لما كانت السلطة القضائية هي التي تسهر على تأكيد سيادة القانون والحارسة للحريات الشخصية وتعمل على تحقيق المشروعية؛ فإن المشرِّع حظر في المادة "68/2" من الدستور تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، فإذا ما أصدرت السلطة التشريعية قانونًا يلغي رقابة القضاء لتصرفات السلطة التنفيذية وقراراتها فإنها تكون بذلك قد اعتدت على استقلال القضاء.

 

فقانون الطوارئ في مادته الثالثة أعطى للسلطة التنفيذية الحق في القبض على المواطنين واعتقالهم وتفتيشهم وتفتيش أماكنهم دون إذن مسبق من القضاء، وكذا مراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات والمحرَّرات والرسوم، وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها، وهو ما يخالف نص المادة 41 من الدستور؛ إذ تنص على أن "الحرية الشخصية حقٌّ طبيعيٌّ، وهي مصونةٌ لا تُمسّ، وفيما عدا حالات التلبُّس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقُّل إلا بأمر القاضي المختص أو النيابة العامة".

 

وكذا تنص المادتان "44"، "45" منه على أن "للمساكن حرمة؛ فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبَّب"، وأن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريَّتها مكفولة، ولا يجوز مصادرتها أو الاطِّلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبَّب، ولمدة محدودة".

 

فإذا ما ألغى "الطوارئ" كلَّ هذه الضمانات للمواطنين فماذا بقي للقضاء من سلطة رقابية على أعمال السلطة التنفيذية؛ فهي ليست ميزةً للقضاة بقدر ما هي ضمانةٌ للحريات الشخصية للمواطنين، لا سيما أن قانون الطوارئ صدر في غير حالاته المنصوص عليها في القانون على سبيل الحصر، وهي:

أولاً: وقوع حرب أو التهديد بوقوعها.

ثانيًا: حدوث إضرابات في الداخل، أو كوارث عامة، وانتشار وباء إذا كان من شأن ذلك تعريض الأمن أو النظام العام في الجمهورية أو في المنطقة محلَّ الحادث للخطر، وأن يبلغ هذا الخطر من الجسامة والخطورة ما يجعل من السلطة العامة بما لها من اختصاصات عادية عاجزة عن مواجهة هذا الخطر الجسيم.

 

وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية العليا؛ أنه وإن كان نظام الطوارئ أجازه الدستور فإن هذه الإجازة وردت على سبيل الحصر، فإذا ما انتفت هذه المبرِّرات فلا حاجة لإعلان حالة الطوارئ وإصدار قانون الطوارئ.

 

ونرى أنه لا مبرِّر لإصرار الحكومة على الإبقاء على هذا القانون طوال تلك الفترة من الزمن التي جاوزت ربع قرن متواصلة، لا سيما أن الرئيس مبارك أعلن في برنامجه الانتخابي 2005م أنه سيعمل على إلغاء قانون الطوارئ، فضلاً على أنه لم يمنع من حدوث أية جريمة إرهابية.

 

من أجل هذا كله فإننا نهيب بالمشرِّع أن يسارع إلى إلغاء هذا القانون؛ حتى يظلَّ اسم مصر عاليًا خفَّاقًا في عالم الحريات واحترام حقوق الإنسان ودعم استقلال القضاء.

------------

* رئيس نادي قضاة الشرقية.