رسالة من أ. د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسوله ومَن والاه.. وبعد؛ فتمر الأفراد والأمم في حياتهم بصعابٍ شديدةٍ وتواجههم عقبات عسيرة، وهناك مَن يستسلم أمام الصعاب، ويقعد عن العمل في مواجهة العقبات، ولكن علَّمتنا سير الهداة المصلحين من الأنبياء والمرسلين ومَن سار على دربهم من المؤمنين الموقنين أنه باليقين الراسخ والأمل الواثق والعمل المتواصل تتحقق الأحلام وتتقدم الأمم، وتستطيع الأمة الناهضة أن تجد لنفسها مكانًا بين الأمم.

 

لقد واجه رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الميامين في سيرتهم العطرة، في مكة قبل الهجرة، وفي المدينة المنورة بعد إقامة الدولة سائر الصعوبات وكافة العقبات، ولكنهم- بقيادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم- استطاعوا في عقدين من الزمان تحدِّي كل الصعاب وتخطِّي كافة العقبات، وانتشرت دعوة الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب وبعد وفاته إلى سائر أرجاء المعمورة المعروفة في ذلك الزمان.. وصدق الله العظيم؛ حيث يقول: ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾ (إبراهيم)، وها هو نبي الله يعقوب عليه السلام يقول لبنيه بعد فقد ولديه الواحد إثر الآخر ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 86).

 

إنه اليقين بالله تعالى، الذي يملأ قلب النبي الكريم ابن الكريم، أنه سيلتقي بولديه، ولكنه يطلب من أولاده أن يتسلحوا مع اليقين بالأمل والعمل فيقول لهم: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(87)﴾ (يوسف).

 

وكان يعقوب عليه السلام يسير على درب هاجر- رضي الله عنها- أم إسماعيل عليه السلام التي أعلنت حين مغادرة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام للمكان الذي تركهما فيه، أرض جرداء ليس فيها بشر ولا غذاء، "آلله آمرك بهذا" فقال: "نعم"، فقالت: "إذن لن يضيعنا الله".

 

وعندما نفد زادها وزاد رضيعها لم تقعد في انتظار الفرج الذي تتيقن منه، وتملأ الثقة بالله قلبها في تحققه، بل قامت وتحركت وبذلت جهدها في سعي متكررٍ لسبعة أشواط بين الصفا والمروة؛ أخذًا بالأسباب وتلبيةً لنداء الفطرة الذي يمنع من القعود واليأس.

 

وهذا ما فعله رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ استجابةً لأمر الله تعالى، فقد ملأ اليقين قلبه بالثقة بالله تعالى، ولم يغادر الأمل نفسه في تحقق وعد الله له، فانطلق بدعوته المباركة في ربوع مكة ثم انطلق إلى الطائف، وتجوَّل في موسم الحج بعرض نفسه على الوفود من كافة القبائل العربية، وكانت خاتمة المطاف بالهجرة إلى المدينة المنورة لتنتصر دعوة الإسلام ويعود الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة فاتحًا منتصرًا متواضعًا خاضعًا لله تعالى مسلمًا له بالفضل التام.

 

- إنه اليقين الذي لا يتزعزع ثقةً في الله تعالى.

- إنه الأمل المتجدد الذي لا يغيب عن نفس المؤمن.

- إنه العمل المتواصل والحركة المنضبطة التي لا تتوقف نحو الهدف.

- إنه الاستمرار ومواصلة المسير بنفس طويل حتى تتحقق الآمال.

 

إننا في هذا العصر في مواجهة تلك الظروف التي يريد البعض أن يرسل إلينا رسالة يأس وإحباط سواء على المستوى الدولي أو في قضية فلسطين أو في بلدنا مصر؛ نقول بكل ثقة: لا مجال لليأس عندنا، ولن نقعد، ولن نتراجع، سنظل واثقين في وعد الله للمؤمنين، موقنين بصدق موعود الله للمجاهدين، مواصلين السعي نحو هدفنا في استعادةِ حرية شعوبنا واستقلال بلادنا وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية العادلة لمواطنينا على أساس الإسلام الحنيف.

 

يريد العدو الصهيوني، ومن ورائه أمريكا وأوروبا، أن يقول للمحاصرين في غزة منذ 4 سنوات، وللفلسطينيين تحت الاحتلال منذ 60 سنة أنه لا أمل، وحاولوا بكافة الطرق زرع اليأس في نفوس وقلوب كافة المؤمنين بالحق العادل للفلسطينيين، وفشلوا في كل ذلك، وجاءت بشارة الثقة في وعد الله من حيث لا يحتسب الجميع ومن طريق لا يتوقعه أحد.

 

اشتدَّ الحصار وتمَّ بناء جدار فولاذي تحت الأرض بإيعاز وعون أمريكا لإحكام الحصار بسد منافذ الحياة التي مثلتها شرايين الحياة في الأنفاق تحت الأرض، ووقَّعت أمريكا- نيابةً عن مصر- اتفاقًا إستراتيجيًّا مع العدو الصهيوني لإحكام الحصار البحري، وتحكُّم العدو في المعابر جميعًا بما فيه معبر رفح البري الذي يجب أن يكون تحت السيطرة المصرية الكاملة، وأن يكون مفتوحًا باستمرار.

 

وإذا بقوافل أساطيل الحرية تتواصل عبر البحار، وإذا بأبطال أفذاذ يخترقون الحصار ممثلين لشعوب أكثر من 40 دولةً من المسلمين والمسيحيين واليهود، وبينهم نواب شجعان ونساء وأطفال وشيوخ، من فلسطين المحتلة ودول عربية وإسلامية، وكافة أنحاء أوروبا وغيرها لتعلن عن الثقة واليقين بقرب زوال الحصار وإنهاء الاحتلال، في سعي موصول متكرر وجهد مشكور لم يتوقف، وأمل لم تبدِّده كافة محاولات العدو الماكر، ورغم الدماء الطاهرة التي أُريقت على ظهر السفينة "مرمرة"، والاعتقال الذي تمَّ لمئات الناشطين، لم يتوقف إصرار الناشطين على كسر الحصار الظالم الذي يجوع ويحاصر 1.5 مليون إنسان وحوَّل قطاع غزة إلى سجنٍ كبير، وتبع ذلك أيضًا وبشجاعة وإصرار الأحرار السفينة راتشيل كوري "الأيرلندية".

 

وفي مصر هنا إصرار متكرر على تزوير إرادة الناخبين ومنع الشعب من التصويت الحر النزيه في صناديق شفافة بإشرافٍ قضائي تام لاختيار ممثلين في مجلس الشعب والشورى والمجالس المحلية، هذه رسالة يأس وإحباط تريد القلة الحاكمة أن توصلها للجميع: أنه لا أملَ ولا طريقَ، ولا بد من الاستسلام التام لهذه القلة التي تتصور أنها قادرة منفردة على رسم مصير الوطن بأكمله، وحجب كل القوى الحية الفاعلة عن المشاركة.

 

ونقول بصوت الشعب القوي في مواجهة تلك الرسالة:

- نحن نحمل رسالة اليقين والثقة بالله تعالى وموعوده للعاملين المجاهدين.

 

- نحن نحمل رسالة الأمل الواثق في انتصار إرادة الشعب ضد الظلم والاستبداد والطغيان والفساد.

 

- نحن نحمل رسالة العمل المتواصل في إطار الدستور والقانون وبنضال دستوري سلمي؛ حتى تتحقق آمال المصريين جميعًا في نظامٍ سياسي ديمقراطي، نتوصل به إلى تداول سلمي على السلطة بين القوى والأحزاب السياسية بإرادة الأمة الحرة، فالأمة يجب أن تكون حقًا مصدر السلطة.

 

والله أكبر ولله الحمد.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..