هل يعتقد الرئيس الأمريكي الجديد باراك حسين أوباما أن ما تقوم به قوات بلده من حملة عسكرية مباشرة في إقليم هلمند في أفغانستان، ومن حملة بالوكالة في منطقة وادي سوات بوزيرستان في باكستان، هي ترجمة صحيحة لخطابه التوددي نحو المسلمين، وتعبير عن مراجعة عميقة لسياسات أسلافه التي أدخلت بلاده، ومعها العالم، في واحدة من أكبر أزمات العصر؟.

 

ألا يعتقد الرئيس الأمريكي أن أفغانستان التي ابتلعت أربع إمبراطوريات كبرى، كما قال زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار في تصريح له قبل أيام، يمكن أن تتحول إلى مقبرة حقيقية لا للجنود الأمريكيين والأطلسيين الذين يتساقطون كل يوم في هضاب تلك البلاد الوعرة ووديانها السحيقة فحسب، بل مقبرة لمشروع "التغيير" الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية ولم يستطع رغم مرور أشهر على توليه المسئولية أن يظهر تغييرًا ملموسًا واحدًا؟!.

 

ألم يلاحظ الرئيس الأمريكي ذو الشعبية العالمية يوم انتخابه أن كبار جنرالات البنتاجون وضباطه هم الذين يتولون الجولات والاتصالات واللقاءات السياسية، فيما اعتبره كثيرون خروجًا عن التقاليد الأمريكية المعروفة، وفيما يخشى منه كثيرون أن يكون تحولاً في مركز القرار داخل الولايات المتحدة بدأ مع حرب العراق، ويتعاظم اليوم مع حربي أفغانستان وباكستان أو حرب "أفباك"، كما بات يسميها محبو المصطلحات المختصرة في لغة العصر.

 

ألم يشعر أوباما أن أفغانستان، كما العراق، قد تحولتا إلى ساحتي استنزاف لبلاده ولقواته ولاقتصاده؛ لا على يد المقاومين في تلك البلدان فحسب، بل على يد دول مجاورة للبلدين، لا سيما أفغانستان حيث يتزايد الحديث عن تفاهم روسي- صيني- إيراني على إغراق واشنطن في المستنقع الأفغاني لإضعافها، ولتحجيم دورها العالمي، وإنهاء نظام القطبية الأحادية، وإضعاف المفاوض الأمريكي في كل الصفقات التي تسعى واشنطن لعقدها هذه الأيام، علانية أو سرية، مع الدول الثلاث أو غيرها؟.

 

ألم يفكر أوباما بأن التسهيلات الروسية لإرسال المزيد من القوات لأفغانستان، التي حصل عليها خلال زيارته إلى موسكو، يمكن أن تكون نوعًا من مد الحبل لواشنطن على غاربها لتختنق به بعد ذلك، وهي استراتيجية طالما اعتمدتها دول كبرى وصغرى في حروبها الباردة والساخنة.

 

إن هذه التساؤلات المشروعة ترتفع، فيما يسود المنطقة مشهدان؛ أولهما: في العراق يتمثل بسعي أمريكي مزعوم إلى مصالحة داخلية تتمرد عليها حكومة "العملية السياسية" بما يشير إلى استمرار خيار العنف الداخلي الذي يبرر استمرار الاحتلال الخارجي، وثانيهما: في أفغانستان؛ حيث تشن القوات الأمريكية وحلفاؤها الأطلسيون والأفغان عمليات عسكرية ضد طالبان (لكل عملية منها اسم حسب الدولة المعنية)؛ تمهيدًا للانتخابات الأفغانية المرتقبة (وهو سيناريو مكرر شهدنا مثله في العراق قبل كل ما سمي بعمليات انتخابية).

 

فهل نحن من جديد أمام تفاقم مأزق المشروع الإمبراطوري الأمريكي في المنطقة والعالم رغم هجمات أمريكية مرتدة في هندوراس، أو إيران، أو فلسطين، وربما في مناطق أخرى من العالم... وهل يستطيع أوباما إجراء أي تغيير حقيقي، فيما طبول حروب بلاده وحروب حلفائه ضد الشعوب الأخرى هي الأصوات الوحيدة المسموعة في عالم اليوم.