يحزُّ في نفسي كثيرًا فراق علمائنا، الذين يودِّعوننا يومًا بعد يوم، واحدًا بعد الآخر، إلى عالم الحق والبقاء، فأشعر بأن الحمل يزداد على العلماء الذين يستبشرون بهم من خلفهم، فرحيل الرواحل لا يزيد الكواهل إلا حملاً، ولا يترك في القلب إلا أسفًا وهمًّا.

 

ورحيل الفقيه العالم العامل الداعية المصلح المجاهد الأستاذ الدكتور أحمد العسال- وهو جديرٌ بهذه الألقاب التي يكفي بعضها لاستنزال رضا الله تعالى- بعد رحيل العلاَّمة المحقق المدقِّق الأستاذ الدكتور عبد العظيم الديب، بعد رحيل الداعية السائح المصلح الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم؛ إنما يقلِّل من وجود الأثبات في ساحة العلم والعمل والدعوة والجهاد، ويترك الأدعياء والأشباه يمتدون في فراغهم.

 

وقد ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرَّم وجهه أنه قال: "إذا مات العالِمُ انثلَم في الإسلام ثلمة لا يسدُها شيءٌ إلى يوم القيامة" (رواه الزبير بن بكار من قول علي معضلاً، وله شواهد).

 

وروى الطبراني عن أبي الدرداء رفعه: "موت العالم مصيبة لا تُجبر، وثلمة لا تسدُّ، وموت قبيلة أيسر من موت عالم، وهو نجم طمس".

 

وثبت في صحيح الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ (الرعد: من الآية 41) قال: "موت علمائها وفقهائها".. إنهم الحرَّاس على أطراف الأرض، المرابطون على ثغورها، الحارسون لها من الشانئين والمتربِّصين، حتى إذا اختارهم الله إلى جواره، تكالب المتكالبون على الملَّة، وثلم في دين الإسلام ثلمة، وانتقصت الأرض من أطرافها.

 

رحل أحمد العسال بعدما أسَّس المؤسسات، وأنشأ الكليات، ورسَّخ المبادئ، ونشر العلم، وألَّف المناهج، وبذَر البذور؛ فأثمرت أجيالاً ينشدها الإسلام في شتَّى بقاع الأرض؛ تعجب الزرَّاع، ويغيظ بهم الكفار!.

 

لم يُعرف أحمد العسال بأنه فقيهٌ أو مفتٍ، رغم كونه فقيهًا متمكنًا؛ وذلك لفرط تواضعه، وإنكاره لذاته، وهو الذي تخرَّج في كلية الشريعة بجامعة الأزهر الأنور.

 

لم يمهله القدر إلى أن يتمَّ تكريمه ضمن المشروع الذي يقوم عليه الأستاذ صلاح عبد المقصود- شكر الله سعيه ووفاءه- بل حُمَّ القضاء ليتمَّ تكريمه بين أرواح الشهداء تطير في حواصل طير خضر في جنان الخلد بإذن الله.

 

ووفاءً مني لهذا العالم الزاهد أقدِّم مع هذا المقال كتابًا نادرًا، أحسب أنه ليس بين يدي أحد اليوم إلا القليل، صنَّفه هو وشقيق روحه ورفيق دربه وزميل عمره في الدراسة والسكن والدعوة والمحنة شيخنا العلاَّمة د. يوسف القرضاوي، وهما في شرخ الشباب، وهو كتاب: "الإسلام.. بين شبهات الضالين وأكاذيب المفترين"، الذي جاء ردًّا على افتراءات لفَّقها شيوعيو العراق فيما عُرف باسم: "الكراسة الرمادية"، يجد القارئ الكريم تفصيلاتها في مقدمة الكتاب، عسى أن يغفر الله لنا تقصيرنا نحو علمائنا ويعفو عنا.

 

اللهم ارحم العسال، وأحسن وفادته عليك، واخلفنا والأمة فيه خيرًا، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.. آمين.. آمين.

حمِّل الكتاب من هنا

 

للتحميل اضغط على الرابط "كليك يمين" واختر (save target as)