د. حلمي محمد القاعود

 

قامت الكتيبة "13" من القوات الخاصة في الجيش النازي اليهودي، في المياه الدولية أمام غزة، بمهاجمة الحملة الأوروبية التي تهدف إلى كسر الحصار على الشعب الفلسطيني في القطاع، صعد القتلة النازيون اليهود إلى سطح السفن المدنية مدجَّجين بالسلاح والقنابل، وقتلوا نحو 20 شخصًا من المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، وأصابوا أضعافهم، من بينهم الشيخ رائد صلاح قائد الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة قبل عام 1948، وتضاربت الأنباء حول استشهاده، وحتى كتابة هذه السطور لم يُعرَف مصيره بالتحديد، ولكنَّ الأنباء تؤكد أن القتلة النازيين اليهود كانوا يستهدفون أشخاصًا بأعينهم ضمن الحملة لتصفيتهم، ومن ضمنهم رائد صلاح، ثم قام القراصنة اليهود بسحب سفن حملة الإغاثة الدولية إلى ميناء أشدود، واعتقال المتضامنين، واتهامهم بأنهم إرهابيون!.

 

القراصنة النازيون اليهود يعلمون جيدًا أن أسطول الحرية يحمل ألف مدني عربي وأوروبي، ليس من بينهم مسلَّح، وأنهم يحملون عشرات الأطنان من الغذاء والأدوية وسيارات للمعاقين وبعض المساكن الجاهزة للمحاصرين في غزة، ولكنَّ الإرادة النازية اليهودية تصرُّ على خنق الشعب الفلسطيني وموته؛ لتقيم ما تسميه الدولة اليهودية النقية، التي تكون الحدود المتوقَّعة حولها صامتةً مثل صمت القبور، كما توقَّع الإرهابي الهالك مناحم بيجن!.

 

لقد تمَّت العملية في فجر الإثنين 31/5/2010م تحت سمع العالم وبصره، وشاهدته الدنيا بالصورة والصوت، وحتى ظهيرة اليوم نفسه كان العرب ما زالوا صامتين لم ينطقوا بكلمة، كانوا موتى على المستوى الرسمي، وعلى الصعيد الشعبي الذي تحرَّك وأثبت أنه حيٌّ لما يزل، الشعب التركي الشقيق، انعقد مجلس الوزراء التركي، واستدعى سفير العدو، وهدَّد باتخاذ إجراءات معينة ردًّا على الجريمة النازية اليهودية، في الوقت نفسه كان الشعب التركي يخرج إلى الشوارع، ويجهِّز لمسيرة ضخمة تبدأ من ميدان تقسيم في إسطنبول، وقد لحقت اليونان والسويد وإسبانيا بالحكومة التركية، وقامت هذه الدول باستدعاء سفراء القتلة النازيين اليهود لديها؛ للاحتجاج واستنكار ورفض الجريمة التي تعبِّر عن استهانة العدو اليهودي بالقانون الدولي والأعراف الدولية والقيم الإنسانية.

 

وإذا كان من الطبيعي أن تصمت الدول الاستعمارية الصليبية، والمدعي العام لمحكمة جرائم الحرب الدولية، وأمين الأمم المتحدة؛ فإن من غير الطبيعي أن تظل الحكومات العربية والإسلامية صامتةً، وكأن شيئًا لم يحدث، ولم تنتهك حرمتهم وكرامتهم، ولم يقتل عربي أو يُجرح فوق سفن الحملة الإنسانية التي تستهدف إنقاذ الأشقاء الفلسطينيين، هل أخذت حكومة العدو ضوءًا آخر من الحكومات العربية والإسلامية لتمارس جرائمها النازية ضد المدنيين العزل في أسطول الحرية؟!

 

لقد كانت قنوات قليلة- في مقدمتها (الجزيرة)- تتابع الموقف أولاً بأول على جبهات الموضوع المختلفة، وللأسف فإنها جميعًا لم تكن على مستوى الحدث، فقد كان بعضها وهو ناطق بالعربية يكاد يكون صوتَ الدولة العبرية، وإلا ما معنى أن تلحَّ الدمية الشامية في إحداها وهي تسأل مراسلها عن طبيعة المتضامنين، وهل كانوا يحملون سلاحًا؟ وكيف جرح بعض القراصنة القتلة؟ وتكرر السؤال مرات وكأنها تريد تبرئة القتلة النازيين اليهود، بينما المراسل يقول لها: لقد كان المتضامنون يدافعون عن أنفسهم بأيديهم وبالأدوات التي أمامهم من عصا ونحوها؛ في مواجهة الرشاشات والبنادق والقنابل!.

 

من الطبيعي أن تنشغل قناة (الحرة) الأمريكية بطالبان، وبالحراك الجنوبي اليمني، ومحاولة اغتيال العولقي، ومن الطبيعي أن تنشغل بقية القنوات العربية بموضوعات الكرة وتسلُّق الجبال، والغوص في البحار، وإجراء المقابلات مع بعض الدمى من العوالم والغوازي للحديث عن زياراتهن لفرنسا وباريس، وإثبات أن هناك فقراءَ مثل فقرائنا، ومشكلات لا حصر لها هناك، فضلاً عن الحديث عن بطولاتهن وانتصاراتهن في ميادين الفن والتمثيل.

 

المثير للغرابة هو موقف السلطة الفلسطينية في رام الله وضواحيها، وهو صمتها التام الذي لم ينكسر إلا مع الظهيرة؛ حيث ظهر الدكتور صائب على قناة (الجزيرة)، ليستنكر الجريمة، ويشير إلى أن فخامة الرئيس محمود عباس أجرى اتصالاتٍ مع المسئولين في الجامعة العربية لاتخاذ اللازم!.

 

كان إسماعيل هنية يصرخ منذ بداية الجريمة النازية اليهودية، ويطالب الجامعة والأمم المتحدة والعالم؛ كي يأخذ موقفًا حازمًا من المجرمين، ويحثّ السلطة المحدودة في رام الله وضواحيها على قطع المفاوضات مع العدو، ووقف التعاون معه، وللأسف فإنه يعلم أن فخامة الرئيس عباس مصرٌّ على التفاوض حتى النهاية؛ لأنه لا يوجد من وجهة نظره غير التفاوض، والتفاوض، والتفاوض!.

 

إن فخامة الرئيس عباس لا يؤمن بخيار المقاومة.. سلمية أو عسكرية، ويفضل أن يكون الاحتلال النازي اليهودي لفلسطين آمنًا مطمئنًا مستقرًّا، لا يَهزُّ أمنَه أحدٌ، ولو بقذف طوبة أو حصاة!.

 

الرئيس عباس منذ أيام قضى ليلةً في مستشفى أردني يُجري فحوصًا طبيةً، فسهر مع الأطباء، وظل يلحُّ في مسامرته على تفضيله للمفاوضات، ورفضه للمقاومة، ثم راح يشهِّر بحماس وإصرارها على المقاومة، ولذا يجد ألا مفرَّ من التفاوض ولو لم ينجح.

 

العدو النازي اليهودي يتحدَّى العالم، وتدعمه المؤسسة الصليبية الدولية بقيادة الولايات الأمريكية المتحدة، وتغطي على جرائمه، وتمنحه المدد والعون، لدرجة تغيير القوانين التي تحاكم مجرمي الحرب، مثلاً فإن وزير خارجية بريطانيا الجديد يرى أن من حق المجرمة النازية اليهودية "تسيبي ليفني" أن تدخل بريطانيا، ولا تُمنع من الدخول بسبب طلبها للمحاكمة، ومع ذلك فإن فخامة الرئيس عباس يرى أن التفاوض هو الحل، ولو لم يحدث حل!.

 

تنقل قناة (الجزيرة) ظهر يوم الجريمة النازية اليهودية ثلاثة أخبار:

الأول.. عن السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية يتحدث فيه عن الجريمة، ويشير إلى أن الدولة العبرية فوق القانون، وأن أحدًا لا يحاسبها، وأنه لا بد من موقف! تُرى من الذي سيتخذ هذا الموقف؟ ويقنعنا السيد عمرو موسى أن العرب ذهبوا للمفاوضات مع أنهم يعلمون أن العدو لا يلتزم بشيء، وهو كلام غير مفهوم، ويحتاج إلى تفسير، إذا كان الذي أمامك لا يلتزم بشيء، فكيف تكافئه بالتفاوض غير المجدي؟!

 

الخبر الثاني.. عن خطاب ألقاه مع الظهر أيضًا أمير دولة قطر، استنكر فيه الجريمة، وتحسَّر على ما يحدث، ودعا (؟) إلى اتخاذ موقف يوقف هذه الجرائم النازية اليهودية، ويرفع الحصار عن غزة! ولكن من الذي يوقف ويرفع يا سمو الأمير؟

 

الخبر الثالث.. كان اتصالاً فجائيًّا من وزير خارجية الأردن، يقول فيه: إنه تمَّ استدعاء القائم بالأعمال النازي اليهودي في عمّان، وإبلاغه احتجاج الأردن على الجريمة، وتحميله مسئولية سلامة الأردنيين الذين كانوا على ظهر أسطول الحرية لكسر الحصار، كما أعلن معاليه عن أن السفير الأردني في تل أبيب سيقدم احتجاجًا مماثلاً إلى حكومة العدو.

 

شكر الله للأمين والأمير والوزير، ولكن متى يصحو الموتى في الحكومات العربية الذين يستأسدون على شعوبهم، ويضربونها بلا رحمة، إذا تظاهرت ضد العدو، ثم يطالب بعض نواب الحكومات الذين جاءوا بالتزوير حكومات العجز والموت والفشل بضرب المواطنين بالرصاص؟! متى يكف الذين يتكلمون وهم موتى أيضًا عن ضجيج الاستنكار والشجب الباهت والكلام الذي لا جدوى له؟!

 

متى يستخدم الموتى ما لديهم من أوراق.. لا نريد منهم قتالاً الآن؛ فهم لا يريدونه ولا يقدرون عليه في ظل الفساد والانهيار والهزائم الداخلية؟

 

هل يمكن أن يقطعوا العلاقات، ويوقفوا التطبيع، ويفرضوا حصارًا دبلوماسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا على الكيان النازي اليهودي؟

 

هل يمكن أن يطلبوا من فخامة الرئيس عباس أن يحل السلطة الإدارية المحدودة في رام الله وضواحيها، ويترك الأمور للشعب الفلسطيني، ليقرِّر ما يريد، ويتعامل بالطريقة التي يريد مع العدو الغاصب المتوحش؟!

 

إن اليهود القتلة لا يعنيهم السلام ولا المفاوضات ولا العالم.. يستوي في ذلك اليمين واليسار، ومن ينتظر أن تأتي حكومة نازية يهودية تقبل السلام؛ فهو واهمٌ، ويحرث في البحر، والأولى أن يصمت صمت القبور!.

 

كان مراسل قناة (الجزيرة)، يتحدث عن تفاصيل العدوان على أسطول الحرية، وكانت تقف وراءه مجموعةٌ من قطعان النازيين اليهود يصيحون ويصرخون، ويقولون إن هذه الأرض- يقصدون فلسطين المحتلة- هي أرضهم، ويجب أن يخرج منها غير اليهود، يقصدون العرب الفلسطينيين، ودلالةُ ذلك لا تخفى على من له أدنى وعي بطبيعة العدو النازي اليهودي!.

 

ومع ذلك فإن ضجيج الموتى لن يستمر إلى الأبد؛ لأن ضجيجًا آخر سيأتي حسب الموعدة الإلهية: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: من الآية 54).

--------------------

* [email protected]