كثيرة هي الانتقادات التي تتعرَّض لها جماعة الإخوان المسلمين بين الفينة والأخرى، وهذه الانتقادات تتفاوت في حدة اتهاماتها بين الخطأ والخطيئة، وبين قائليها بين الاعتدال والتطرف في النقد؛ حتى أصبح المرء لا يجد وسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية لا يكون انتقاد الإخوان خبزها اليومي؛ سواء في العناوين الرئيسية أو الفرعية أو تحليلات كتابها، وهذا في حد ذاته دليل معبّر عن حيوية الحركة، إن لم يعنِ بالضرورة دليل صحة أو خطأ.

 

لكنّ الملاحظ أن جانب النقد السلبي الموجه للجماعة يزيد كثيرًا عن جانب النقد الإيجابي أو البنّاء الذي تقابل به مجمل مواقفها، كما يلاحظ كذلك أن أسلوب النقد الموجه يتصف بالحدة الشديدة، والتي تحوَّل الخطأ- إن صحّ- إلى خطيئة، والصغيرة إلى كبيرة!!؛ مما يسهم بشكل كبير في تشويه الصورة العامة للجماعة؛ سواء قصد صاحب النقد ذلك أو لم يقصد.

 

والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا؛ هل هذه الكثرة في الانتقادات السلبية دليل حقيقي على تعثر وتخبط وكثرة أخطاء الجماعة أم ماذا؟

 

وحتى نستطيع أن نجيب عن هذا التساؤل، يجب علينا بداهة أن نفرق بداية بين أمرين:

أولاً: أن (حدوث) الخطأ أمر حتمي وبديهي، بل هو سنة من سنن الله في الكون، فليس محور حديثي هنا هو هل يخطئ الإخوان أم لا؟!؛ لأن الإجابة الحتمية والمنطقية على هذا التساؤل هو نعم بكل تأكيد، ومن ينكر ذلك فهو شخص قد أعماه التعصب، بل لعلي لا أكون متجاوزًا إذا قلت إن لديه خللاً في الإيمان إن اعتقد أن الإخوان لا يخطئون.

 

ثانيًا: مدى (صحة) الخطأ، أو بمعنى آخر؛ هل اعتبار موقف الإخوان من قضية ما خاطئًا يعني بالضرورة صحة هذا الموقف؟

 

بالطبع لا؛ لأنه أيضًا من سنن الله في كونه أنه يستحيل أن يجتمع (الجميع) على رأي واحد؛ فنحن لسنا جميعًا على مستوى واحد من التعليم أو الثقافة أو الفكر أو التجربة أو الخبرة أو حتى النضج، بل إننا حتى اختلفنا كذلك في الحقيقة المطلقة الكبرى في هذا الكون ألا وهي (الله)؛ فمنهم من أنكر وجوده، رغم أنه هو الذي أوجده! ومنهم من أقر بوجوده، ولم يقر بوحدانيته بل جعل له شركاء، ومنهم من جعله بشرًا!، ومنهم من جعله حجارة!... إلخ.

 

فإذا كانوا قد (اختلفوا) حول الله، أيتفقون إذن على الإخوان أو مواقفهم صحة أو خطأ؟!، إذن يجب أن يدرك كل مهتم بالشأن الإخواني سلبًا أو إيجابًا أن رأيه مهما بلغت وجاهته بالنسبة إليه، فهو رأي يحتمل الصواب، بالقدر الذي يحتمل به الخطأ.

 

يبقى التساؤل الأساسي الذي طرحناه؛ هل (كثرة) النقد السلبي للجماعة دليل حقيقي على تخبط الجماعة؟

 

في الحقيقة أعتقد أن الإجابة التي أقتنع بها شخصيًّا هي (لا) بكل تأكيد؛ لماذا؟

 

لأن جماعة الإخوان المسلمين نتيجة أنها تعمل في بيئة عمل (رسمية) رافضة لها بالمطلق سواء داخل مصر أو خارجها، أصبحت تعاني من (ندرة) المنابر الإعلامية التي تعبر بها عن مواقفها أو تدافع عنها، في حين تتوافر لمنتقديها (مئات إن لم يكن آلاف المنابر) الإعلامية القوية التي تهاجم الجماعة، فالجماعة الأم في مصر على سبيل المثال لا توجد صحيفة أو قناة فضائية أو إذاعية تعبر عنها أو عن مواقفها، وهذا بالطبع هدفه الحفاظ على الصورة الذهنية السلبية عن الإخوان في عقول المواطنين.

 

طبعًا الصورة ليست بهذه السوداوية، فهناك (بعض) الاختراقات! التي ينجح فيها الإخوان في التعبير عن مواقفهم.

 

من خلال هذه المنابر؛ ولكن يظل هذا هو الاستثناء وليس الأصل، بل لعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت إن هذه الاختراقات- إن صح التعبير- تكون بغرض (الإيحاء) بالموضوعية من قبل الوسيلة الإعلامية، كيف؟

 

بالمثال يتضح المقال، أذكر أن المهندس سعد الحسيني النائب بالبرلمان المصري وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان قد حكى لي أحد هذه المواقف، حين تلقى دعوة بأن يكون ضيفًا على أحد برامج "التوك شو" الشهيرة في مصر والوطن العربي، قال لي ما إن وصلت إلى الأستوديو؛ حتى فوجئت بمقدمة البرنامج تقول له نصًّا: (أنا سوف أظلمك اليوم في الحلقة!!) بمعنى لن تتيح له فرصة كافية للرد على الاتهامات، وفعلاً لم تعطه الكلمة مثل باقي الضيوف، بل تعمد المخرج تغييب صورته وصوته عن المشاهدين حتى لا تبدو احتجاجاته من منعه من الرد؛ بحيث تبدو الصورة أمام المشاهد كالتالي: البرنامج موضوعي لأن هناك الرأي والرأي الآخر؛ لكن موقف ممثل الإخوان (ضعيف)؛ لأنه لم يستطع الرد على الاتهامات!!.

 

أمر آخر يلاحظه أي مهتم بالشأن الإعلامي؛ حين يجد أنه لا يوجد منبر إعلامي إسلامي وليس إخوانيًّا فحسب يهتم بالشأن العام أو السياسة- عدا الإنترنت- في حين أن الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام تجدها إما علمانية التوجه أو ليبرالية أو حزبية أو نحوه، بالطبع هناك عدد من الكتاب المحترمين الذين يتصفون بالموضوعية والحياد في هذه المنابر؛ لكنه حياد من وجهة نظر صاحبه الذي يختلف معها فكريًّا، وإن اتفق معها تكتيكيًَّا، ما أقصده هنا أن الإخوان يظلون حتى مع وجود هؤلاء الكتاب المحترمين في عوز شديد إلى منابر إعلامية تمكنهم من التواصل مع الجماهير؛ وهو خط أحمر يحرص النظام المصري على عدم تجاوزه.

 

بالتالي تصبح المحصلة النهائية التي تصل إلى ذهن المشاهد أن هناك عشرات ومئات المنابر الإعلامية التي تهاجم الإخوان؛ مما يرسخ في العقل فكرة، مفادها أن هناك رفضًا كبيرًا لمواقف الجماعة، وتتحول بقدرة قادر أخطاء الإخوان- إن صحت- إلى خطايا كبرى مع كثرة الإلحاح المتواصل والمركز على عقل المشاهد.

 

لكن؛ هل هذه هي فقط الأسباب التي تزيد من حجم النقد السلبي للجماعة أم هناك أسباب أخرى؟... هذا ما نحاول الإجابة عنه في المقال القادم بإذن الله.

---------

* كاتب مصري