مسئولية كل مؤمن ومؤمنة أمام الله

الحمد لله الذي لا إله إلا هو، والصلاة والسلام على أشرف خلقه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي الحبيب.. أختي الفاضلة..

 

هذه رسالتي إليكم، وهي أمانة في أعناقكم، وأنتم على ثغرة من ثغور الإسلام تحاجُّون عنه وتبيِّنونه للناس جميعًا، فلا يؤتينَّ من قبلكم، تشاركون غيركم في هذه المهمَّة العظيمة التي بدأت بأنبياء الله ورسله، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام، ثم ورثتم وجميع المسلمين عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة أضوأَ من القمر في ليلة التمام، وأبينَ من الشمس في وسط النهار، ولا عذرَ لكم عند الله في إيصال الحق والمشاركة في هذا الشرف وحمل هذه الأمانة.

 

1- قضية الإيمان والعمل:

نبدأ بالحديث عن قضية الإيمان، وهي "ليست أمرًا على هامش الوجود يجوز لنا أن نغفله أو نستخف به أو ندَعَه في زوايا النسيان، كيف وهي أمر يتعلق بوجود الإنسان ومصيره، بل أجد قضية الإيمان هي أعظم مصيريةً بالنظر إلى الإنسان" الإيمان والحياة.

 

كما يجب أن توقن بأنه لا إيمان بلا عمل، فالعمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان، والحركة الذاتية التي تبدأ في هذا اللحظة التي تستقر فيها حقيقة الإيمان في القلب "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل" ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)﴾ (الحجرات).

 

2- ارتباط الإيمان بالعمل:

فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة بانية، ما إن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح، وجهاد ومجاهدة، وصبر ومصابرة، هذا هو الإيمان الإسلامي، لا يمكن أبدًا أن يظل جامدًا لا حراك فيه، كامنًا لا يتبدى في صورة حية خارج ذات المؤمن، فإن لم يتحرك هذه الحركة الطبيعية فهو مزيف أو ميت.

 

فأين أنتَ وأين أنتِ من هذه الحقيقة التي لا حقيقة سواها؟ إن الإيمان الإسلامي أكثر نفعًا وأطيب ثمرًا، فعقيدة الإسلام عقيدة تتسع للروح والمادة، والحق والقوة، والدين والعلم، والدنيا والآخرة، وللحياة بكل أوجهها الصحيحة السامية.

 

3- عقيدتنا والانتصارات:

بهذا الإيمان وتلك العقيدة الربانية، انطلق المسلمون يعيدون للدنيا صوابها، وللبشرية رشدها، ويقودونها من طريق الغواية إلى طريق الهداية، ويخلصونها من شياطين الإنس والجن الذين تآمروا عليها.

 

بهذه العقيدة انطلق الإسلام يحرر المستعبدين من أمم الأرض ويرد إليهم كرامتهم، ويفك الأغلال التي وضعها البشر في أعناق المستضعفين والمستعبدين، فأصبح الناس أحرارًا بالإسلام وفي ظل القرآن العظيم.

 

وبالإسلام انتصر المسلمون على الجراد الزاحف من الشرق المسمَّى بالتتار، كما انتصروا على الذين قدموا من الغرب ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)﴾ (التوبة).

 

ومن هنا تبدو قيمة الإيمان المتمثل في الحركة والعمل، والبناء والتعمير، واليقظة، وهو يقود البشرية إلى الله، إنه ليس انكماشًا أو سلبيةً أو أماني أو أحلامًا "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي".

 

أيها الأحباب..

4- المؤمن عزيز قوي لا يخضع للذل ولا يرضى بالضيم:

"من أعطى الذلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس مني" ومهما تجمعت السحب، وتكاثرت الغيوم، واكفهرت الأجواء؛ فإن نور الله لا يطفئه أحد، ونور الله قادم فلا ذل ولا إذلال فابدأ بنفسك أولاً ثم ادع غيرك ثانيًا فإن الله قد ارتهن نفوسنا، بل ارتهن حياتنا كلها بهذا الحق ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾ (التوبة)، فالجِدّ الجِدّ فإن وراءك طالبًا حثيثًا طلبه سريعًا سيره، فحدد وجهتك واخلص نيتك واعمل لله دائمًا ودعك من هذا أو ذاك ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام).

 

وإياك.. إياك.. أن تتثاقل إلى الأرض فلقد حذرنا الله من هذا فقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾ (التوبة).

 

واعلم بأن الأمم والدول التي تعادي دينك ليست بأقوى من الذين كانوا يعادونه بالأمس، فأين هم الآن؟ لقد صاروا رميمًا وعظامًا نخرة، وأشلاء ممزقة، وقد نُسي ذكرهم وبادوا، فتلك مساكنهم وقصورهم خاوية، أما هم ففى ظلمات القبور ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)﴾ (مريم).

 

نداء..

فتهيأ أيها المسلم للعمل الصالح وأداء الواجب، والإحسان للناس جميعًا، وحبهم والرفق بهم، واعمل على إرشاد الحائرين وتنبيه الغافلين، وردّ الذين حادوا عن الطريق برفق وحنان وكن صادقًا مخلصًا في كل عمل تأتيه مهما كان صغيرًا.

 

ويجب عليك أن توقن يقينًا ثابتًا لا يتزعزع بأن الله على كل شيء قدير، وأنه لا رادّ لقضائه، وأنه سبحانه قيوم السماوات والأرض لا تأخذه سنة ولا نوم.

 

يا أخي.. اعتصم بالله وحده واحصر آمالك فيه وثق في رحمته، وفي عدله، وفي رعايته للبشرية جميعًا وتطلع إلى رحمته ﴿مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾ (فاطر).

 

اذكروا دائمًا قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)﴾ (مريم).

 

اذكروا دائمًا أن هذا الكون وما فيه في قبضة الله ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)﴾ (مريم).

 

لا بد أن تدرك أنك بإيمانك وعقيدتك سيد العالم وإمام الأبرار ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143).

 

واذكروا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)﴾ (مريم).