يقول تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب) صدق الله العظيم.

 

أتحدث إليكم اليوم ليس عن صحابي أو تابعي عاش في الزمن القديم، إذا ذكرنا بعض المواقف من الهمة والزهد والتعالي عن أمور الدنيا، قلنا هذا في زمانهم وإنما زماننا أسوأ، ونختلق لأنفسنا المبررات لعدم الاقتداء بهم.

 

إنما أتحدثُ إليكم عن نموذجٍ عاش بيننا هذا الزمن الصعب من الابتلاءات والمحن والغلاء والفتن والدنيا التي فتحناها على أنفسنا.

 

فهو طبيب يمارس مهنته بكل حبٍّ وتفانٍ، وهو ربُّ أسرة كبيرة فله تسعة من الأبناء بمختلف مراحل العمر، وهو رب عائلة كبيرة يستشيره الكبير فيها والصغير، ومربٍّ وداعية وجندي وقائد لا يتأخر ولا يتهاون في أداءِ واجبات دعوته وأمته.

 

إنه زوجي وأخي وشيخي ومعلمي وطبيبي و... إلخ، إنه الدكتور سناء عبد الله أبو زيد.

 

رحمه الله رحمةً واسعةً وجمعني الله به في الفردوس الأعلى برفقةِ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، آمين، آمين.

 

شهادة حق

لقد عشتُ معه قرابة تسعة عشر عامًا منذ عام 1989م وحتى 2008م ما رأيته على معصيةٍ قط وما رأيته مضيعًا دقيقة واحدة فيما لا يُفيد، فهو إما عابدًا أو قارئًا أو داعيًا أو مصلحًا أو مُسرِّيًا عن أهل وأولاد أو واصلاً لرحمه أو مفكرًا متأملاً، كان دائمًا مشمرًّا مجتهدًا جادًَّا.

 

فمنذ اللحظة الأولى معه في عش الزوجية إذا به يخبرني بأن لي ضرة، وأنها أولى عنده مني وأنه لو تعارض طلب لها معي أو مع أبنائنا أو مع أي مخلوقٍ في الدنيا فإن الأولويةَ لها، وهو لا ولن يلتفت عنها أبدًا، إنها الدعوة بكل تفاصيلها.

 

منذ نشأته الأولى كان طفلاً غير عادي بشهادة والديه- رحمهما الله- وأخوته بل وكل أقربائه، طفل جاد لا يعرف اللعب، فكان همه العلم والقراءة، نشأ على الجدية وحب العلم والإتقان في العمل ومساعدة الوالد، ذاق حلاوة التفوق فكان لا يرضى عنه بديلاً وبعد ذلك في كل مناحي حياته، فكان متفوقًا في دراسته وفي دينه وفي عمله، متفوقًا في عبادته ودعوته.

 

وكان دائمًا يقول الذي ذاق وعرف طعم التفوق لا يرضى عنه بديلاً أبدًا، وليس التفوق العادي بل الأول دائمًا.

 

كان ترتيبه بين إخوته في المنتصف يكبره ثلاث ويصغره ثلاث، ولكنه كان الأول عند والديه لبره بهما وحرصه على تلبية رغباتهما والتخفيف عنهما والقرب منهما فكانت هذه المكانة، وكان الأول عند كل واحد من إخوته دون الآخرين، وكانوا دائمًا يرددون إلا سناء.

 

ولم تأتِ هذه المكانة من فراغٍ فعلى الرغم من مشاغله الدعوية والعلمية إلا أنه كان يُحيط بظروف جميع إخوته كل على حدة بأسرته من زوج أو زوجة أو أبناء، بل وأحفاد في كل مراحلهم العمرية والحياتية من تعليم واختيار للكليات والعمل بعد التخرج والخطبة والزواج وإعداد البيوت الجديدة وشراء الجهاز وإعداد الفرح بكل التفاصيل فلا يكون مغيبًا أبدًا عن أي مناسبة اجتماعية بكل مراحلها وهناك تفاصيل كثيرة فوالله ما بالغت أبدًا ولكني نسيت الكثير ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ (المجادلة: من الآية 6)، جعله الله في ميزان حسناته، آمين.

 

كان حريصًا على لقاء العائلة هنا في القاهرة مع أسرتَي شقيقتيه مرة كل شهر، وإذا طال الأمد فكل ستة أسابيع، بالإضافةِ إلى المناسبات من رمضان والأعياد، يجلس مع الجميع يتفقد الأحوال ويسمع من كل الحضور عن أخبارهم ودائمًا كان مستعدًا لإلقاء كلمة يُذكِّر ويعلم بها، وكان حريصًا على لمِّ شمل العائلة الكبيرة في بيت العائلة بمسقط رأسه قرية كفر نعمان بالدقهلية.

 

زوجي والنية

كان له مع النية وقفات بل كان لا يعمل عملاً إلا وقبله نية، فكنا عندما نهم بأي عملٍ أو مشوار لا بد من وقفة، لماذا نفعل هذا؟ ولماذا نحن ذاهبون إلى هذا المكان؟ ويسمع منا جميعًا ثم يقوم بتجميع الأسباب كلها واستحضار النية.

 

كان دائمًا يقف على أول السلم ويرفع يده متوجهًا إلى الله بقلبه ويدعو حتى ترسخ في نفوس الأبناء الصغار أن هذا المكان هو مكان النية والحمد لله إلى الآن سراء وسنينة (بنتاه بالصف الأول الابتدائي) لا تنزلان إلا وتوجهان النية مثل أبيهما جزاه الله عنا خير الجزاء.

 

الاستفادة من الأوقات البينية كما كان يسميها، فالفترة التي كان ينتقل فيها من مكان إلى آخر وهو يقود السيارة يستثمرها في حفظ القرآن أو مراجعته أو سماع نشرة أخبار BBC أو يقوم بتحضير موضوع ما سواء محاضرة سيلقيها أو أفكار لمقال يريد كتابته، وكنا عندما نكون معه لا بد من الاستفادة من الطريق فيسأل بعد أن نركب ونردد الدعاء ونقول الأذكار إذا حان وقتها، ما برنامج الطريق إلى أن نصل إلى هدفنا، وقد استفدنا بالذكر والقرآن شرحًا لمعانيه أو مسألة علمية في أي فرع يريده الأولاد.

 

الزوج الحبيب

كان نعم الزوج من خلق ودين وعقل ورومانسية وعطاء وكرم لي ولأهلي جميعًا الصغير والكبير، كان ملاذًا للعائلة كلها طبيًا واجتماعيًّا لا يتأخر ولا يتوانى عن خدمة الجميع عاطفًا على الصغير، وموقرًا الكبير.

 

لا يُعطى أي تحية في عقد أو ندوة أو زيارة (شيكولاته- علبة عصير-...) إلا ويحتفظ بها في جيبه ويعطيني إياها ويقول: هذا الذي رزقني الله به فقلت أنت أولى به مني، ولا يرتاح إلا أن آكلها أمامه.

 

كان إذا أتى له أي زائر يقدم له تحية ثم يعطيه (شيكولاته- بنبون)، ويقول له أعط هذه لأهلك، ثم يخبرني بأن هذا موقف تربوي لهذا الزوج حتى يعتاد، وأن يرجع إلى زوجته بهدية بسيطة ويذكره أن يطعمها إياها.

 

كان نعم العون لي في فهم ديني ودعوتي وتربيتي وغرس القيم والمفاهيم الأساسية لهذا الدين من خلال جلسات كثيرة يتحدث فيها إليّ ويوضح ويشرح ويفهم حتى يطمئن لغرسها في نفسي حتى نحيا بها سويًا.

 

لم يفارق المصحف أبدًا، تاليًا، متدبرًا، حافظًا، مراجعًا، راجعًا دائمًا إلى التفسير وخصوصًا (التحرير والتنوير للحسن بن عاشور)، كان دائم الاطلاع لكتاب الأذكار للنووي، ولرياض الصالحين بشرحه، ومدارج السالكين، وللرسائل للإمام البنا، وفي ظلال القرآن للشهيد سيد قطب.

 

كان مثقف الفكر بكل أنواع العلوم وكان دائمًا يردد: أحب العلم، ولا يمر عليه يوم دون قراءة للغة مشغولاً بالإشكاليات النحوية، ومحبًا للغة الإنجليزية والألمانية، وملمًا بكل العلوم من رياضيات وجغرافيا وتاريخ وكيمياء وفيزياء و....

 

كان حريصًا على السنة وكيفية العيش بها قولاً وعملاً.

كنت لا أذهب إلى لقاء يطلب مني أن أقول فيه شيئًا إلا وأجلس معه وأكتب منه المحاور التي يجب أن أتحدث فيها حتى يكمل الموضوع وأنفع مَن سأتحدث إليهم، يشرح ويُوضِّح ويصبر عليَّ حتى أستوعب الموضوع كله لأبلغه، فكان نعم العون لي بعد الله على فهم ديني ودعوتي والعمل في سبيل الله على بصيرة، والحمد لله.

 

كان يمشى ومعه دعوته في كل مكان ولا يترك أبدًا موقفًا إلا ويذكر، ركبنا المصعد في إحدى الزيارات إلى المستشفى وركب معنا الكثير وإذا به يقول ويسمع: إن الدنيا كهذا المصعد، يسير فإذا جاء دور أحدنا نزل وأكمل بالباقين حتى ينزل الجميع كل في دوره.

 

إذا ركب في المترو ذكَّر ووعظ، إذا ذهب لشراء أي شيء، إذا ذهب لإصلاح السيارة، والله إذا ذهب إلى أي مكانٍ في الدنيا كانت معه الدعوة إلى الله والتذكرة وإحياء القلوب للمعاني الإيمانية.

 

د. سناء الأب

والله لا تكفي الأوراق ولا الأقلام لأحكي تفاصيل دور الأب في حياته.

لقد أنعم الله علينا بتسعة من الأبناء ست إناث وثلاثة ذكور:

(أكبرهم خلاد: مهندس متزوج وأب لبنت وولد- نسيبة: تربية طفولة متزوجة وأم لولدين وبنت- أُبي: مدرس مساعد بكلية الآداب قسم إعلام (صحافة) ومدير برامج بقناة "دليل" وأب لولد- رفيدة: طبيبة أطفال متزوجة وأم لابنة- أمامة: معيدة بكلية الآداب قسم إعلام (علاقات عامة) متزوجة وأم لابنة- خليدة: سياسة واقتصاد متزوجة وأم لابن- أويس: طالب بالصف الثالث الثانوي- سراء وسنينة: توأمان بالصف الأول الابتدائي).

 

والهدف من هذا الإيضاح هو أنني كما قلت أنعم الله علينا بنعمة الأولاد بمختلف المراحل السنية، ولكنه رحمه الله كان معطاءً لكل واحد منهم بما يحتاجه من تربية وتوجيه ورعاية واهتمام كأنه لا يوجد عنده شيء إلا هو، يلعب معهم في الصغر ويؤلف لهم الشعر فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما حفظ أبي جزءًا من القرآن ألَّف له:

أبينا فرحان، بحفظه القرآن، وبيتنا مزدان، بزينة الولدان.

وعندما كان يهدهد أويس لينام يقول له:

نام يا أويس نام، يا شبل الإسلام، وبكره الشبل يكبر، ويبقى درغام (أي أسد).

وكان يغني عندما يعود للتوأم الصغير بعد أن يحملهما كل على رجل ويهزهما ويقول:
سراء بنتنا، سنينة بنتنا، جوه قلبنا، يحفظهم ربنا.

 

ويحرص على غرس العقيدة في نفوسهم ويؤلف لهم القصص ويحكيها لهم قبل النوم، كانت له كل يوم حوالي ساعة قبل النوم لسراء وسنينة، مر عام على رحيله وهما لا ينسيان ما كان يفعل معهما قبل النوم من لعب اللمسة والميكرفون ويحملهما على رجليه ثم يقولان معه دعاء النوم ويتركاه لينام ويذهبا هما إلى حجرتهما.

 

في أثناء مرضه الأخير كان قد طرأ عليه تحسن وأشار علينا بعض الأطباء بالعودة إلى المنزل فأخبرت الأولاد بأن أبيكم سيعود إلى المنزل فإذا بسنينة تخبرني في التليفون أن أرسلي قبلة لأبي وقبلة لكل الأطباء اللي خلوا أبي يشفى ويعود إلى البيت فأخبرته بذلك لأسري عنه، وإذا به عندما تأتي إلينا الصغيرة في المستشفى لزيارته قبل وفاته بيومين وهو متألم ولكنه كان يكتم ألمه عنها ويحاول أن يكون قويًّا أمامها إذا به يقول لها: يا سنينة الشافي هو الله، إن الأطباء بشر لا يستطيعون أن يشفوا أحدًا ولا أنفسهم وإنما الشافي هو الله وهو الذي يستحق الشكر منا، فإذا بالصغيرة وقد استوعبت الدرس وتأتي إليَّ وتخبرني بأنها ترسل قبلة إلى الله لأنه شفى أبي.

 

كان حريصًا على لقاء البيت، نردد الأذكار ونقرأ آيات القرآن فيستمع ويُعلِّق على أحكام التلاوة ثم يستمع لخواطرنا حول الآيات ثم يقوم بالتعليق وتوضيح المعاني والآداب والدروس المستفادة من الآيات.

 

لا تحضرنا مناسبة إسلامية إلا ولنا معه جلسة يفهم ويشرح لنا الدروس منها، ولا تحضرنا مناسبة اجتماعية خاصة بالأبناء كيوم الميلاد إلا ويأتي بكارت ويكتب فيه كلمة رقيقة مذكرًا بالتشمير والاجتهاد، وكان دائمًا يُعلِّق أن كل عامٍ مضى قربنا عام من القبر.. فماذا أعددنا له؟.

 

كان مدرسًا لهم في كافة فروع العلم يشرح للجميع أي شيء يطلبونه، ملمًّا بدراسة الأبناء كلهم بتفاصيلها، ولا يتوانى عن تقديم النصائح أبدًا ولا عن دوره الحقيقي في هذه الحياة، وهو التربية والإصلاح.

 

وهناك تفاصيل أخرى كثيرة جدًّا لتربيته لأبنائه في كل المراحل من الرضاعة وحتى الزواج كاختياره معهم لكلياتهم، ودوره معهم في الزواج والاختيار والإعداد بكل مراحله وتفاصيله، الزيارات الموجهة بعد ذلك في بيوتهم، مفاجأته لهم منذ دخولهم بيوتهم، حرصه على إدخال السرور عليهم بمختلف أعمارهم، والكثير الكثير سوف يتم تجميعه بتفاصيله في كتاب قريبًا بإذن الله.

 

د. سناء والدعوة

من قرأ الصفحات الماضية سوف يقول: أين الوقت للدعوة إذًا في حياته؟

لقد ذكرت في أول كلماتي أن الدعوة كانت في المقدمة أولاً بلا منافس، عندما تعارض عمله الدعوي مع عمله الحياتي بوزارة الصحة بعد تخرجه لم يكن عنده وقت للاختيار والحسم فقدَّم استقالته من وزارة الصحة حتى تكون هناك مرونة في وقته وحركته للدعوة.

 

عُرض عليه السفر للخارج أكثر من مرة وبعقود مغرية، وكان آخرها أن يذهب للمملكة العربية السعودية ويؤسس ويدير مستشفى للأطفال هناك، وكان فيها من المغريات الكثير بأن يصطحب أسرته ويسكن بفيلا بجوار المستشفى وسيارة جديدة ومرتب مغرٍ للغاية، فإذا به يعتذر ويحسم الاختيار ويقول: الدعوة أولى بجهدي ووقتي، وعندما ناقشته بأنك يمكنك العمل للدعوة هناك فقال لي بحسم: العمل الحقيقي والجهاد الحقيقي هنا في مصر.

 

عندما مَنَّ الله عليه بالعمل بالعيادة الخاصة به في فيصل فرّغ نفسه من العمل فيها صباحًا يومي الخميس والجمعة حتى يتفرغ للدعوة، وإذا تطلب الأمر الاعتذار في أي يوم وفي أي وقتٍ لصالح الدعوة فكان الحسم موجودًا والخيار معروفًا، الدعوة أولاً.

 

د. سناء والمحن

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب الله عبدًا ابتلاه، وإذا أحب عبدًا نادى جبريل: يا جبريل إني أحب عبدي فلانًا فصبَّ عليه البلاء صبًّا"، هكذا كان يذكرنا ببركة المحن والابتلاءات فكنا نسمي الابتلاءات "المنح الربانية"، فالحمد لله على كرمه وفضله وعطائه ومنحه.

 

تعرض للكثير من المحن من مرض زوجته الأولى ثم وفاتها تاركةً له ستة من الأطفال فما كان منه إلا الصبر والاحتساب، وكان هناك تضييق عليه ومتابعة أمنية ثم الكثير من الاعتقالات، فما كان منه إلا الثبات على الحق متحملاً كل تبعاته وكان دائمًا يقول الذي لا يبتلى في هذا الزمان فليراجع إيمانه.

 

عندما كان يعتقل ينوي الصيام عبادةً وتقربًا إلى الله وحتى يكون مجاب الدعوة، شاغلاً نفسه بالطاعات إلى أن يتم الإفراج عنه.

 

في الاعتقال الأخير 16/8/2008م ذهب هو وثلاثة من إخوانه للكشف الطبي بقصر العيني ومعهم كثير من الجنود والضباط ومكبلين بالكلبشات فيجد الناس تنظر إليهم مستغربين؛ لأن النور يشع من الوجوه المؤمنة المتوضئة فيقول في الناس: "إحنا الإخوان المسلمون قابضين علينا عشان عاوزين نصلح الدنيا بالدين هي دي قضيتنا"، وهكذا يردد في عزة وفخر: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)﴾ (البروج)، ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 82).

 

محنة المرض ومصيبة الوفاة

منذ عام 1998 ونحن مع ألوان عديدة من الأمراض فمن ذبحة صدرية مفاجئة إلى تدمير بخلايا الكبد ثم الذهاب سنة 2000م لإجراء عملية قلب مفتوح بالولايات المتحدة الأمريكية ثم حصوات بالكلى، إلى أن جاءه المرض الأخير وأُقسم بالله ما سمعت منه حرفًا يُغضب الله، بل كان الرضا التام والتفويض لله والإحساس بنعم الله علينا، وأن هذه المحن ما هي إلا منح ربانية.

 

ساعة وفاته

لم أكن أعلم أن هذا الذي يحدث هو وفاة، لم يخبرني أحد من الأطباء ولم أكن لأتخيل هذا الأمر إنه متعب جدًّا، ويتنفس بصعوبة وإرهاق وأنا أقف بجواره أحاول أن أخفف عنه وهو يعتذر لي لأن الوقت متأخر من الليل وتعبه لا يسمح لي بالنوم والراحة بعد عناء يوم طويل وأنا أقول له وأهون عليه: لا تشغل بالك والله لا أريد النوم الآن وإذا بطبيب نوباتجي في المستشفى يمر علينا فيجده في هذه الحال وإذا بهذا الطبيب يقرأ سورة يس وأنا أبكي وأريد أن أوقفه لأني أعلم أنها تُقرأ على الموتى، ولكن يُعجز الله لساني عن النطق بشيء ويختفي هذا الطبيب وكأنه أتى لمهمة فقط هي قراءة سورة يس، وإذا بزوجي يرى دموعي تنهمر وأنا أسأله: ما بك كلمني قولي مالك؟ فإذا به يقول لي، وكانت هذه الكلمات هي آخر ما تكلم به في الدنيا: "رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مات، أحب خلق الله إلى الله مات، لا تجزعي".

 

ويزداد صعوبة التنفس وأقول له إننا الآن في الثلث الأخير من الليل هيا ندعو أو نذكر الله فأقول له الشهادتين وهو يرددهما بلسانه، وما هي إلا دقائق وتفيض روحه الطاهرة إلى بارئها ويأتي أذان الفجر ويوقظ خبر وفاة الدكتور سناء إخوانه لصلاة الفجر والحضور لتشييع المربي القدوة.

 

لقد عاش لله وبالله ومع الله فأكرمه الله وبارك له في وقته وعمره واستطاع أن يُعطي الكثيرَ للدعوة والتربية، والكثير لزوجته وأبنائه، والكثير لعائلته ومهنته.

 

أستحلفكم بالله أن تتخذوه قدوةً، وأن تشمروا كما شمَّر وتجتهدوا كما اجتهد وتحسموا الاختيار، اختيار الله ورسوله، اختيار دعوة الحق وبذل كل غالٍ في سبيل إعلاء راية لا إله إلا الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

------------

* أم خلاد زوجة الدكتور سناء أبو زيد