- الإتقان والإخلاص وتقوى الله مفتاح النجاح في العمل

- 17 جنيهًا ونصف أول أجر تقاضاه وفرح به كثيرًا

- لقمة العيش رقم واحد في أولويات العامل المصري

- النقابات الحالية هشة ولا تسعى إلا لمصالح شخصية

 

كتبت- شيماء جلال:

عامل أقل ما يقال عنه أنه صاحب قضية، حمل هموم العمال فوق أكتافه منذ سنوات، لسان حاله في عمله هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، فمنذ أيامه الأولى في العمل وهو يطبق هذا الحديث، فكان مثالاً للعامل المثالي قولاً وفعلاً.

 

مَن عرفوه قالوا عنه إنه رجل سمته إسلامي، لا يتحدث إلا بالأخلاق الحسنة، يسهر ويعمل من أجل زملائه العاملين وإيجاد الحلول لمشكلاتهم، يرى في عينيه الفرحة بمجرد أن يحصل زميل له على حقه أو تحل مشكلة له.

 

إنه القيادي العمالي عبده السعيد إبراهيم الشهير بالشيخ عبده، من مواليد 30 أبريل 1955م، حاصل على شهادة دبلوم ثانوي صناعي، خريج معهد إعداد الدعاة التابع للجمعية الشرعية عام 1986م، بجانب حصوله على إجازة حفص بمعهد القراءات بشبرا مصر، ويعمل واعظًا وخطيبًا بالجمعية الشرعية منذ عام 1984م.

 

تُوفي والده وهو في الحادية عشرة من عمره، وكان حينها طالبًا بالصف الخامس الابتدائي، وكانت الظروف المعيشة وقتها صعبة للغاية، فتمكَّن بمساندة أخوه الأكبر أن يكمل دراسته الإعدادية، وحصل على مجموع كبير يساعده على الالتحاق بالثانوية العامة، ولكونه نشأ في أسرة بسيطة أخبره أخوه" أنه لن يتمكَّن من سداد مصروفات التعليم الثانوي وبعده التعليم الجامعي، وأنه عليه أن يلتحق بالتعليم الثانوي الصناعي؛ لأن مصروفاته قليلة".

 

أكمل مسيرته الدعوية بجانب عمله لكي يشعر بأنه تفوَّق وتغلَّب على الظروف التي حالت بينه وبين تحقيق حلمه في الالتحاق بالجامعة.

 

وكنتيجةٍ طبيعيةٍ للنشأة التي وُلد بين أحضانها الشيخ عبده اتجه للعمل منذ وقتٍ مبكر، وعمل بالعديد من الأعمال بشكلٍ غير ثابت، وفي عام 1978م عمل بأحد المصانع وبدأ يتنقل من مصنع لآخر حتى عام 1988م حينما استقر بشركة المعادي للصناعات الهندسية، ومنذ اللحظات الأولى لعمله بالشركة، وهو يبني نفسه خطوةً بخطوة، ويقدم كافة الحقوق المطلوبة منه؛ لأنه كان يضع دومًا نصب عينيه مسألة إتقان العمل.

 

يقول الشيخ عبده لـ(إخوان أون لاين): إنه كان من خلال عمله يؤكد رسالةً واحدةً للجميع سواء رؤساء أو مرءوسين أن الرجل الملتزم صاحب الأخلاق والمبادئ، هو رجل ناجح ومنتج بل ومبدع في عمله وليس كسولاً أو مشاغبًا؛ لذا اتفقت عليه أغلب الآراء بأنه من أكثر الرجال المميزين بالشركة.

 

يقول الشيخ عبده: إن أول أجر تقاضاه كان 17.5 جنيهًا، وكان يُعتبر أجرًا متواضعًا ولا يكفي شيئًا في ذلك الوقت، ولكنه كان يقول في قرارة نفسه: إن السلم درجات، وأن بعد العسر يسرًا.

 

لم يكن الشيخ عبده متأففًا من عمله أو متبرمًا رغم مصاعب ومتاعب الحياة والعمل، فيذكر لنا أنه كان دومًا يتوجه لشركته قبل موعد العمل، فكان يصل إلى الشركة من الساعة السابعة على الرغم من أن مواعيد العمل الرسمية تبدأ من الساعة السابعة والنصف، ليس هذا فحسب بل كان ينتظر أيضًا بعد مواعيد العمل حتى يتأكد من إتمام جميع المهام وإغلاق الحسابات والدفاتر الخاصة بالإنتاج.

 

نقطة الصفر

بدأ الشيخ عبده عاملاً يقف 8 ساعات على ماكينة بالشركة ما بين سخونة الماكينة وضغط العمل، لم يقف عندها مكتوف الأيدي بل نحت في الصخر كما يقال وعمل في ورش خارجية حتى اكتسب حرفية المهنة وأصبح محترفًا في فنيات الصناعات الهندسية، وتولى رئاسة الوحدة الفنية بالشركة.

 

وجاء الحدث السعيد في 19 أكتوبر 1980م وتزوَّج من إنسانة فاضلة أعانته على الطريق ووقفت بجانبه، أنجب منها ثلاثًا من البنات هم: شيماء، وأميمة، وإيمان، وأربعة من البنين هم: محمد، ومصطفى، وأحمد، وأسامة.

 

ويلفت الشيخ عبده النظر إلى أنه في ظل تزايد الأعباء الأسرية لجأ إلى العمل لفترات إضافية حتى يزيد من دخله، وحينها لم تكن الشركة تسمح بعقد ورديتين خلال اليوم، ولكنه لحسن خُلُقه طلب منهم فوافقوا له على تخصيص وردية ثانية لمَن يريد أن يزيد من دخله المادي.

 

نضاله العمالي كان طويلاً وشهد الكثير والكثير، ولأن سلاحه الصبر قرَّر الحاج عبده أن يلتحق بعضوية النقابة الفرعية بالشركة وبالفعل دخل دورتين أولهما في عام 1991م وحتى عام 1996م والثانية كانت من عام 1996م واستمرت حتى عام 2006م كأمين لصندوق النقابة.

 

وعن أهم مشكلات العمل التي واجهها يقول لنا الشيخ عبده: إنه عانى وشاهد الكثير والكثير خلال عمله، وأن مشكلة الأجور تعد بمثابة المشكلة الأضخم بل والأساسية بالنسبة للعمال ومشكلاتهم، ويروي أنه خلال مدة عمله بالنقابة كان يطالب بحقوق العمال المادية والصحية والاجتماعية.

 

حب زملائه

وعن علاقاته بزملائه يؤكد الشيخ عبده أنه بفضلٍ من الله تمكَّن من أن يقيم علاقةً طيبةً مع زملائه، وكان يتواصل معهم بشكل فعَّال مدافعًا عن حقوقهم وملبيًا لمطالبهم، فضلاً عن كونه أخًا أكبر لهم، فكانوا يستشيرونه في أمورهم ومشاكلهم الاجتماعية والأسرية، وكان يساندهم أيضًا.

 

وعندما وقفنا نتأمل أصعب المواقف التي مرت عليه خلال العمل يذكر لنا الشيخ عبده أنه واجه مواقف كثيرةً بحزنها وألمها، ولكن من أكثر المواقف المؤثرة حينما كان أمينًا بصندوق النقابة، واتفق حينها المسئولون بالشركة ورئيس القطاع بالشركة على خفض نسبة الحافز؛ ما أدَّى إلى تذمر العمال وغضبهم، نظرًا لأن أغلب عمال مصر هدفهم وشغلهم الشاغل الأول هو لقمة العيش.

 

وحينها تحدث الشيخ عبده باسم العمال بلهجة شديدة الغلظة مع المسئولين، مؤكدًا ضرورة حصول العمال على كامل حقوقهم.

 

مشاكل العمل

وحكى لنا أن العمال خلال فترة عمله بالنقابة تعرضوا لمشاكل عديدة بشأن مرتباتهم وتسببت في حدوث مظاهرة عمالية، وطلبت النقابة منه ألا يصغى للعمال ولا يشاركهم، فتزايد غضبه من هذا الموقف، لكنه أبى أن يتخاذل ولا يقف مع العمال في المطالبة بحقوقهم.

 

ولأن الحب والأخلاق الحسنة سمته، فكان زملاؤه هم مَن يقوموا بالدعاية الانتخابية له خلال مرات ترشحه للنقابة الفرعية سواء كأمين عام أو أمين صندوق، فضلاً عن قيامهم بطبع صوره وتوزيعها على جميع فروع الشركة.

 

واستطرد في حديثه معنا، مشيرًا إلى أنه شهد مواقف صعبة لزملائه المرضى الذين كانوا يتعرضون لحالات مرضية، ولم يكن التأمين الصحي يُوفِّر لهم علاجًا أو يوقع الكشف عليهم بضمير؛ حيث كان يصطحبهم لزملائه الأطباء ممن يعرفهم بالمستشفيات الخاصة، ولا يزال مسلسل الانتهاك الصحي لعمال مصر مستمرًّا حتى الآن.

 

الأخلاق

وتخلل حديثه معنا كلمة ردَّدها كثيرًا، وهي أن الأخلاق مفتاح كل شيء، وأن العامل بحسن خلقه برغم الصعاب التي قد يقابلها؛ سيحصد مكاسب عديدة قد لا يدركها في بداية طريقه، ولكنه سيراها لاحقًا في حياته.

 

تجاذبنا أطراف الحديث مع الشيخ عبده وصولاً لمحطة مهمة للغاية في تاريخ العمال والحراك العمالي، وهي الإضرابات والاعتصامات التي باتت المشهد المسيطر الذي لا يغيب عنا، وعنها يحدثنا بصوت يملؤه السخط من بلوغ حال العمال لهذه الدرجة قائلاً: "القلب ينفطر حينما نسمع أصوات العمال وهم ينادون بحقوقهم الضائعة ومعهم زوجاتهم وأبناؤهم مشردون على أرصفة مجلس الشعب بعد أن سلب المستثمرون حقوقهم ومنعوهم من أبسط مطالبهم في الحياة".

 

الخصخصة

وعن رؤيته في سبب الكوارث العمالية، وما آلت إليه أحوال العمال في مصر يوجه الشيخ عبده أصابع الاتهام للخصخصة ورجال الأعمال، مشيرًا إلى أنهما وراء خفض العمالة وتسريح العمال وتخفض المرتبات.

 

وحينما سألناه عن تعامل إدارة الشركة معه خلال ترشحه لعضوية النقابة، روى لنا وقائع تجبر وظلم باتت هي الشاهد القوي على فقدان هذا النظام لأهليته؛ حيث إنهم عمدوا في عام 1996م إلى إخفاء الأوراق الخاصة بترشحه، وادعوا أنها غير متواجدة ولكن لحسن حظ الشيخ عبده كان دائمًا حينما يتقدم بأوراقه للترشح كان يتأكد منها ومعه صور لها، بجانب أنه دومًا يتعرف على المرشحين المتقدمين معه، وبالفعل وقعت أحداث كثيرة ومشادات لإظهار تلك الأوراق وبالفعل أظهروا أوراقه، ولكنهم لم يكفوا عن فعلهم في المرات التالية لترشحه؛ حيث كرروا الموقف ذاته في عام 2001م.

 

وهنا وصلنا لموقف آخر ووجه آخر يمارسه النظام مع كل مَن ينادي بالحق أو يحاول أن يعرِّف زملاءه بحقوقهم ويساعدهم في الحصول عليها؛ حيث عمدوا إلى إقصائه من النقابة خلال تقدمة في عام 2006م، وقاموا بشطب اسمه من الكشوف، ولأن النظام الذي نسير هو نظام فاقد لرشده لم يقوموا بشطب اسمه فقط من قائمة المرشحين بل قاموا بشطب كل المرشحين الذين تقدموا معه وكل مَن يعرفه ويتعامل معه أيضًا تم شطب اسمه.

 

نقابات هشة

وعن رأيه في دور النقابات العمالية الحالية وصفها لنا الشيخ عبده بأنها: "هشة وهزيلة" لا تبحث عن مصالح العمال، ولكنها ترى مصلحتها ومصلحة الحكومة أولاً وآخرًا.

 

ربما كان للشيخ عبده رؤية في التعامل مع المرءوسين في العمل تختلف عن كثير من عمال وشباب مصر، وهي أن العامل ينبغي أن يؤدي ما عليه ويرضي ربنا في المقام الأول وبعدها يفكر في تعامل رئيس العمل معه، موضحًا أن إرادة الله فوق كل شيء، وأن العامل عليه أن يتفنن ويبتكر في عمله ولا يفكر بعد ذلك في النتائج قائلاً: "بالتأكيد الله سوف ينصره ويفتح عليه".

 

وعن الحياة الكريمة التي يتشدق بها المسئولون مدعين أنهم يسعون لحصول كل عمال مصر عليها، يتهكم الشيخ عبده قائلاً: "إحنا عايزين نوصل حتى لحد الفقر ده ونشوفه، العمال تحت خط الفقر بمراحل".

 

ووجه الشيخ عبده في ختام حديثه معنا رسالة لجميع عمال مصر فحواها أنهم لا بد أن يكونوا يدًا واحدة، متجمعين وليس متفرقين، ينادون بحقوقهم مهما طال بهم العمر؛ لأنه حان وقت التغيير والإصلاح.