د. حلمي محمد القاعود

أكدت السلطة أنه لا فائدة من الحديث عمّا تسميه "نزاهة الانتخابات"، وأنها ماضية في طريقها المظلم لفرض سياساتها الخاطئة الفاشلة، وخداع الناس بما تسميه "الديمقراطية"، ولهذا فإنني أعتقد أن المشاركة في مسرحياتها الهزلية الرديئة التي تسميها انتخابات نوع من العبث الذي يجب أن يبتعد عنه كل من ينشد الحرية للوطن البائس التعيس!.

 

ثم إن المبررات التي تُطرح للمشاركة في هذه الانتخابات- مع نبل المقصد- هي غطاء شرعي لسياسة غير شرعية، بل غير إنسانية بالمرة، لا يمكن أن تقبل بالحوار، فضلاً عن المشاركة، ولا تصغى لمتغيرات العصر، ولا تستفيد من تجارب الغير، وليس لديها استعداد للتغيير، أو الاعتراف بحق الشعب المصري في الحرية والكرامة والمشاركة.

 

مخطئ من يظن أن المؤسسة الاستعمارية الصليبية يمكن أن تضغط من أجل التغيير، أو إقناع النظام أن عصاباته الفاسدة يمكن أن تبني وطنًا يملك أسس التقدُّم والتطوُّر والقوة، فالمؤسسة الاستعمارية الصليبية سعيدة بهذا النظام وأمثاله من الأنظمة في العالم الإسلامي؛ لأنه يقدِّم لها خدمات جليلة بطريقة مجانية وسهلة، ودون أن تكلفها سنتًا واحدًا من أجل الحفاظ عليها!.

 

في عام 2005م جرت انتخابات مجلس الشعب، وكانت آخر انتخابات تُجرى تحت سلطة القضاء المباشر (قاضٍ لكل صندوق)، واستطاع عدد غير قليل من المستقلين والحزبيين في الدورة الأولى أن يعبروا إلى المجلس النيابي، ولكن السلطة البوليسية الفاشية في الدورتين الثانية والثالثة؛ لم تستطع احتمال أن يعبر عدد آخر، فاستخدمت العصا الغليظة والذراع القوية، ونكَّلت بالناس الذين ذهبوا للإدلاء بأصواتهم، لدرجة أن رأينا بعضهم يتسلق الأسوار بالسّلم كي يستطيع الوصول إلى لجنة التصويت ويدلي بصوته، وقامت بقتل 14 مواطنًا في أماكن مختلفة، ثم أهانت القضاة أنفسهم الذين لم يستجيبوا لتعليماتها، وتعرَّض بعضهم لمواقف عنف غير مسبوقة في تاريخ مصر القضائي.

 

ثم كان التزوير العلني الغشيم في عديد من الدوائر، مثل دمنهور والدقي والمنصورة، وتأجيل الانتخابات في مجموعة من الدوائر التي كان من المتوقع أن يفوز فيها مستقلون، حتى صدرت التعديلات الدستورية التي ترفع سلطة القضاة من اللجان الفرعية، وتمَّ تدشين مرحلة جديدة من الانتخابات المزورة في هذه الدوائر بعد عدة دورات، وحققت السلطة ما تريد رغم أنف الشعب والقانون والدستور.

 

كان التزوير الفاضح والمتبجح في دائرة دمنهور وزاوية غزال بداية عار جديد وفشل ذريع للسلطة؛ حيث تغيَّر إعلان الفائز بصورة لا تمت إلى الأخلاق ولا القانون ولا الأعراف، وبعد أن كان الفائز اسمه "محمد جمال حشمت"، صار اسمه واحدًا من "بتوع النظام"!.

 

وكشفت المستشارة "نهى الزيني" جريمة التزوير الفاضح والمريع، وشهد معها قرابة 150 قاضيًّا شاركوا في اللجان الانتخابية الفرعية والعامة في دائرة دمنهور، ولكن السادة المحترمين في النظام البوليسي الفاشي لم يخجلوا من أنفسهم، واستخرجوا البطاقة النيابية للفائز بالتزوير، وفتحوا له صفحات صحفهم وشاشات تليفزيوناتهم، ليدافع عن التزوير الفاضح المتبجح، وليصنع من نفسه شهيدًا!.

 

منذ ذلك الحين في عام 2005م لم يجد النظام البوليسي الفاشل غضاضة في التزوير الفاضح الوقح، فزوَّر الانتخابات التكميلية لصالحه- "عيني عينك"-، وزوَّر انتخابات المحليات، ودخل بكل قوة علنًا أو من وراء ستار؛ ليزوِّر انتخابات النقابات؛ ليأتي برجاله وأبواقه، والنقابة التي تستعصي يفرض عليها الحراسة.. وعرف الناس أن حكاية الانتخابات مجرد مسرحية هزلية سخيفة غير جيدة الإخراج والتمثيل، فلم يعد النظام البوليسي الفاشي محتاجًا إلى حبكة فنية، وإبهار مسرحي، أو تقنيات تجعل المشاهد توهم أن ما يجري على خشبة المسرح حقيقة أو بعضًا من الحقيقة، فقد اعتصم بذراعه الفولاذية وعصاه الغليظة، والويل لمن يأخذ مسألة الانتخابات مأخذ الجد!.

 

ففي انتخابات مجلس الشورى الأخيرة قامت الشرطة بما طُلب منها على الوجه الأكمل؛ ضرب واعتقال وإطلاق نار وتزوير علني فاضح، واللجنة التي لا تتناغم مع ما يُطلب منها عند وضع الأوراق المزورة أو عند الفرز؛ يُطرد أعضاؤها أو رؤساؤها بالقوة، ومع السلامة يا روح....، فهناك دائمًا من هو جاهز للتوقيع، والحصول على البركة والمكافأة!.

 

قال ضابط بمنتهى الصراحة وعلو الصوت: "هما ولاد ال.....عايزين يحكموا البلد؟!".

 

والعبارة التي تحمل كلمة سب بذيئة والموجهة للمعارضين تلخِّص فلسفة النظام البوليسي الفاشي بكل دقة، وتقول لمن لا يرى جيدًا: ها هي فلسفة النظام، إنها لن تسمح لأحد من غير أعوانه من المنتفعين به، والذين يتمرغون في خيراته (هي في الحقيقة خيرات الشعب البائس وعرقه المستباح!)، والذين يتاجرون بأقواته ويحتكرون البضائع، ويطعمونه اللحم المسموم، والقمح الفاسد، والغذاء المغشوش، وينهبون أراضيه، ويسرقون إنتاجه بالقانون.. هؤلاء وحدهم الذين يُسمح لهم بالحكم والفوز في الانتخابات المزورة.

 

أبناء السلطة البوليسية الفاشية أو أبناء الهانم؛ هم الأحق بالحكم والخيرات، أما المعارضون فهم أبناء الجارية الذين لا يستحقون إلا الكرباج..

 

ستجد بالطبع من أبواق النظام من هم على استعداد لبيع آبائهم وأمهاتهم، من يمتدحون ديمقراطية النظام البوليسي الذي يطعمهم ويسقيهم، ويهاجمون أبناء الجارية الذين لم يستطيعوا كسب مئات الآلاف من الأصوات في الدائرة الواحدة، مثلما حصل واحد من أبناء الهانم، وينتمي إلى مجلس الوزراء، راح يفاخر بانتمائه إلى النظام البوليسي الفاشي، ويرى أن لا تعارض بين دخوله الانتخابات المزورة وواجبه الديني الذي يفرضه عليه منصبه، ونسي أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يعدد أكبر الكبائر، وكان متكئًا، فجلس وقال: "ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور!"، وفي رواية أخرى: "وشهادة الزور!" ماذا سيقول الوزير لربه عن الانتخابات المزورة؟

 

ثم ماذا سيقول له وقد حظي كما قال المزورون بمئات الألوف من الأصوات، وهو يعلم أن أفضل لجنة لم يزد عدد المصوتين فيها عن 50 مواطنًا؟

 

في إحدى القرى ذهب 6 أشخاص منهم سيدتان إلى لجنة عدد ناخبيها لا يقل عن 1500 صوت! وقس على ذلك بقية لجان مصر التي لم يذهب إليها أحد! أو ذهب إليها نفر قليل لا يمكن أن يكتمل منهم 2000 في الدائرة بأكملها.

 

لقد منحت السلطة 4 مقاعد مكافأة لبعض الأحزاب الورقية، وسخر الناس من الصفقة أو المنحة التي منحتها لهذه الأحزاب التي رضيت عنها، وفي الوقت نفسه تخلَّصت من بعض الموالين لها في الدوائر الأربع التي منحتها للأحزاب الورقية، كما نجح المرشحون الطائفيون جميعًا؛ نجاحًا ساحقًا على غير العادة، وقال تاجر الخردة والحديد الذي يحكم حزب السلطة إنه "وعد فأوفى".. والوعد كان عدم تمكين المستقلين الذين يعرفهم الناس باسم الإخوان المسلمين من الفوز بأي مقعد، في انتخابات قال عنها رئيس الجمهورية إنها ستكون نزيهة وشفافة.. ولم تكن نزيهة ولا شفافة.

 

تمنيت أن تكون السلطة البوليسية الفاشية الفاشلة لديها بعض الشجاعة، فتعلن أنها لن تجري انتخابات أبدًا، وأنها ستعيِّن الأعضاء الذين تريدهم، بل إنها ليست في حاجة إلى أعضاء من الأساس، لأنها تعلم ما هي مصلحة الشعب، وسبق أن ذكر رئيس الوزراء الحالي أن الشعب المصري غير ناضج (؟)؛ ما يعني أنه هو وبقية الركب المفدى من أهل السلطة أعرف بما يحتاجه الشعب البائس غير الناضج!.

 

إن إعلان الحكم الشمولي الصريح هو الخطوة الطبيعية التي يجب أن تعقب الانتخابات المزورة، غير النزيهة، غير الشفافة، لتريح السلطة البوليسية الفاشية الفاشلة نفسها، ولتكون أكثر اتساقًا مع ذاتها.. أما أن تعلن عن ديمقراطية لا وجود لها في أرض الواقع، وتريد من الناس أن يروها بريئة وصادقة، فهذا هو التناقض الذي يضعها في أسوأ مكان في التاريخ، ولن ينجيها أمام الله.

 

إن إلغاء الانتخابات وإقامة حكم شمولي صريح سوف يوفر كثيرًا من أموال الشعب المظلوم، وستكون الحكومة مستحقة لشعب يستحقها، فهو شعب قاصر وغير ناضج كما قال رئيس الوزراء، لم يصل نضجه مثلاً إلى مستوى شعب قيرغيزيا الذي انتفض مرتين في خمس سنوات؛ ضد حكامه حتى لو كان القيرغيز قد حركهم الأمريكان، المهم أنهم ناضجون، وقد تحركوا وغيروا وأتوا بحكومة تستحقهم ويستحقونها.

 

إن مقولة الضابط "ولاد ال...... عايزين يحكموا البلد؟" مقولة صحيحة بمنطق السلطة البوليسية الفاشية، فهؤلاء الأولاد لم يسرقوا ولم ينهبوا ولم يفسدوا ولم يجعلوا ولاءهم لغير الله؛ لذا لا يستحقون الوصول إلى كراسي الحكم، ويجب أن يكون الكرباج هو الوسيلة الوحيدة التي تتعامل بها السلطة معهم، فهم غير ناضجين!.

 

في الكيان النازي اليهودي الغاصب على أرض فلسطين المحتلة، لا يزوّرون الانتخابات، ولا يوجد إشراف قضائي هناك، ومع ذلك لا يشكو أحدٌ من التزوير، ولا يتَّهم لجان الانتخابات، ولا يُضرب الناخبون، ولا يُطرد رؤساء اللجان أو أعضاؤها، ومن الطبيعي أن يفوز المعارض النازي اليهودي الغاصب ويخسر الحاكم النازي اليهودي الغاصب، ويتداول الطرفان الحكم والمعارضة دون مشكلات أو حساسيات.. فقد اتفقا على نظام عام وأسس عامة، ولا يوجد بين اليهود الغزاة أبناء هانم، ولا أبناء جارية؛ ولذا يعملون وينتجون، ويحاربون وينتصرون، ويفرضون إيراداتهم على أنظمتنا الخائبة الفاشلة، ويضعون حذاءهم العسكري على رقاب الجميع!!.

 

أيها الخُيّاب الفاشلون:

نتمنى أن تنجحوا في حل مشكلة واحدة، بطريقة تحفظ إنسانية المصريين وكرامتهم، مثل توفير الخبز، أو التغلب على مضاعفات مشكلة النظافة في المدن الكبرى والقرى؛ لنلتمس لكم العذر في تسلطكم واستبدادكم وجبروتكم.

 

إن العصا الغليظة والقبضة الفولاذية أبعد عن حمايتكم واستمراركم؛ لأنكم تقننون العنف والشر، وتوقدون نار الإرهاب والفوضى، وكل الدلائل تشير إلى أنكم ستحرقون وطنًا بأكمله، وساعتها لن تفلتوا من قبضة الله ولا من التاريخ.  

-----------

* [email protected]