- تيمور عبد الغني: أمانة السياسات "وكر" يؤوي المفسدين

- د. حمدي عبد العظيم: نجحوا في تفصيل القوانين والتشريعات"

- د. أحمد ثابت: مصالح مشتركة مع الدولة بعد بيع القطاع العام

- د. عمرو هاشم: "عضو البرلمان" كلمة السر للتهرب والفساد

- يحيى حسين: النظام يرعى التزاوج بين السلطة والمال

 

تحقيق- نور المصري:

استحقت سيطرة رجال الأعمال على العديد من مقاعد مجلسي الشعب والشورى إطلاق لقب "ظاهرة"، خاصةً بعد وجود 77 منهم، وترؤس رموزهم للجنتي الخطة والموازنة والصناعة في برلمان 2005م الحالي.

 

وليس ذلك مستغربًا بقدر ارتباط أسماء عددٍ كبيرٍ من هؤلاء النواب بقضايا فساد تداولتها أروقة المحاكم لفترات طويلة، ومنهم مَن يقضي عقوبته حاليًا خلف القضبان، ومنهم من لم تحسم قضيته بعد، ومنهم مَن لاذ بالفرار خارج البلاد مستقويًّا في ذلك بالحصانة التي يتمتع بها، وآخرون لم تصل قضايا الفساد التي ارتبطت بها أسماؤهم إلى أروقة المحاكم وتوقفت عند حد تداولها تحت قبة البرلمان.

 

والقائمة هنا تطول ولا ترتبط ببرلمان 2005م فقط بل تتعداها بكثير؛ بدءًا بالقضية الشهيرة التي أُطلق عليها قضية نواب القروض التي تفجَّرت عام 1994م، واتهم فيها 29 من رجال الأعمال والبنوك وأعضاء مجلس الشعب بالاستيلاء على مليار جنيه من بنوك النيل والدقهلية، وتم الحكم فيها على 14 متهمًا بالأشغال الشاقة 10 سنوات من بينهم توفيق عبده إسماعيل (الوزير السابق)، كما تم الحكم على ستة متهمين بالسجن سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ، ومنهم عضو مجلس الشعب إبراهيم عجلان.

 

ولا بد في هذا الإطار أن نمر

 الصورة غير متاحة

ممدوح إسماعيل مالك عبَّارة الموت هرب مستقويًّا بالحصانة

وقبل شهور كانت قضية ممدوح إسماعيل (عضو مجلس الشورى بالتعيين عن الحزب الوطني)، وهو مالك العبَّارة (السلام 98) التي راح ضحيتها أكثر من ألف مواطن غرقًا في البحر الأحمر، ثم هرب إلى الخارج عقب الحادث مستقويًّا في ذلك بحصانته، والدكتور هاني سرور (وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب والنائب عن الحزب الوطني ورئيس شركة هايدلينا)، والذي يُحاكَم الآن هو و6 آخرون في قضية أكياس الدم الفاسدة التي ورَّدتها شركة هايدلينا إلى وزارة الصحة.

 

ويأتي في القائمة رجل الأعمال عماد الجلدة (النائب السابق بمجلس الشعب عن دائرة شبراخيت بالبحيرة عن الحزب الوطني والرئيس السابق لشركة "أليكس أويل" للبترول)، والذي قررت محكمة النقض إعادة محاكمته هو و12 آخرون من مسئولي الهيئة العامة للبترول وأصحاب بعض شركات البترول في تهمة الرشاوى المالية التي بلغت نحو 2 مليون جنيه، مقابل إفشاء أسرار الهيئة عن أماكن التنقيب عن زيت البترول؛ وذلك بغرض إرساء المزايدات التي طرحتها الهيئة بالنسبة لأماكن البترول على أصحاب شركات البترول، وبتهمة تسهيل الاستيلاء على المال العام.

 

عز.. في المقدمة

 الصورة غير متاحة

أحمد عز محتكر الحديد الأول يحتمي بالحزب الوطني والبرلمان

ويتربع على عرش القائمة المهندس أحمد عز (رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب وأمين التنظيم وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني) محتكر الحديد الأول في مصر، والمتهم بالحصول على ١٥ ألف فدان من أراضي خليج السويس بسعر خمسة جنيهات للمتر، وعرضها للبيع على مستثمرين صينيين بسعر 1500 جنيه للمتر في مخالفةٍ دستوريةٍ لكونه نائبًا في المجلس ليكسب من جرَّاء ذلك 6 مليارات جنيه.

 

ولم تفارق الاتهامات محمد إبراهيم سليمان (وزير الإسكان السابق وعضو مجلس الشعب الحالي عن دائرة الجمالية بالحزب الوطني) ابتداءً من الكتاب الأسود الذي أصدره محمد سعد خطاب عن صفقاته، والزَّج باسمه في قضية المهندس ممدوح حمزة، وطلبات الإحاطة التي قُدِّمت ضده تتهمه بالفساد والتربح وقت أن كان يتولى منصب وزارة الإسكان.

 

وطالت الفضائح أيضًا النائب هشام طلعت مصطفى وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني ورئيس مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى للإنشاءات، الذي حُكم عليه بالإعدام بتهمة التحريض على مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم بدفع أموالٍ لشخص يُدعى محسن السكري للقيام بذلك، فضلاً عن اتهامه بالاستيلاءِ على ملايين الأمتار من أراضي الدولة في مشروع "مدينتي" مقابل "ملاليم" وبيعها بالمليارات.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوةٍ الآن: ماذا قدَّم رجال الأعمال البرلمانيون للاقتصاد والشعب المصري؟.

 

(إخوان أون لاين) استطلع آراء عددٍ من نواب الشعب والخبراء المهتمين بالشأنين البرلماني والاقتصادي لعمل "كشف حساب" يرصد تزاوج رأس المال ونفوذ مجلس الشعب وأثره على الحياة السياسية والاقتصادية في مصر.

 

وكر فساد

 الصورة غير متاحة

تيمور عبد الغني

يرى تيمور عبد الغني عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين أن تجربة دخول رجال الأعمال إلى البرلمان المصري جاءت وبالاً على الشعب والاقتصاد، مشيرًا إلى مساهمتهم في تفكيك الدولة والبرلمان وتحويلهما إلى سوقٍ لمصالحهم.

 

ويوضح أن ذلك نتج عنه تفصيل العديد من القوانين على مقاس رجال الأعمال النافذين داخل البرلمان؛ ففي قانون الضرائب الجديد كانت السمة الأهم هي توسيع نطاق الشريحة الضريبية على حساب اعتبارات العدالة؛ حيث يساوي بين صغار المستثمرين وأصحاب المشروعات التي تدر أرباحًا بعشرات الملايين من الجنيهات.

 

ويضيف: "وفي قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية تدخَّل رجل الأعمال أحمد عز؛ لإضافةِ تعديلٍ على القانون يقضي بتخفيف العقوبة على المحتكر، فأصبح القانون في خدمة المحتكرين من رجال الأعمال".

 

وأشار إلى أن قرارات تخفيض الرسوم الجمركية مكَّنت رجال الأعمال من الاستحواذ على القسم الأعظم من فوائد هذا التخفيض؛ كما أدَّى إلى زيادة الواردات السلعية بصورة هائلة، ووصل عجز الميزان التجاري إلى 12 مليار دولار عام 2005/2006م.

 

ويتهم عبد الغني رجال الأعمال البرلمانيين بتحويل كل شيءٍ في الدولة إلى بيزنس (السياسة، الأمن القومي المصري، التأمين الصحي، التعليم، الطرق.. إلخ)، مشيرًا إلى إصرار رجال الأعمال في البرلمان على تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني؛ على الرغم من حاجة الشعب المصري إليه، واستخدام الصهاينة له في قتل أهالي فلسطين المحتلة.

 

ويؤكد أنه ما كان لهؤلاء الدخول إلى البرلمان لولا انتماؤهم للجنة السياسات بالحزب الوطني، مشيرًا إلى أن تلك اللجنة أصبحت وكرًا لإيواء المفسدين من رجال الأعمال.

 

مصالح شخصية

 الصورة غير متاحة

د. حمدي عبد العظيم

ويقول الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقًا إن الهدف الأساسي من وراء دخول رجال الأعمال إلى البرلمان هو خدمة مصالحهم الخاصة؛ حيث يتدخلون في صياغة القوانين والتشريعات لتكون في صالحهم.

 

ويضيف أن محمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب يسعى إلى تفصيل القوانين التي تمسُّ مجال الصناعة على مقاسه، وعندما يسافر لحضور اجتماعات البرلمانات الدولية، لا يكون الحضور لمجرد تمثيل مصر بل لإتمام صفقاتٍ وتعاقداتٍ خاصة مع الجانب الأوروبي، وأما فريد خميس رئيس لجنة الصناعة في مجلس الشورى فيهدف إلى التربيط الجيد مع الجهات الحكومية لخدمة شركاته في مجالات البتروكيماويات والغزل والنسيج، والعمل الدءوب لتمرير القوانين التي تخدم مجاله، وتعديل تلك التي لا تخدمها.

 

ويشدد د. عبد العظيم على أن المواطن المصري- إن وُجد- يكون في آخر اهتمامات رجال الأعمال، موضحًا أن دخول رجال الأعمال إلى البرلمان وخوضهم غمار السياسة يأتي لاعتبارهم أن البرلمان يُعطيهم ثقلاً سياسيًّا وحرية التحرك والمراوغة، ويتيح لهم خدمة البيزنس من السياسة.

 

كلمة السر!

 الصورة غير متاحة

د. عمرو هاشم ربيع

ويشير الدكتور عمرو هاشم ربيع خبير الشئون البرلمانية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بـ(الأهرام) إلى أن رجالَ الأعمال يستفيدون من منصبهم البرلماني بأكثر من زاوية؛ حيث إن كلمة "عضو البرلمان" تسمح لهم بدخول أماكن لا يمكن دخولها بسهولةٍ بالنسبة للأشخاص العاديين، كما تسهل لهم عمليات التهرب الجمركي والضريبي، بالإضافةِ إلى أنه إذا كان أحدهم ملاحقًا باتهامات معينة تُتيح له عضوية البرلمان إمكانية التهرب من تلك الاتهامات لأطول فترة ممكنة.

 

ويوضح أن مثل تلك القضايا تُحسم في البرلمان بشكل سياسي؛ حيث يكون في العادة المماطلة وتعطيل الإجراءات الخاصة برفع الحصانة أو إسقاط العضوية هي الإجراءات المتوقعة في الغالب؛ وذلك يتوقف على مدى رضا النظام عن هذا العضو من عدمه.

 

ويقول: إن رجال الأعمال البرلمانيين يفتقدون 3 أنواع من القيم، وهي: القيم السياسية؛ حيث إنهم لا يتورعون- غالبًا- عن دفع الأموال لشراء أصوات المواطنين للوصول إلى البرلمان، والضغط لتزوير الانتخابات لصالحهم، ويفتقدون القيم الاقتصادية؛ حيث إن غالبيتهم ممن يتهربون من الجمارك والضرائب، ويتلاعبون في المزايدات، وخير مثال على ذلك قضية أكياس الدم الملوثة لرجل الأعمال ونائب الحزب الوطني هاني سرور.

 

ويضيف: كما أن الغالبيةَ العظمى منهم لا يهتم بعد دخوله البرلمان بالجانب الاجتماعي، فتجدهم قليلي التبرع للمشروعات الخيرية (المدارس، المستشفيات، دور الأيتام... إلخ)، مشددًا على أن العامل المشترك بين رجال الأعمال البرلمانيين، وخاصةً المفسدين منهم، هو عضويتهم بأمانة سياسات الحزب الوطني الحاكم.

 

 الصورة غير متاحة

د. أحمد ثابت

ويؤكد الدكتور أحمد ثابت الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن رجال الأعمال أرادوا بدخول الحلبة السياسية تدعيم نفوذهم الاقتصادي، سواء من خلال عضوية البرلمان أو الصعود داخل الحزب الحاكم حتى الوصول إلى كرسي الوزارة.

 

ويضيف أن مصالح رجال الأعمال في هذا الصدد تلاقت مع مصالح الدولة التي لم تجد موارد للإنفاق بعد بيع القطاع العام، خاصةً أن محصلات السياحة وقناة السويس والضرائب تكفي بالكاد مرتبات وحوافز الموظفين؛ لذا تعتمد السلطة التنفيذية على مساعدة رجال الأعمال في تحويل أنشطتهم.

 

زواج آثم!

ويرى المهندس يحيى حسين منسق حركة (لا لبيع مصر) أن الشعب لم يجنِ من وراء رجال الأعمال البرلمانيين سوى الخراب والكوارث، واستمرار منظومة بيع القطاع العام في مصر، وتشريد عشرات الآلاف من العمال، واحتكار السلع الإستراتيجية.

 

 الصورة غير متاحة

م. يحيى حسين

ويقول: "في مصر تختلط السياسة بالمال في ظل وجود نظام حكمٍ غير ديمقراطي، وغياب الشفافية والنزاهة في الانتخابات التي يخوضها رجال الأعمال"، مشيرًا إلى أن هذه الشريحة هي التي تحكم مصر، وتسِّن القوانين والتشريعات في مجلس الشعب والحزب الوطني، وتساهم في اتخاذِ القرارات بما يتوافق مع مصالحها الاقتصادية.

 

ويرى أن تجربةَ سيطرة رجال الأعمال على السلطة التشريعية بالتوازي مع السلطة التنفيذية أدَّى إلى وضعٍ خانقٍ للمجتمع المصري، مشددًا على أنَّ علمهم المسبق بالقرارات والتشريعات قبل صدورها ومشاركتهم في صياغتها، يفسر مجيء القوانين التي صدرت في السنوات الماضية في صالحهم.