخر؛ مما يعكس تعالي البنا على عصور الانهيار التي تدفع صاحبها بما يُسمَّى في علم الاجتماع بالتوحد أو رفض ثقافة الآخر كنوعٍ من أنواع المقاومة، وحماية الذات.

 

ولم يغفل الكتاب بيانَ موقف الرسائل من المرأة التي كشفت عن موقفٍ نبيلٍ وعميقٍ وإسلامي حقيقي من قضيتها باعتبارها نفسًا لها الحق في المشاركة في بناء الأمة الإسلامية، وهو الموقف الذي ينبغي تأمله جيدًا في التوقيت الذي صدرت فيه أفكار هذا الرجل في الثلث الأول من القرن الميلادي العشرين!.

 

إن مجمل أوراق هذا الكتاب (المدخل) يسعى إلى أن يدلل على أن إعادة قراءة الرسائل، وإعادة فحص منجزها الفكري والدعوي والتربوي بات ضرورةً حيويةً للعمل الإسلامي.

 

وقد كشف هذه الدراسات التأسيسية عن شيءٍ آخر مهم جدًّا إلى القرآن والسنة وهو أن القول بأن الرسائل تعد نسخةً معاصرةً لكيفية الرجوع إلى القرآن والسنة أمرٌ صحيحٌ إلى أبعد غاية.

 

ومن هذه الزاوية حاول هذا الكتاب (المدخل) أن يُثير الانتباه ويُوجِّه الأنظارَ إلى القيمة الحقيقية الكامنة خلف مجموعة الرسائل التي تُمثِّل فهمًا عصريًّا لطبيعة القرآن الكريم، وفهمًا عصريًّا لطبيعة الدعوة الإسلامية.

 

رحم الله الإمام البنا، وألهم أبناءه الرشد، وأعانهم على خدمة الإسلام.