حالة من التوتر والعصبية انتابت الدكتور مصطفى الفقي في برنامج "حالة حوار" عندما تناول جماعات الإسلام السياسي، "خاصة الإخوان المسلمين"، بالهجوم الحادِّ وغير المبرَّر، ووصفهم بتحالف سياسي انتهازي ليس له أساس نظري حقيقي، وباستغلال الديمقراطية كوسيلة لاعتلاء السلطة، وأنها "تعتبر الديمقراطية الغربية سلمًا تطلع عليه، وعندما تصل "يروح شايطها؛ فلا هي ستنزل ولا غيرها سيطلع"، وأنهم غير قادرين على الحكم، ولا يقدرون على التصالح مع النظام ليروا فيه السيئ سيئًا والطيب طيبًا، وبرَّر عدم قدرتهم على الحكم بأنه لا توجد كوادر سنيَّة قادرة على الحكم، وجملة أخرى من الهجوم العبثي والعشوائي فيما يتصل بالمشروع الإسلامي وإسقاطه للمشروع القومي وتجديد الخطاب الديني وغير ذلك.

 

ولا أدري ما سبب حالة الاحتقان وعدم التوازن التي أصابت الرجل، الذي كنا نعدُّه مفكرًا ورمزًا وطنيًّا حتى انتخابات 2005م، عندما اغتال نفسه سياسيًّا وأضاع تاريخه باغتصابه مقعد مجلس الشعب عن دائرة دمنهور!؛ فقد تعود هذه الحالة غير المنسجمة مزاجيًّا لأسباب نفسية تخصه؛ منها عقدة الذنب التي يعانيها منذ 2005م، فيضطر لا إراديًّا للهروب إلى الأمام بمزيد من الهجوم على الإخوان.. ربما، أو أنه يحاول تقديم أوراق اعتماد جديدة لنظام الحكم القائم أملاً في حجز مقعد متقدم في قطار التوريث المنتظر.. ربما، وقد يُعذر إنسانيًّا وطبيًّا في الحالتين، لكن من غير المقبول أن يزايد علينا وعلى نفسه باتهام الإخوان أنهم يستغلون الديمقراطية لاعتلاء السلطة! وأنه "لا توجد كوادر سنيَّة قادرة على الحكم! ولا هم قادرون على التصالح مع النظام".

 

بين الديمقراطية والحكم

تجاوز الإخوان وبمهارة عالية الأساس الفلسفي للديمقراطية، خاصةً في شقها غير الأخلاقي الذي يرفع شعار "الغاية تبرر الوسيلة- ودعه يعمل دعه يمر"، وهي قواعد للأسف الشديد ترتكز عليها لعبة السياسة التي مارسها الدكتور الفقي في انتخابات 2005م، ويمارسها النظام المصري بجناحيه الحزبي والحكومي كنمط حياة!، واعتمد الإخوان الأدوات والآليات الديمقراطية المتفقة والمرجعية الإسلامية "الوسطية.. بعيدًا عن الغلو، والسلمية.. بعيدًا عن العنف، والتدرج.. بعيدًا عن الانقلاب".

 

أما الوصول إلى الحكم فليس بتهمة أو نقيصة، لكنه حقٌّ مشروعٌ ودستوريٌّ لكل المصريين والإخوان جزء منهم! والإخوان بالفعل لا يسعون إلى الحكم في المرحلة الراهنة من تاريخ مصر، ولا يوجد لديهم برنامج زمني للوصول؛ ليس زهدًا فيه، لكن لاعتبارات، منها:

* أن الحكم أحد الوسائل الفاعلة لتحقيق المشروع الإصلاحي للجماعة، لكنه ليس الوسيلة الوحيدة.

* عدم جاهزية المناخ السياسي لوصول الإخوان أو غيرهم للحكم؛ في ظل الإقصاء السياسي، والبطش الأمني، والتشويه الإعلامي، فضلاً عن تهميش دور مؤسسات الدولة وتعطيل القانون.

* الوصول للحكم، بحاجة إلى قاعدة شعبية عريضة تؤمن بالإصلاح، وتمتلك إرادته وتتحمَّل تبعاته؛ وهو ما لم يتوفر بعد.

* الوصول إلى الحكم بحاجة ملحَّة لمناخ أكثر استقرارًا وأمنًا؛ ليُكتب النجاح لتجربة إسلامية رائدة كامتدادٍ طبيعي لفترة النبوة والخلافة الراشدة، تجربة تُحسب للإسلام؛ ولا تُحسب عليه.

 

يبقى نقاط ثلاث:

الأولى: محاكمة النوايا؛ بأنهم إذا وصلوا للحكم فلن يسمحوا لغيرهم بالوصول! مغالطة وتوهُّم يحذر من استبداد مرتقب، ويتغاضى عن الاستبداد والفساد الذي غرق فيه النظام- وهو جزءٌ منه- ليس للركب كما قال الدكتور زكريا عزمي، بل من أخمص القدم إلى قمة الرأس.

 

الثانية: عدم وجود كوادر سنية، لا أدري أهي دعوة مذهبية طائفية؟ أم إقرار لوهم أنه ليس في الإمكان أبدع مما هو كائن بالحزب الوطني؟! عمومًا مصر مليئة بالكوادر والعلماء في كل فن ولون "عدد العلماء المصريين في الخارج فقط 824 ألف عالم".

 

الثالثة: التصالح مع النظام أكذوبة كبرى؛ لأن واقع النظام يؤكد أنه لا يؤمن إلا بنفسه ويقصي الآخر كل الآخر، والتصالح معه لا يعني إلا شيئًا واحدًا؛ هو الدخول في بيت الطاعة الحكومي كما فعلت معظم الأحزاب السياسية، وهذا لا يليق بجماعة بحجم الإخوان.