السيدة نائلة هاشم:

- المرأة المقدسية قلبت موازين الاحتلال الصهيوني

- لن نتخلى عن أي شبر حتى ولو كلفنا ذلك حياتنا

- أطالب الأمهات بغرس قضية القدس في قلوب أطفالهن

- نساء القدس يتعرضن للإهانة والبطش من جانب الصهاينة

- الشعب المصري كافح كثيرًا من أجل القضية الفلسطينية

 

حوار- إيمان إسماعيل:

سيدة مقدسية ترى في عينيها حلم تحرير الأقصى الشريف، ترى فيها قوة الرجال، ورقة النساء، تقف أمام الاحتلال بكل جبروته مخترقة الحواجز والعسف والبطش الصهيوني قاصدة المسجد الأقصى الأسير لا تخاف ولا تكل ولا تمل مثلها مثل الأم الفلسطينية الشجاعة تقدم ابنها للشهادة من أجل الكرامة والحرية، إنها المجاهدة والداعية الكاتبة نائلة هاشم صبري زوجة الشيخ الدكتورعكرمة صبري خطيب الأقصى مفتي القدس السابق ورئيس الهيئة الإسلامية العليا.

 

السيدة نائلة تربت في بيت مقدسي شريف، حفظت القرآن مبكرًا، لديها من الأبناء ثلاثة من الذكور واثنان من الإناث، دروس التفسير التي تلقيها على السيدات المقدسيات في المسجد الأقصى تزعج الكيان الصهيوني، حيث تمتلئ الساحات بعشرات النساء والأطفال يستمعون إلى تفسيرها آيات النضال والتمكين وأن ما تعانيه الأمة من ضعف وتخاذل ما هو إلا مرحلة عابرة في تاريخها سرعان ما ستنتهي ويبذخ فجر الحرية.

 

لها العديد من المؤلفات مثل "ومضة في ظلام"، "هذه أمتي"، " فلسطينية سأبقى"، "كواكب النساء"، "المبصر لنور القرآن" والمكون من 16 مجلدًا لتفسير القرآن الكريم كاملاً، بالإضافة إلى العديد من الكتيبات الصغيرة مثل "رحلتي بالحج والعمرة"، والعديد من القصص الأخرى التي لم تظهر إلى النور بسبب التضييقات الصهيونية.

 

جاءت إلى القاهرة بصحبة زوجها المجاهد الدكتور عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى ومفتي القدس قابلناها وتعرفنا عليها، وحكت لنا المعاناة التي تتلقاها نساء القدس والضفة المحتلة على أيدي الصهاينة، ودورهن في حماية المسجد الأقصى، وكيف تربي الأمهات أبناءها ورسالتها لحرائر العالم.. فإلي نص الحوار.

 

* نبدأ من حيث انتهت إليه زيارتك لمصر.. ما أكثر ما علق بذهنكم خلال تلك الزيارة؟

** أكثر ما علق بذهني هو ازدياد يقيني أن الشعب المصري شعب كافح من أجلنا، يحبنا ونحبه، وبعيدًا عن أي أبعاد سياسية، فنحن على علم تام بتفانيه وإخلاصه في حبه لنا وتعاطفه معنا، ويظهر ذلك في الحفاوة والترحيب الذي نلقاهما بمجرد وصولنا إلى أرض مصر.

 

مفاهيم مغلوطة

* وما أكثر المواقف التي تأثرت بها؟

** وسط تلك الحفاوة وحالة الحب التي شاهدناه، آلَمَني بشدة، هو سوء فهم نحو جزء في القضية بالغ في الخطورة، فخلال لقائي مع عدد السيدات رددن عبارات تقول "إن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم فعليهم أن يتحملوا نتيجة خطئهم"، وهي تهمة جائرة وظالمة ليس لها أي أساس من الصحة.

 

وأود أن أوضح أنه بعد وعد بلفور المشئوم في 1917، سمح لليهود بالهجرة إلى أرضنا، وتم تمليكهم أراضي الغائبين من الفلسطينيين عنوة، فضلاً عن أن عصابات اليهود استولت على أراضي الفلسطينيين الذين هُجروا من أراضيهم قصرًا وعنوةً وليس من تلقاء أنفسهم، بالإضافة إلى الطرق الملتوية لجنود الاحتلال التي يتبعونها إلى يومنا هذا حتى نبيع أراضينا رغمًا عنا، فيقومون بطرق أبواب النساء والأرامل والكبار ويحملون معهم أوراقًا باللغة العبرية ويقولون لهم "ابصموا هنا وسنقوم بتسهيل بعض المعاملات لكم أو سنجدد هويتكم"، أو غيرها من الحيل، وما أن تمضي عدة أيام حتى يأتي أولئك الجنود ويقوموا بإخراج من هم في تلك المنازل ويحضروا الأوراق التي تثبت حقهم في ذلك والتي قام الفلسطينيون بالتوقيع عليها دون علم من قبل؛ فذلك هو غدر وخيانة اليهود فكم من البيوت ذهبت هدرًا وكم من الأراضي مُلكت لهم بالنصب والاحتيال، بالإضافة إلى  المذابح وعمليات القتل البشعة التي طالت الآلاف من أبناء شعبي اضطر معها للهروب واللجوء إلى المخيمات.

 

ضحية

 الصورة غير متاحة

 مدينة القدس تتعرض لخطر التهويد في ظل صمت عربي وإسلامي

   * القدس والضفة ضحايا الصمت العربي صفي لنا ما يحدث بحق أهلنا هناك؟

 ** تتابعون ونتابع معكم يوميًّا ما يحدث في الضفة المحتلة، وفي المدينة المقدسة من جرائم صهيونية، أقلها منشور، وأكثرها غير معلوم، وهناك من الجرائم ما هو خطير، ولكن الأضواء غير مسلطة عليه، فنحن في الضفة المحتلة نعاني من حرب شاملة، نحارب في ديننا، وفي أخلاقنا وعروبتنا كأشد ما يكون، ونحارب في شبابنا بالمخدرات والدعارة والدعاوى العلمانية، وفي أطفالنا بمحاولة زرع الخوف والخنوع.

 

أنا كمواطنة مقدسية اضطررت وزوجي إلى ترك منزلنا في الضفة الغربية، والسكن في شقة بالقدس، حتى لا نجد أنفسنا في النهاية وقد فقدنا هويتنا المقدسية؛ فقد استدعت السلطات الإسرائيلية يومًا الشيخ عكرمة زوجي، وأنذرته بأنهم سيسحبون منا هويتنا المقدسية؛ لأننا نقضي في منزلنا بالضفة أيامًا أكثر من تلك التي نقضيها في شقة القدس.

 

وقد استأجر الصهاينة سطح منزل مواجه لمنزلنا في الضفة، والواقع خلف الجدار، من أجل مراقبتنا، والتأكد أننا لا نأتي منزلنا في الضفة، كما أنه لم يكن مسموحًا لنا أن نأخذ أي شيء من منزلنا بالضفة إلى القدس.

 

* ما هي أبرز المعوقات التي تجدها المرأة في القدس؟

** هي كثيرة، فالكيان الصهيوني في القدس بالذات وضمن مخططه التهويدي يسعي دائمًا لكسر أنف المقدسيين، فبين غياب الحرية وبين التعسف الأمني في إصدار وسحب الهويات المقدسية، هناك معاناة يومية وكل لحظة حيث تم غلق العشرات جميع المؤسسات الاجتماعية في وجهها، وإذا ما مرت بالحواجز العسكرية الصهيونية، فتمكث بالساعات الطوال على تلك الحواجز، فربما تكون طالبة أو مدرسة أو عاملة فتتأخر يوميًّا عن عملها ودراستها بسبب تلك الحواجز فضلاً عن الحالة النفسية السيئة التي تتكبدها نتيجة ذلك الذل.

 

قتل متعمد

* وما أبرز مشاهد هذا التعسف الذي يواجنه نساء القدس والضفة؟

** أبرز المشاهد كانت من نصيب النساء الحوامل فهن أكثر الفئات تضررًا، فعندما تكون إحداهن في سيارة الإسعاف في لحظات الوضع الأخيرة، يتعمد جنود الاحتلال تعطيلها، ورغم معاناتها آلام المخاض والوضع، بل يظلون على نوافذ سيارتها يقهقهون وهم يشاهدونها وهي تتألم وهي تضع مولودها، وفي حالات كثيرة تتوفى، تلك المرأة الحامل أو ابنها أو يتوفى الاثنان معًا، وتلك الحالة تتكرر مرارًا وتكرارًا في اليوم الواحد.

 

* وماذا عن الخدمات الصحية المقدمة لهن؟

** نساء القدس لا يحصلن على أي خدمات، فحالة التأمين الصحي لدينا ضعيفة جدًّا وإمكانياته محدودة، وتضطر الكثيرات منهن الذهاب إلى المستشفيات الصهيونية التي لا يوجد غيرها في الواقع، والتي تتمتع بإمكانات طبية كبيرة، حيث يقوم بفحصهن طبيب صهيوني يحاول أن يقنعهن أن الجنين الذي في أحشائهن يجب إسقاطه لأنه ربما يكون مصابًا بعته منغولي أو أنه به تشوه يصعب أن يعيش به في محاولة للحد من نسل أهل القدس.

 

أزمة الهوية

* وما المشكلة الكبرى التي تعانيها فتيات القدس والضفة؟

** من المشكلات الأخرى أيضًا التي تواجهها المرأة الفلسطينية وخاصة المقدسية مشكلة العنوسة التي تتفاقم يومًا بعد يوم، حيث تضطر لرفض أي خاطب من الضفة المحتلة لا يحمل الجنسية المقدسية حفاظًا على هويتها المقدسية وحتى تظل مرابطة في الدفاع عن المسجد الأقصى، مضحيةً بسعادتها تضحي من أجل الأقصى.

 

وإذا ما وافقت على ذلك العريس من الضفة فتبقى مشكلة أخرى بحيث يتعنت جنود الاحتلال في وصولها إلى عريسها في الضفة، فكثيرًا ما كان يحدث أن يحجز العريس قاعة احتفالات ويوزع بطاقات الدعوة ولا تعرف العروس الوصول إليه مما يؤدي إلى فشل الفرح وإلغائه.

 

* وإذا ما وصلت لعريسها وتم الزواج ماذا عن هوية أبنائها؟

** عندما تنجب المقدسية أطفالاً وتحاول إدراجهم في هويتها فترفض وزارة الداخلية الصهيونية، إلا في حالة أن تعترف أنها غير متزوجة وتسجل أنه عشيقها أو صديقها!!

 

أمهات مقدسية

 الصورة غير متاحة

 اعتداء على إحدى الفلسطينيات

   * وكيف تواجه المرأة مخططات التهويد تلك التي تحيط بها وأبنائها؟

** هي في قناعتها تعلم أن ذلك هو دأب اليهود على مر الزمان وأنهم لا يريدون الخير للمسلمين ويريدون القضاء عليهم وفناءهم ومحوهم من على وجه الأرض، ولذلك تتسلح بسلاح الإيمان حتى لا يخضعن بأي شكل من الأشكال لمحاولات الابتزاز وتحطيم النفوس، بالإضافة إلى حرص المرأة الفلسطينية على التكاثر وإنجاب الكثير من الأبناء لإعادة النمو العددي إلى معدله الطبيعي ويكثر سواد المسلمين، وحرصها الدائم على التواجد اليومي في ساحات المسجد الأقصى مع اصطحاب أطفالها حتى يتربَواَ في أحضان وكنف المسجد الأقصى، وليعتادوا على ارتياده وعلى العبادة والصلاة فيه وعلى رؤية قبة المسجد الأقصى الصفراء الشامخة، وقيامهن بإعداد دورات لتعليم اللغة العبرية للكبار والأطفال حتى لا يقعوا فريسة النصب والاحتيال و"من تعلم لغة قوم أمن مكرهم".

 

* وما دور سيدات القدس في الدفاع عن الأقصى؟

** الاقتحامات للأقصى تتواصل بشكل مستمر، ولكننا نتصدى لها بكل عنف، ومؤخرًا استطاعت السيدات المصليات في الأقصى التصدي لمحاولة بعض المستوطنين الذين اقتحموا الأقصى حاملين نموذجًا للهيكل، وقذفهم بالنعال حتى سقط الهيكل من أيديهم، وفشل المخطط.

 

تجاهل

* في ظل التجاهل العربي والإسلامي المريب لقضية القدس وأهلها ألم تفكروا في النزوح عنها بدلاً من التضييق والإهانات؟

** لا بالطبع.. لن نحاول ولن نفكر في ذلك أبدًا.. القدس دمنا وروحنا وأرضنا، ولن نتخلى عن أي شبر فيها، أبناؤنا وأنفسنا ومالنا تهون من أجل ذرة من ترابها، فكل امرأة في القدس قد تعلقت بذلك المسجد وتلك المدينة المقدسة التي يحسدها الجميع أن منّ الله عليها بأن تكون من أهل ذلك المكان، وحتى يكن الطليعة المرابطة التي تحافظ على القدس وعلى المسجد الأقصى، فالقدس في دم كل واحدة هناك فهو جزء من مبدئها وعقيدتها وايمانها وليس بالسهل التخلي عنه.

 

جيل التحرير

* وماذا عن دروسك التي تلقيها في المسجد الأقصى؟

** دائمًا ما تكون عن تفسير القرآن الكريم من خلال الوقوف على الكثير من المواضع التي نتأمل فيها حالنا ونأخذ منها العبر والدروس التي تثبتنا وتدعم طريقنا في الكفاح، فتمتلئ كافة ساحات المسجد الأقصى بكافة الأعمار من النساء والأطفال والشابات واللاتي يحرصن عليه بشكل دوري حتى أنه في أغلب الأحيان لا يصل صوتي للجميع من كثرة الزحام، وبفضل الله رغم المضايقات التي تمارس علينا إلا أنه لا يزعزع في قلوبنا شبرًا ولا يثني أيًّا منا على الحضور حتى الأطفال.

 

* وكيف تربون أولادكن حتى يكونوا نواة جيل التحرير بإذن الله؟

** من خلال اصطحابهم بشكل دوري إلى المسجد الأقصى حتى يروا جنود الاحتلال وما يفعلونه في حق أمهاتهن وآبائهن فتنشأ الكراهية في قلوبهم اتجاه الصهاينة وكل من عاونهم، وتتولد لديهم صرخة مدوية ضد الظلم يناشدون فيها الأحرار من أبناء الأمة أن ينقذوا مسرى الرسول، وأن تكون الأم نفسها قدوة في ذاتها ولا تخاف أثناء معاملتها للجنود الصهاينة في عمليات التفتيش وغيرها حتى يقتدي بها طفلها فمعايشتهم للواقع المرير الذي نحياه هو وحده كافٍ أن يربيهم ويعلمهم.

 

حياة مضيئة

 الصورة غير متاحة
   * وماذا عن دراستك وحياتك العلمية؟

** مكثت عشرين عامًا أدرس القرآن الكريم، وأحيا معه، تجولت خلالها بين أكثر من 150 تفسيرًا مختلفًا ما بين قديم وحديث.

 

* وما الذي شجعك على التعمق في علوم التفسير؟

** الأمر الذي شجعني على البدء في هذا العمل هو أنني لمست أن هناك القليل من التفاسير العصرية للقرآن الكريم، وكتب التفسير القديمة كتبت بأسلوب قديم، يصعب على الكثير من القراء خاصة الشباب تفهمه، فحاولت أن أقدم في تفسيري "المبصر بنور القرآن" تفسيرًا عصريًّا بأسلوب بسيط، وكان منهجي فيه الابتعاد تمامًا عن "الإسرائيليات" التي استعان بها المفسرون القدامى في تفسيرهم، وكذلك الربط بين واقع المسلمين اليوم ومجمل تفسير الآيات، ومن ثم استخلاص الحكم والعبر والدروس.

 

* وهل لديك كتابات أخرى غير التفسير؟

** لدي كتابات أخرى غير التفسير أذكر منها مجموعة مقالات (ومضة في ظلام)، و(فلسطينية سأبقى)، و(كواكب فلسطين) و(هذه أمتي). وكتبت مؤخرًا ردًّا على الحملة التي شنتها الكاتبة العلمانية نوال السعداوي سينشر قريبًا إن شاء الله.

 

* وماذا عن حياتك الشخصية؟

** لم يشغلني العلم عن مسئولياتي أبدًا، فرغم أنني كنت وما زلت أقضي ما يزيد على سبع ساعات يوميًّا في القراءة والكتابة، فإنني لم أقصر يومًا في واجباتي، وكنت أصحب أبنائي معي إلى المكتبات العامة، فأقرأ ويقرءون، حتى تكونت لديهم ملكة حب القراءة والعلم.
إبعاد

 

* وكيف تقضين وزوجك فترة الإبعاد عن القدس؟

** إننا نعد الأيام حتى تنتهي مدة الإبعاد التي فرضها الاحتلال الصهيوني على زوجي عن الأقصى، وإنه يجلس في مكتبه الذي لا يفصله عن الأقصى سوى جدار، ويسمع الصلاة ولا يستطيع أن يصلي في الأقصى، وإننا لنبتهل إلى الله أن يزيح هذه الغمة سريعًا، ولا يجدد عسكر الاحتلال قرار الإبعاد.

 

* وما الرسالة التي تودين أن تبعثيها إلى نساء وحرائر العالم الإسلامي؟

** أدعو كل امرأة مسلمة أن تقوم بتربية أبنائها تربية إسلامية صحيحة حتى تنعكس تلك التربية على تنشئة طفلها فيكون حاملاً للقضية الفلسطينية محبًّا لها وقد ملأت وجدانه وتفكيره، وعليها أن تبث فيهم روح الإقدام والشجاعة، وأطالبهم أن يرووا تاريخنا الإسلامي المجيد، وتحكي لهم القصص سيدنا عمر بن الخطاب وصلاح الدين، وأن تقول لهم إن العديد من قبور الصحابة في بيت المقدس مثل عبادة بن الصامت وشداد ابن أوس، فضلاً عن أن بيت المقدس هو مسرى ومعراج رسول الله عز وجل.