الصورة غير متاحة

 د. كامل عبد الفتاح

ترجع صلة الإخوان المسلمين بضباط الجيش إلى بداية الحرب العالمية الثانية؛ حيث كان عزيز المصري شخصية محورية، التفت حولها جماعات من الجيش والإخوان والبوليس، ووجدت كل منها في الأخرى سندًا في النضال ضد الإنجليز، وساهم في إقامة علاقة بين الإخوان المسلمين ومجموعة من صغار الضباط الساخطين على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، كما تودد إلى جماعة "مصر الفتاة"، وسعى إلى توحيدها مع الإخوان.

 

أما أنور السادات فقد تعرَّف على حسن البنا عام 1940م، إلا أنه لم ينضم لجماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك قام المرشد حسن البنا بالتمهيد لاتصال أنور السادات بعزيز المصري فاتفقا على أنَّ خلاص البلاد لن يتأتى تحقيقه إلا بانقلابٍ يتم على يد العسكريين، وموقف البنا يدل على أن الإخوان كانوا يتعاونون مع الضباط وإن لم يكونوا من الإخوان.

 

ثم تطورت علاقة عزيز المصري بالسادات فاشتركا معًا في محاولة الاتصال بثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، وكان يقود طائرة عزيز المصري كلٌّ من عبد المنعم عبد الرءوف وحسين ذو الفقار، ولكن المهمة لم تنجح، وبعد القبض على السادات عام 1942م- بسبب ميله للألمان- أصبح عبد المنعم عبد الرءوف ضابط الاتصال الأساسي بين الجيش والإخوان، ثم أصبح عضوًا عاملاً بالجماعة، وكان يدعو ضباط الجيش إلى الانضمام للإخوان ويعرّفهم دائمًا بالصاغ محمود لبيب، ثم حدث اللقاء بين جمال عبد الناصر ومحمود لبيب في عام 1944م.

 

وفي عام 1945م انضم للإخوان كلٌّ من جمال عبد الناصر، وكمال الدين حسين، وعبد اللطيف البغدادي، وحسن إبراهيم، وخالد محيي الدين، واستطاع عبد المنعم عبد الرءوف أن يُكَوِّن أسرةً من الضباط من جمال عبد الناصر، وصلاح خليفة، وحسين حمودة، وخالد محيي الدين، وكمال الدين حسين، وعبد الحكيم عامر، وسعد توفيق، وأدَّى هؤلاء البيعة أمام صالح عشماوي، واستقبلهم عبد الرحمن السندي المسئول عن النظام الخاص للإخوان المسلمين وهنَّأهم بالبيعة.

 

بعد ذلك أصبح كلٌّ من جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين عضوين في النظام الخاص، وانضم إليهم خالد محيي الدين، وحسين حمودة، وصلاح خليفة، وحسن إبراهيم، وعبد اللطيف البغدادي، وحسين الشافعي، ثم تقرَّب عبد الناصر من الصاغ محمود لبيب "المسئول عن خلية الضباط" حتى تسلَّم منه- قبل موته- مذكرةً بأسماء الضباط ونقود الاشتراكات، وكان يرى أن السندي لا يستطيع أن يجمع الضباط على الفكرة الإسلامية.

 

وقد ذكر الصاغ صلاح شادي أن عبد الناصر بدأ منذ عام 1946م في تحويل ولاء الضباط له، وفصل الحركة داخل الجيش عن الإخوان المسلمين، واتجه إلى ضم أكبر عددٍ من الضباط إلى الحركة، بصرف النظر عن فكرهم وأخلاقهم، لكن على العكس من ذلك ذكر عبد المنعم عبد الرءوف أن جمال عبد الناصر في عام 1947م نشط في تكتيل الضباط حول دعوة الإخوان المسلمين، فهو الذي دعا الصاغ معروف الحضري، والصاغ مجدي حسين، وكان يدفع الاشتراكات عمن دعاهم".

 

 الصورة غير متاحة

جمال عبد الناصر يتوسط الشيخ فرغلي والأستاذ أبو النصر

وبالجمع بين الروايتين نستنتج أن عبد الناصر كان ينشط في دعوة الضباط، وجعل ولائهم الحقيقي له مع إبداء ولاء ظاهري للإخوان، حتى يصرف نظرهم عن تنظيمه الخاص؛ لذا قام بدفع اشتراكات بعض الضباط للجماعة، وادَّعى أن الجماعة تريد أن تستخدم الضباط لمصلحتها الذاتية وليس لمصلحة الوطن.

 

وقبيل أحداث حرب فلسطين 1948م بدأت صلات جديدة بين الضباط وقيادة الجماعة، كما نشأت صلات أخرى بين الضباط وبين أمين الحسيني (مفتي فلسطين) وبينهم وبين الجامعة العربية؛ حيث كان الهدف منها تكوين تنظيمات وتشكيلات مسلحة وتدريبها وإمدادها بكل ما تحتاج إليه من خبرة وسلاح.

 

واشترك كلٌّ من جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف وكمال الدين حسين وصلاح سالم في تدريب الإخوان المسلمين على القتال في ضواحي القاهرة؛ استعدادًا للسفر لقتال اليهود في فلسطين.

 

كان للإخوان دور بارز في حرب فلسطين باستخدامهم أسلوب حرب العصابات ضد اليهود؛ فنقلوا المؤن إلي المحاصرين في الفالوجا، وفي القاهرة شاركت الجماعة مع الآخرين في الضغط على الحكومة المصرية من أجل إرسال المزيد من المتطوعين لفك الحصار عن القوة المطوقة، فرفض النقراشي ولم يتم فك الحصار إلا في فبراير 1949م بعد توقيع اتفاقية الهدنة، وكان عبد الناصر أحد أفراد القوة المحاصرة، وفي أثناء ذلك قدَّم عبد الرحمن عمار "وكيل الداخلية" مذكرةً تفصيليةً طلب فيها حل جماعة الإخوان المسلمين وجميع شعبها، متهمًا إياهم بأنهم وراء حوادث العنف المتعددة التي حدثت في مصر في الفترة من عام 1942م حتى عام 1948م.

 

ثم صدر الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948م في الثامن من ديسمبر 1948م بحل جماعة الإخوان المسلمين وجميع شعبها تنفيذًا لضغوط السفارة البريطانية على الحكومة المصرية، وأكد ذلك شمس الدين الشناوي المحامي في مرافعته في قضية "السيارة الجيب" حينما سلَّم وثيقةً عبارة عن ردٍّ من القيادة البريطانية في الشرق الأوسط على إشارةٍ وردت إليها من السفارة البريطانية جاء فيها "لقد أُخطرت هذه القيادة رسميًّا بأن خطوات دبلوماسية ستُتَخذ لإقناع السلطات المصرية بحل جماعة الإخوان المسلمين".

 

وبالرغم من حل جماعة الإخوان فقد خيرهم قائد الجيش فؤاد صادق بين الاستمرار في القتال أو العودة إلى مصر، فآثروا البقاء دفاعًا عن حق الفلسطينيين، وحمايةً لحدود مصر، ولحاجة الجيش المصري إليهم.

 

 الصورة غير متاحة

 الإمام الشهيد حسن البنا

كما حثهم حسن البنا في خطابٍ له بالتمسك بالمقاومة حتى لا يستفيد الإنجليز واليهود من الفتنة، لكن قامت الحكومة المصرية بترحيل الإخوان بعد قتل النقراشي "رئيس الوزراء" على يد الإخواني عبد المجيد أحمد حسن، ورغم أن الإمام البنا استنكر الحادث، فقد تبع قتل النقراشي تعرض الإخوان لحملة إرهاب حكومي شديدة، وتم اعتقال المنتسبين للجماعة عدا حسن البنا الذي تم اغتياله في مساء 12 فبراير 1949م، وأشارت أصابع الاتهام إلى الحكومة برئاسة إبراهيم عبد الهادي.

 

كان لتلك الأحداث الأثر المباشر في ابتعاد الضباط عن الاتصال بالإخوان، لكن تنظيمهم استمر محتفظًا بكيانه تحت قيادة عبد المنعم عبد الرءوف، وعندما تولى حسين سري الوزارة بعد الاستقالة الإجبارية لإبراهيم عبد الهادي، خف الضغط عن الإخوان وبدأ الإفراج عن المعتقلين، فاتصل صلاح سالم بالإخوان المسلمين أواخر عام 1949م، وأعلن عن رغبة الضباط في عودة التعاون مع الإخوان فوافقوا، وكان محمود لبيب قد اقترح استبدال اسم الضباط الأحرار باسم الضباط الإخوان، حتى يبعد تنظيمهم عن أعين الحكومة.

 

وبعد وفاة محمود لبيب شرع عبد الناصر في إبعاد تنظيم الضباط تدريجيًّا عن الإخوان، وبدأ بتكوين الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار من ستة ضباط هم: جمال عبد الناصر، وعبد المنعم عبد الرءوف، وعبد الحكيم عامر، ممثلين عن المشاة، وحسن إبراهيم ممثلاً عن الطيران، وكمال الدين حسين ممثلاً للمدفعية، وخالد محيي الدين عن المدرعات- سلاح الفرسان- على أن تبقى الحركة داخل الجيش غير مرتبطة بالإخوان المسلمين.

 

 الصورة غير متاحة

صورة تجمع قادة الضباط الأحرار

جمع عبد الناصر الضباط على اختلاف انتماءاتهم دون التزامٍ بشروط الإخوان، وكان شرطه الوحيد الشجاعة والكتمان والإيمان بفكرة التغيير، وكانت رؤيته أنه يريد عمل انقلاب ولا يستطيع تجميع الضباط حول مبادىء الإخوان، فقد رغب الإخوان في تكوين مجموعة متجانسة من الضباط تتفق في الهدف، وتتحد في الاعتقاد والسلوك والوسائل، وتنبع أفكارهم من عقيدة وأيديولوجية واحدة وإن طالت فترة الإعداد، على عكس عبد الناصر الذي رأى أن أسلوب الإخوان يؤخر الثورة؛ لذا جمع الضباط على اختلاف اتجاهاتهم رغبةً منه في الإسراع بالثورة، وعندما طلب عبد المنعم عبد الرءوف أن تقوم صلة بين الضباط الأحرار والإخوان رحَّب عبد الناصر بهذه الصلة على أن يظل للضباط الأحرار شخصيتهم المستقلة وتفكيرهم الخاص، فقد خاف من خطر ازدواج الولاء داخل التنظيم فقرر الإخوان عدم التعرض لهم مع عدم التورط معهم، لكن عبد المنعم عبد الرءوف حاول احتواء تنظيم الضباط الأحرار داخل جماعة الإخوان، فأصدر عبد الناصر قرارًا بفصله من الهيئة التأسيسية وإن استمر عضوًا بالتنظيم.

 

لكن ذلك لم يمنع التعاون بين الضباط الأحرار والإخوان، ففي أثناء الكفاح المسلح في قناة السويس 1951م قام الضباط الأحرار بتسليح وتدريب المتطوعين الإخوان، فاختار عبد الناصر الصاغ مجدي حسنين لتدريبهم على استخدام الأسلحة، وكان صلاح سالم يشتري لهم الأسلحة من العريش، واشترك الضباط مع الإخوان في عدة عمليات عسكرية ضد الإنجليز.

----------------

أهم المراجع:

1- أحمد حمروش "أحد الضباط الأحرار": ثورة 23 يوليو، المجلد الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1993م.

 

2- أنور السادات: البحث عن الذات، الطبعة الثانية، المكتب المصري الحديث، أكتوبر1978م.

 

3- حسن دوح: لمحات من جهاد الشباب المسلم، دار الاعتصام، القاهرة، 1979م

 

4- حسين أحمد حمودة: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون، ط2، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1987م.

 

5- خالد محيي الدين: الآن أتكلم، الطبعة الأولى، الأهرام للطبع والنشر، 1992م.

 

6- ريتشارد ميتشيل: الإخوان المسلمون،  ترجمة عبد السلام رضوان، ط2، مكتبة مدبولي، 1985م.

 

7- سامي جوهر: الصامتون يتكلمون.. عبد الناصر ومذبحة الإخوان، ط6، المكتب المصري الحديث، مارس1976م.

 

8- صالح الورداني: الحركة الإسلامية في مصر الواقع والتحديات، الطبعة الأولى، دار الكلمة 2000م.

 

9- صلاح نصر: مذكرات بعنوان ثورة يوليو بين المسير المصير، مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر1980م.

 

10- عبد المنعم عبد الرؤوف: مذكرات بعنوان أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، ط1، الزهراء للإعلام العربي، 1988م.

 

11- فريد عبد الخالق: الإخوان المسلمون في ميزان الحق، ط1، الأهرام للطبع والنشر،1992م.

 

12-  فهمي أبو غدير: قضينا آخر ما كتب الإمام الشهيد قبل اغتياله، ط1، بدون ناشر 1978م.

 

13- كامل الشريف: المقاومة السرية في قناة السويس، ط3، دار الوفاء المنصورة، 1987م.

 

14- محسن محمد: من قتل حسن البنا، دار الشروق، القاهرة، 1987م.

 

15- محمد الطويل: لعبة الأمم وعبد الناصر، الطبعة الأولى، المكتب المصري الحديث، القاهرة 1986م.

 

16-  محمد حامد أبو النصر: حقيقة الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر، ط2، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1988م.

 

17- محمد شوقي زكى: الإخوان المسلمون والمجتمع المصري، بدون تاريخ.

 

18- محمود جامع: عرفت السادات، الطبعة الثانية، المكتب المصري الحديث، يناير1999م.

 

19- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الثالث، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

 

20- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الثاني، دار الدعوة، الإسكندرية، 1981م .

 

21- محمود فوزي: ثوار يوليو يتحدثون، الزهراء للإعلام العربي، ط1، 1988م.

 

-----------------

* باحث في تاريخ الجماعات الإسلامية والمسيحية-

[email protected]