- د. مرسي: الأنطمة العربية راهنت على السلام الذي كلَّف شعوبها خسائر باهظة

- د. عبد الله الأشعل: آن الأوان لإعادة النظر في المعاهدة من الجانب المصري

- سياسيًّا.. تراجع التأثير والدور المحوري عربيًّا وإفريقيًّا وإقليميًّا

- عسكريًّا.. المعاهدة شلَّت اليد المصرية في الدفاع عن أمنها القومي

- اقتصاديًّا.. خسائرنا بالجملة وتصدير الغاز بأبخس الأسعار كارثة

 

تحقيق- إسلام توفيق:

"ثلاثون عامًا من الخسائر.. خسائر لا تقدَّر بثمن، اقتصادية كانت أو سياسية أو اجتماعية أو حتى عسكرية"، بهذه العبارة لخَّص الخبراء والمتخصِّصون الخسائر التي تكبَّدتها مصر على مدار ثلاثين عامًا منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيوني وحتى يومنا هذا.

 

 الصورة غير متاحة

د. محمد مرسي

يقول الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين: إن ما أسماها النظام باتفاقية كامب ديفيد ما هي إلا مسرحية هزلية وجريمة مكتملة الأركان، خاصة أنها لم تكن متوازنةً على الإطلاق، سواءٌ في بنودها أو فيما تم التوقيع على ما بداخلها؛ حيث إن الاتفاقية تكلمت عن أشياء كثيرة وأجبرت مصر على أشياء كثيرة.

 

وقال: إن تحقيق السلام العادل والشامل الذي نادت به الاتفاقية لم يتم بعد 30 عامًا، فلا وجود لسلام لا شامل ولا عادل لأهل المنطقة، خاصةً بعد الاعتداءات الصهيونية الأخيرة والتجاوزات التي قامت بها من إراقة دماء الفلسطينيين في حربها على غزة والضفة والحرم الإبراهيمي وقانا وصبرا وشاتيلا، فضلاً عن أن بنود الاتفاقية التي تكلَّمت عن حق العودة والحق في تقرير المصير لم يتحقق ولم يظهر منها سوى "اللاءات الثلاثة"؛ التي لا نجد غيرها على لسان الكيان الصهيوني وهي: "لا لحق العودة، لا للقدس عاصمة لدولة فلسطين، لا للعودة لحدود 67".

 

وأضاف أنه لا سلام مع الصهاينة مهما حدث؛ لأنهم لا يحترمون عهدًا ولا اتفاقًا، بل هم متمرسون في نقض العهود وتأجيج الحرب وإشعال النيران في أي بلد يوجدون فيه، خاصةً أنهم كانوا السبب في إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة 50 مليونًا من البشر.

 

وأشار إلى أن كارتر ضغط على من وقَّع على الاتفاقية، وهدَّده بأنه في حال عدم توقيعه عليها سيتضرَّر مستقبله السياسي، مشيرًا إلى أن ما وقع أمس ستظهر آثاره في المستقبل، وقال إنه لا يمكن أصلاً الاعتراف بدولة للصهاينة؛ حيث إنهم مجموعة من العصابات، وبالتالي لا اعتراف باتفاقياتهم، مشيرًا إلى أنهم مصَّاصو دماء هذا العصر، يلعقون الدماء ويشربونها ولا يرتوون.

 

وأضاف مرسي: "ليس هناك أي هدف أو داعٍ لمثل هذه الاتفاقيات التي نالت من مصر الكثير"، مشيرًا إلى الادِّعاءات التي تقال حول إرجاع سيناء وطابا ورأس محمد إلى مصر، وقال مرسي: "إن هذا حق طبيعي لمصر، وحقوق مصرية أصيلة، سواءٌ كان باتفاقية أو لا".

 

فرصة للكيان

وأشار إلى أن الاتفاقية لم تعُد على مصر بأية إيجابية، بل سنحت الفرصة للصهاينة لأخذ والتقاط الأنفاس بالغزو على جنوب لبنان والتحرُّش بسوريا وتخويف الأردن وتهديد إيران، والتدخل في شئون الدول المحيطة.

 

كما شدَّد على أن الاقتصاد المصري لم ينَل من الاتفاقية إلا الركود والسلبية؛ بسبب اتفاقيات التعاون والتجارة والكويز، وتصدير الغاز بأبخس الأسعار، والموافقة على وجود دويلة مثل الكيان في دول حوض المتوسط، وعمل طريق دولي يمر بتل أبيب، وجلب مبيدات مسرطنة لمصر، وتحجيم للصناعة وغزو للزراعة وضغط على الحكومات لإضعافها.

 

وأوضح أن الكيان- بتوقيعه على مثل هذه الاتفاقية- نال من مصر الكثير؛ حيث أخرجها من المعادلة؛ مما جعل للصهاينة مساحةً واسعة للعمل واستباحة أي شيء بعد فقد مصر دورها الإقليمي والعربي، وجعلها خارج حسابات اللعبة في العراق وجنوب لبنان والسودان وسوريا وفلسطين بعد أن تكبَّلت يدها بتوقيعها على بنود هذه المعاهدة.

 

وقال: إن هناك 3 ثوابت تجعل أي شخص يرفض مثل هذه الاتفاقية؛ أولها هو عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني بدولة على الأراضي العربية، والثانية أن المعاونين العرب لهؤلاء الصهاينة ما هم إلا عملاء جاءوا لجعل هذه الكينونة شيئًا كبيرًا، وهو الأمر الذي لن يحدث، أما الأمر الثالث فهو التجاوزات التي يقوم بها الحكام والمسئولون العرب، من دعم للصهاينة وغضِّ للطرف عن جرائم الصهاينة، أو سكوتهم عن الجرائم، وعدم مدِّ العون؛ مما أعطى الصهاينة اعتبارًا، وهو الأمر الذي لن يحدث هو الآخر.

 

وأوضح أن الأمة تتحرك وتفهم وتعي مشروع الصهاينة ولن تغمض عينيها عنها، ولن تنسى- مهما كانت الاتفاقيات- أنهم قتلوا المصريين في 67، وضربوا أبو زعبل، وقتلوا العمال في القناة، واخترقت طائراتهم القاهرة عام 70.

 

واختتم كلامه قائلاً: "كلنا مقاومة.. ولن ينال أحد منا قط.. ولن ينال الصهاينة خيرٌ قط".

 

قط مبلول

في الوقت نفسه قال د. عبد الحليم قنديل منسق حركة كفاية: إن اتفاقية كامب ديفيد نقلت مصر من ساحة مواجهة الكيان الصهيوني إلى القط "المبلول" الذي لا يمكنه أن يهمس حتى في وجه الكيان وأخرجتها من التأثير العربي والمنطقي، خاصةً بعد أن كانت مصر هي البعبع الأول والأخير للكيان بعد أن لقَّنته الدرس القاسي في حرب أكتوبر.

 

 الصورة غير متاحة

عبد الحليم قنديل

وأوضح أن خسائر مصر في اتفاقية كامب ديفيد تكمن في 3 نقاط، هي أن مصر فقدت استقلالها الوطني فعادت إلينا سيناء في الظاهر فقط، ولم تعُد فعليًّا وأصبحت أرضًا بلا سيادة، على الرغم من القوة والجيش الموجود فيها، ممثلاً الكيان عندما أعاد سيناء لمصر بالرجل الذي أعاد قدمَ آخر وأخذ عينه.

 

كما استنكر دور المعونة الأمريكية التي ترتبت على الاتفاقية، والتي جعلت من السيادة المصرية على قرارها بلا هوية وبلا وجود، حتى نقلت القرار المصري من القاهرة إلى تل أبيب وواشنطن، وأصبحت مصر ليس لديها أي قرار إلا بعد الاستئذان، لتعود مصر مرةً أخرى لأيام الاحتلال، وقت أن كان الملك يأخذ قراراته من المندوب السامي البريطاني.

 

وأضاف: أما الخسارة الثالثة للاتفاقية فتكمن في قول الحكومة المصرية للشعب إن الحرب قد انتهت ولا داعي للتصعيد في الوقت الذي لعبت فيه أمريكا والصهاينة أبشع الحروب الثقافية والاقتصادية؛ مما أدى إلى تدهور اقتصادي وتنموي على عكس ما قيل في بداية التوقيع على الاتفاقية على لسان الرئيس الراحل السادات عندما قال إن من حق كل مصري أن يعيش في فيلا، وأن يكون لديه سيارة، وهو الأمر الذي لم ولن يتحقق ما دامت الاتفاقية مبرمة.

 

واختتم كلامه قائلاً: "أصبح بمصر- بفضل الاتفاقية التي أوقفت حرب العساكر وأظهرت حرب السرقات والفساد- أغنى فئة في العالم وأفقر شعب في العالم، وصل 80% منه دون حد الفقر".

 

بلا هيبة

ويؤكد الدكتور رفيق حبيب المفكر القبطي أن ما حققته مصر من خلال الاتفاقية أقل بكثير من الإنجاز التي حققته في الحرب الصهيونية عام 1973؛ مما أدى إلى إهدار نصر أكتوبر على مائدة المفاوضات، واصفًا إياها بوثيقة الاستسلام والذل والخنوع التي جعلت مصر بلا قرار.

 

 الصورة غير متاحة

 د. رفيق حبيب

كما أكد أن اتفاقية كامب ديفيد وضعت قيودًا أبدية على مصر؛ بأن  مست وجودها العسكري على أراضيها، ومسَّت قرارها السياسي مما يمثل خرقًا لقواعد الاتفاقيات الدولية في العالم، فضلاً عن خروج مصر من الصراع العربي- "الإسرائيلي" والتي مكنت من خلالها الكيان الصهيوني من الانفراد بباقي الدول العربية؛ مما أخلَّ بميزان الصراع العربي الصهيوني وسهّل على الكيان أن يماطل في عملية السلام مع الفلسطينيين بعدما أصبح الأقوى.

 

وقال إن مصر بعد الاتفاقية أصبحت غير قادرة على أي صراع جديد مع الكيان الصهيوني؛ الأمر الذي ظهر جليًّا في الحرب الأخيرة على غزة والاعتداء الصهيوني على جنوب لبنان والجولان، مشيرًا إلى أن الاتفاقية دمَّرت الأساس الذي يقوم عليه العمل العربي المشترك؛، الأمر الناتج من تنازل المصريين في بنود الاتفاقية.

 

كما استنكر التصريحات التي كانت تقال وقت توقيع الاتفاقية بأن السلام سيكون مقابل الرخاء الذي لم يتحقق، قائلاً: "مصر قدمت للكيان سلامًا بل ودفاعًا عنه، ولكنها لم تتقدم خطوةً واحدةً اقتصاديًّا ولا تنمويًّا، ولم تحقق الرخاء بل أصبحت بلدًا بلا هوية".

 

ولخَّص الاتفاقية بأنها مجموعة من التنازلات التي قدمها المصريون لتُجبر منظمة التحرير على الاستهانة بحقوقها من الصهاينة، وتجبر العرب على عدم المطالبة بحقوقهم، وليتحقق المخطط الغربي بالضغط على المنطقة حتى لا تتقدم.

 

إعادة نظر

الأمر نفسه قاله الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق؛ حيث أكد أنه خلال الثلاثين عامًا الماضية حدثت تطورات إقليمية وعالمية عميقة؛ حيث شهدت مصر تطوراتٍ مماثلةً تكون في نظر المراقب المنصف تطورات سلبية تدهور فيها الكثير، على الرغم من قول أعضاء حزب الحاكم إن المعاهدة كانت خيرًا وبركةً على مصر، وأن الرئيس السادات دخل التاريخ بقرار الحرب وهو الأمر غير المنطقي، خاصة أن مصر لم تُطلَق رصاصة واحدة من جانبها ضد الكيان في الوقت الذي أطلق الصهاينة العديد من الرصاص على مصر وقتل بعض المصريين.

 

 الصورة غير متاحة

د. عبد الله الأشعل

وأشار إلى أن الكيان حريص على الاتفاقية أكثر من مصر؛ حيث إنها رأت أن الذين قتلتهم هم من مهرِّبي السلاح، حتى لو كانوا من الجنود المصريين العاملين على الحدود، ولهذا لم تطلب الحكومة المصرية اعتذارًا عن خطأ ارتكبوه، وتمَّت مواراتهم التراب على أنهم إرهابيون مخالِفون لتعليمات قيادتهم، وليسوا شهداءَ بل أشقياء.

 

وأضاف: "مصر بالمعاهدة- وليس بالضرورة بسببها- قد تقزَّمت وأُهينت، وأصبحت في ذيل الأمم، رغم أن قدراتها تؤهِّلها للريادة، وأضحت لا تجرؤ على مخالفة إملاءات الكيان وواشنطن، كما تفاقمت جميع المؤشرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية".

 

وقال: "آن الأوان بعد ثلاثين عامًا أن يدرس المجتمع المصري ما لهذه المعاهدة وما عليها، وأن يقرر مصير المعاهدة، إما أن يُبرِمَ المزيد من أمثالها، وإما أن يقف ضدها، وأن نقيمَ للشخصيات الصهيونية الفاعلة فيها خصوصًا الذين أعدموا عشرة آلاف أسير مصري ويهدِّدون بضرب السد العالي بالقنابل الذرية، وأن نطلق أسماءهم على أكبر الشوارع، بل والمدن العمرانية الجديدة، كأن نسمِّي مدينة القاهرة الجديدة مدينةَ ليفني والتجمع الخامس بتجمع شارون، وغير ذلك من صور التكريم".

 

خسائر أكبر

أما على الصعيد الإستراتيجي فأكد اللواء محمد علي بلال الخبير الإستراتيجي أن الخسائر الإستراتيجية على مصر من اتفاقية كامب ديفيد فاقت المكاسب، مشيرًا إلى أن أي اتفاقية لا بد أن يكون بها تنازل من الطرفين.

 الصورة غير متاحة

محمد علي بلال

 

وأضاف أن التنازل المصري كان كبيرًا في هذه الاتفاقية التي حققت للكيان الصهيوني أكثر مما حققت لمصر، بل وأثرت على مصر أكثر ما أثرت على الصهاينة.

 

وقال: إن البديل غير متاح الآن، وإن علينا أن نجد هذا البديل وأن نبحث معه على المصلحة العامة التي يمكن أن نجد فيه الإيجابيات أكثر؛ لأنه ليس الآن من مصلحتنا الدخول في حرب غير متكافئة مع الكيان.

 

ركود نظري

وعلى الصعيد الاقتصادي أكد الدكتور إبراهيم المصري أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الخسائر الاقتصادية على الجانب المصري تعدت الخسائر السياسية والإستراتيجية، وهدَّدت الاقتصاد المصري بالركود النظري وحرَّمت على مصر اختيار البديل الأفضل في التجارة.

 

وقال: إن أكبر هذه الخسائر هو تصدير الغاز للكيان الصهيوني وهو الأمر الذي حرم اختيار المؤسسة الاقتصادية الدولية التي يجب التعامل معها والتصدير إليها، خاصةً أن الكيان يعتبر عدوًّا ومصر تعطيه أولوية عن الأشقاء، مشيرًا إلى أنه كان الأولى أن تصدر مصر غازها للأردن أو لفلسطين، وهما في أمسِّ الحاجة إليها.

 

وقال: "يكفي أن مصر تخسر يوميًّا 9 ملايين دولار نتيجة تصدير الغاز بأبخس الأثمان للكيان الصهيوني".

 

كما أشار إلى أن سلبيات اتفاقية الكويز التي وقَّعتها مصر مع الكيان الصهيوني غلبت على الإيجابيات وزادت من التحام الاقتصاد المصري بنظيره الصهيوني؛ مما جعله مهدَّدًا لعدم وجود سلام عسكري حقيقي بين الدولتين، خاصةً أن الكيان يهدِّد مصر مع كل قذيفة يرسلها إلى قطاع غزة ومعبر رفح الحدودي.

 

وقال: "أليس من الأولى أن تستثمر مصر 400 مليون دولار في بلدها أو في أي من الدول العربية بدلاً من أن تستثمرها في الكيان الصهيوني؟"، مشيرًا إلى أن المصلحة الاقتصادية لا تصبُّ أبدًا في جعبة مصر، خاصةً أن هذه الاتفاقية وغيرها أجهضت الالتفاف الاقتصادي العربي الموحد في حرب 73.

 

وأضاف أن أحد أكبر الخسائر هو السماح لمسثمر صهيوني بعمل مشروعات في مصر، بل وفتح الدول العربية لكل الشركات الأجنبية والصهيونية للاستثمار فيها؛ مما يعود بالمكاسب للكيان الصهيوني والخسائر لهذه البلاد.