- عبد الحليم قنديل: الطوارئ جعلت الأحزاب حبيسة مقارِّها

- حسين عبد الرازق: النضال مطلوب من الجماعات السياسية

- د. محمد البلتاجي: الجيل الحالي نشأ في ظل ثقافة الطوارئ

- أبو العز الحريري: الأحزاب لا تستغلُّ المتاح وتستسلم للقمع

 

تحقيق- مي جابر:

وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة، والقبض على ما يزعمون أنهم مشتبه فيهم أو الخَطِرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم، والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال، والأمر بمراقبة الرسائل أيًّا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها..
هذا ما تنص عليه المادة الثالثة من قانون الطوارئ، والذي تمَّ إقراره منذ ما يزيد على 29 عامًا؛ حيث ساهمت حالة الطوارئ بشكل سلبي على كل مجالات الحياة المصرية بشكل عام، والحزبية منها بشكل خاص.

 

وبينما تتوالى الاتهامات على الأحزاب السياسية باقتصار دورها على عقد المؤتمرات في قاعات الفنادق الفاخرة أو مقار الحزب وضعف حركتها وسط الشارع المصري؛ يرى بعض المتخصصين أن استمرار وهن الأحزاب المصرية مرتبطٌ بفرض حالة الطوارئ على الحياة السياسية، وأن القمع الذي يمارسه النظام الحاكم- من خلال الطوارئ- يؤدي إلى انحسار دور الأحزاب وضعفها.

 

(إخوان أون لاين) يكشف عن هذه العلاقة.

أسر الأحزاب

 الصورة غير متاحة

 عبد الحليم قنديل

يرى عبد الحليم قنديل المنسق العام لحركة (كفاية) أن استمرار حالة الطوارئ ما يزيد عن ثلاثين عامًا أسهم في تجفيف منابع السياسة في مصر، مشيرًا إلى أن هذه الحالة عملت على إبطال الدستور، وجعلت الأحزاب أسيرةً في مقارِّها؛ حيث إن أي تحرك في الشارع يعدُّ تجمهرًا هو جريمة في نظر قانون الطوارئ، بالإضافة إلى أنه يمكن للأمن توجيه تهم الإرهاب لأي حزب يحاول الاختلاط بالجماهير أو ممارسة أي تفاعل في الشارع في ظلِّ التحجج بالإرهاب.

 

ويوضح أن الترخيص الرسمي بمثابة قيد للأحزاب الرسمية؛ فهي مقيدة بقانون الأحزاب الظالم، فضلاً عن قانون الطوارئ، ولذلك استطاع الإخوان الانتشار وسط الشعب؛ لعدم تقييدهم بهذا القيد؛ ما أدَّى إلى نفوذ التيار الإسلامي على حساب التيارات الأخرى، خاصةً مع تركيز التيار الإسلامي على الحركة الاجتماعية والاهتمام بهموم الشعب، بينما ركَّزت التيارات الأخرى على ما يُسمى بالبرنامج السياسي الذي شعرت معه الجماهير بانفصال عن مطالبها الأساسية؛ بعدما هجرت الناس السياسة وطلَّقتها؛ بسبب الظروف الاقتصادية التي تعاني منها.

 

ويضيف قنديل أن النظام الحالي أخرج نفسه من صفته السياسية بسبب حالة الطوارئ التي فرضها على الشعب المصري، وتحوَّل إلى الصفة الأمنية والقبضة الحديدية، فالمسيطر الآن على الحياة المصرية هي القوة الباطشة من خلال مباحث أمن الدولة، والتي لا تترك المجال لأي حزب للوصول إلى قيادة شعبية والالتحام مع الجماهير على أرضهم وليس أرض الأحزاب.

 

تفريغ المضمون

 الصورة غير متاحة

حسين عبد الرازق

ويلفت حسين عبد الرازق عضو مجلس رئاسة حزب التجمع النظر إلى أنه لم يحدث في تاريخ مصر كله أن استمرت حالة الطوارئ أكثر من 29 عامًا، مشيرًا إلى أن أطول فترة كانت 13 عامًا وقت حروب ما بعد عام 1956م، وكان الوضع وقتها يحتاج بالفعل إلى فرض حالة الطوارئ؛ بسبب حالة الحروب المستمرة التي كانت مصر تدخلها، ولكن الآن لا يوجد حجة لتمديد حالة الطوارئ، والتي أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر على كل مجالات الحياة المصرية وعلى الحياة الحزبية بشكل خاص.

 

ويقول: إن تأثير هذه الحالة في الأحزاب ظهر في منع الأحزاب السياسية من حقهم في تنظيم الاجتماعات والمسيرات السلمية خارج مقارِّها، بالإضافة إلى القبض على قيادات هذه الأحزاب وتقديمهم للمحاكمة أمام المحاكم الاستثنائية "أمن الدولة"، واعتقال مرشحيهم في الانتخابات ومندوبيهم وأنصارهم، وتقديم المدنيين للمحاكم العسكرية في ظلِّ إعلان حالة الطوارئ؛ ما أدى إلى تفريغ الأحزاب المصرية من مضمونها ورسالتها الأساسية.

 

ويؤكد عبد الرازق أن حزب التجمع مثله مثل بقية الأحزاب المصرية يتعرَّض للعديد من المضايقات بسبب فرض حالة الطوارئ في سنوات سابقة، فتم منع العديد من مؤتمراته خارج مقر الحزب.

 

ويضيف أن هناك تحركاتٍ من الأحزاب المصرية للمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، وعدم إصدار قانون بديل يقيد حياة المواطنين، فنحن لسنا بحاجة إلى القانون الحالي أو بديل عنه، مطالبًا جميع الأحزاب المصرية بمواصلة النضال حتى تنجح فكرتها وتصل إلى هدفها في القضاء على الفساد بكل أشكاله السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 

جيل الطوارئ

 الصورة غير متاحة

د. محمد البلتاجي

ويقول الدكتور محمد البلتاجي الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين: إن استمرار فرض حالة الطوارئ لما يزيد عن الثلاثين عامًا ساعد على نشأة جيل كامل في ظل ثقافة الطوارئ، فهناك من لم يعرف سوى حياة اللا قانونية، وتحدي الأحكام القضائية، واستغلال الثغرات والقمع؛ ما أفقد الثقة لهذا الجيل في فاعلية الأحزاب المصرية التي لم تعد قادرة على مواجهة هذا الوضع.

 

ويؤكد أن هذا المناخ السيئ أسهم في قتل الحياة الحزبية تمامًا من خلال قمع تحركات الأحزاب، وإفشال تفاعلها مع الجماهير، فعقد المؤتمرات والحراك الجماهيري أصبح جريمةً في ظل حالة الطوارئ يمكن أن يُعاقب عليها وبدون محاكمة عادلة؛ ما أدى إلى تقزُّم الحياة الحزبية وانحسارها داخل المكاتب وقاعات الفنادق الكبرى فقط.

 

ويطالب د. البلتاجي جميع القوى السياسية- بما فيها الأحزاب- بالسعي في جميع الاتجاهات لإنهاء هذا الوضع اللا قانوني، من خلال المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، وتعديل قانون الأحزاب السياسية، الذي يفرض العديد من القيود على الحزب، فمن يقرر إنشاء أحزاب جديدة هو الحزب الحاكم.

 

ويشدِّد على ضرورة عدم الاستسلام للواقع السلبي والخروج للشارع وللجماهير، والتأكيد أن حرية التعبير هي حق أصيل ولا تحتاج إلى استئذان من وزارة الداخلية، بالإضافة إلى مواجهة حالة الطوارئ بمطالب تشريعية جديدة؛ لتعديل الوضع القائم بقانون ينظم مباشرة الحقوق السياسية؛ ليعطي مساحةً للحراك السياسي والتفاعل مع الجماهير.

 

الانفصال عن المجتمع

 الصورة غير متاحة

عصام شيحة

ويضيف عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد أن استمرار حالة الطوارئ كان السبب الرئيسي في انفصال الأحزاب السياسية عن المجتمع، وإصابتها بالضعف، وانحسار دورها بين الصحيفة والمقر، كما حدَّدت إطارًا عامًّا للأنشطة الحزبية بأن تكون داخل الأحزاب فقط، مشيرًا إلى رفض التصريح لها بإقامة فعاليات في الشوارع، والتواصل مع الجماهير عن طريق التواصل المباشر معهم.

 

ويستطرد: يتيح قانون الطوارئ لضباط أمن الدولة القبض على كل من يوجد في الشارع في اجتماع غير مصرَّح به، ويزيد عددهم عن 5 أفراد، وهذا كافٍ لإحساس المواطن بالتهديد وعدم الأمان، وأن هناك سيفًا معلَّقًا على رقبته يمكن استخدامه في أي وقت لقطع علاقته بأي أمور سياسية.

 

ويلفت إلى أنه قد سبق اعتقال جميع قيادات الأحزاب والتيارات السياسية بموجب قانون الطوارئ في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في ستمبر عام 1981م، وعلى رأسهم رئيس حزب الوفد ونائبه، وهو ما كان سببًا في تجميد حزب الوفد بعد ذلك لعدة سنوات.

 

ويتابع: بالإضافة إلى ذلك لا يستطيع حزب الوفد إقامة أي مؤتمر بدون موافقة أمنية، وفي أغلب الأحيان يتم الرفض والتهديد بالتصعيد الأمني ضد الحزب إذا أقيم المؤتمر بدون رضا الأمن، كما يتم التضييق على مرشحي الحزب للانتخابات البرلمانية، فتقيد حركاتهم، سواء لمسيرات الدعاية الخاصة بهم، أو لإقامة سرادق وتعليق الميكروفونات لمؤتمراتهم واجتماعهم بالجماهير.

 

ويؤكد أن الأحزاب المصرية مستمرةٌ في نضالها السياسي عن طريق الاشتراك في العديد من الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية، وتسجيل مواقف عدَّة داخل مجلس الشعب، فالأحزاب السياسية وقوى المعارضة تقف دائمًا في وجه الأغلبية الميكانيكية في عدة مواقف منها تمديد حالة الطوارئ كل عامين، مؤكدًا على أن الأحزاب ستواصل هذا الطريق حتى تحقق هدفها في إصلاح الحياة السياسية المصرية.

 

المقاومة

 الصورة غير متاحة

أبو العز الحريري

ويرفض أبو العز الحريري الناشط السياسي حصر أسباب ضعف الأحزاب المصرية في فرض حالة الطوارئ فقط قائلاً: رغم أن فرض حالة الطوارئ لها تأثر كبير في عدم انتشار الأحزاب السياسية في الشارع المصري، إلا أن الحياة الحزبية ليست فقط التواجد في الشارع، فمع التكنولوجيا الحديثة أصبحت هناك وسائل عديدة تُستخدم كبديل عن النزول للشارع مثل: الإنترنت، والإعلام، وهو ما لم تستغله الأحزاب بالطريقة المثلى لتحدي حالة القمع التي فرضها قانون الطوارئ.

 

ويطالب الأحزاب باستخدام كل ما هو متاح لها لمقاومة هذا الوضع الحالي في المجتمع المصري، ومقاومة الفساد والبلطجة والقمع والظلم، وعدم التحجج بقمع النظام وتهديداته، فالتهديد من قِبَل النظام مستمر حتى لو تم إلغاء حالة الطوارئ، مؤكدًا على أن استمرار مقاومة الأحزاب حتى لو تم اعتقال رموز هذه الأحزاب أو حتى غلق الحزب وسحب التراخيص منه سيعطي لها شرعية شعبية والتفاف الجماهير حولها، وسيكون أفضل لها من الجلوس في المكاتب المكيفة دون أن يشعر بها الشارع المصري.