قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)﴾ (الأنفال).

 

انفروا في كل حال, وجاهدوا بالنفوس والأموال, ولا تتلمسوا الحجج والمعاذير, ولا تخضعوا للعوائق والتعلات ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

 

وأدرك المؤمنون المخلصون هذا الخير؛ فنفروا والعوائق في طريقهم, والأعذار حاضرة لو أرادوا التمسك بالأعذار, ففتح الله عليهم القلوب والأرضين, وأعز بهم كلمة الله, وأعزهم بكلمة الله, وحقَّق على أيديهم ما يعد خارقة في تاريخ الفتوح.

 

قرأ أبو طلحة رضي الله عنه سورة براءة، فأتى على هذه الآية فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخًا وشبانًا, جهزوني يا بني, فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مات, ومع أبي بكر حتى مات, ومع عمر حتى مات, فنحن نغزو عنك، كذلك بإسناده عن حيان بن زيد الشرعي، قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو, وكان واليًا على حمص فرأيت شيخًا كبيرًا هرمًا, قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار, فأقبلت إليه فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك, قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي استنفرنا الله, خفافًا وثقالاً, ألا إنه من يحبه الله يبتليه, ثم يعيده فيبقيه, وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر, ولم يعبد إلا الله عز وجل.

 

حدث أبو راشد الحبراني قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا على توابيت دمشق بحمص، وقد أفضل عليها من عظمه، يريد الغزو, فقلت له: لقد عذرك الله, فقال أتت علينا آية البعوث ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً﴾.

 

وأشار الحق سبحانه وتعالى إلى طبيعة الرسالة, وجوهر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة التي تقرر أن النفرة العامة التي أرادها الله سبحانه وتعالى للدعوة والرسالة نفرة شاملة لمراحل الإنسان الجسدية والمادية, شابًا وكهلاً في قوته وخفته, وشيخوخته وضعفه, كما أنها نفرة جهاد مستمر بالنفس والمال, وتضحية دائمة بكل عزيز وغالٍ, ولهذا جمع الله سبحانه وتعالى في تلك النفرة كل نشاط الإنسان ﴿خِفَافًا وَثِقَالاً﴾ وكل مقومات الإنسان, نفسًا ومالاً؛ لتكون الرسالة كل حياته وجوهر ماله وسعادة آخرته وثمن فوزه ونجاته.

 

على هذا فهم المسلمون رسالتهم، وعاشوا دعوتهم واهبين لها كل جهد ونشاط من الميلاد إلى الممات, ووضح هذا سيرهم وعملهم وفهمهم للحياة, فحين قيل لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عند كبره وخروجه للغزو, لقد ثقل جسمك وقل جهدك فاجلس معذورًا مأجورًا, قال: لقد أخرجتنا آية البعوث: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

 

ويعلم المؤمن علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى قد اشترى منه نفسه فباعها راضيًا مسرورًا، وسجل هذا البيع في كتبه المنزلة على رسله، ووعده الجنة جزاءً وفاقًا, فربح البيع ونعمت الشهادة بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾ (التوبة).

 

فعلم من هذا أن المسلم من حياته إلى مماته تلك لله وموقوف حياته ونشاطه لخير الإنسانية وهداية البشرية ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾  (الأنعام).

 

ولهذا قامت دعوة الإسلام في العصر الحديث, إخلاص وإصلاح واقتداء وتضحية وعمل من الميلاد حتى الممات وكان شعارها: (الله غايتنا.. والقرآن دستورنا.. والرسول زعيمنا.. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).

 

إذن فكل فرد في الجماعة الإسلامية مجند لهذه الغاية العظيمة, لا يحول بينه سن أو وقت؛ لأن الدعوة تحتاج إلى كل فرد ووقت, إذا علم هذا فليكن منهاجنا، وعملنا يحقق كل هذا حتى تتكامل المسيرة الخيرة.

 

طبيعة الهمة المرادة

وبعد هذه المقدمة التي أشرنا فيها إلى طبيعة الدعوة التي تشرفنا بالانتساب إليها, فنقول:

1- يوجد في صفنا اليوم طاقات خيرة ينبغي الاستفادة منها؛ خاصة أن هذه الطاقات لها باع في الدعوة، وعندها الخبرة والدراية اللازمة لدفع المسيرة إلى الأمام.

 

2- الدعوة ترتاد اليوم مجالات وتخصصات جديدة ومعقدة، وتحتاج إلى جهد فكري واجتهاد عملي.

 

3- الدعوة تحتاج إلى رد الشبهات وريادة مجالات؛ لإثبات ريادتها وإظهار رسالتها عمليًّا وثقافيًّا.

 

4- تحتاج الدعوة إلى كوادر تربوية تقود العمل وتكوّن الرجال وتؤسس اللبنات المطلوبة للريادة.

 

5- الدعوة اليوم تحتاج إلى إزالة الركام التائه عن الطريق الصحيح والأخذ بيدها إلى الجادة.

 

6- الدعوة اليوم تغالب الأعداء والمتربصين من سلطات وإعلاميين ومنحرفين محليين وعالميين.

 

7- الدعوة قد اتسع نطاق عملها؛ حتى بلغ ما بلغ الليل والنهار، وتحتاج إلى كوادر قادرة وعالمة ومحيطة، ولها وزنها، وعندنا الكثير من هؤلاء فينبغي استغلالهم في هذا المجال.

 

8- عندنا الكثير من المواقع واللقاءات تحتاج إلى صنف مدرب على ذلك ويجب إيجاده.

 

الكوادر اللازمة لهذا العمل

ولإيجاد هذا الصنف ينبغي:

1- الاستعانة بكل الطاقات التي استغني عنها في المواقع القيادية والإدارية, أو تركت مواقعها لأسباب عمرية وصحية, أو ما إلى ذلك من الأسباب.

 

2- الإتيان بالطاقات التي يؤنس فيها الخبرة والفهم العميق للأمور الدعوية والسياسية.

 

3- ببعض الطاقات التي تتبنى الفكر الدعوي والإخواني؛ ولكنها لا تريد الالتزام بالنظام العام والإداريات الخاصة بالجماعة.

 

4- بالعلماء والفقهاء الذين يُستفاد بهم في مثل هذه المناسبات.

 

5- بالطاقات الكثيرة الموجودة في الأقطار، ولا تستطيع الوصول إلى مصر وعندها الخير الكثير، وتستطيع ترجمته إلى البحوث والعمل الذي ينير الطريق.

 

ملامح المهمات

1- ينبغي أن يكون عمل هؤلاء بحوثًا واقتراحات ومساهمات في كل ما يطلب منهم إن كان هناك ما يكلفون به.

 

2- هذه الفئات بما لها من إمكانات كبيرة ونظرات عميقة وتجارب وخبرات؛ ممكن أن تكون مجموعة الحكماء والخبرات التي تعتمد عليها الدعوة في الأمور الاستشارية.

 

3- ممكن أن يُستعان بهم في اللقاءات التلفازية والمقابلات الإسلامية والسياسية.. إلخ.

 

4- ممكن أن يُستعان بهم على وسائل التغيير وأساليب الضغط واقتراح المخططات اللازمة لإدارة العمل.