بالرغم من أن مسلسل الجماعة لم يُعرض منه سوى بضع حلقات، إلا أن دلائل السقوط الفني لكاتبه صارت واضحةً، خصوصًا إذا قارنته بفيلم البريء الذي اعتبره من الأعمال الفنية النموذج؛ ولأني لستُ مؤهلاً للحديث عن الجوانب الفنية في العملين فستقتصر مقارنتي على الفكرة، ونمط رسم الشخصيات في كليهما.

 

ففي فيلم البريء والتي تدور أحداثه في حقبة الرئيس السادات نجد مأمور السجن (والذي مثَّله محمود عبد العزيز) شخص سادي يحتقر المعارضين (اليسار طبعًا)، ويعشق إهانتهم وإذلالهم، ويستمتع بتعذيبهم بنفسه، بل وبقتلهم بدم بارد، ويمنح الترقيات لقاتليهم.. والمعارضون سواء أكانوا مفكرين (جميل راتب وصلاح قابيل) أو طلاب الجامعة (ممدوح عبد العليم) هم أبطال نبلاء مخلصون يذوبون عشقًا في الوطن.. يواجهون التعذيب بتحدٍ، ويستقبلون الموت بشجاعة.. أما أفراد الأمن (أحمد زكي، وحسن حسني) فيُبدع وحيد حامد في رسم مدى جهلهم وغشمهم وتفانيهم الأحمق في تنفيذ الأوامر.. وهذا الفيلم يُمَثِّل صرخةً عاليةً وجريئةً في وجه الدولة البوليسية المستبدة، يدين ممارساتها القمعية وتخوينها للمعارضين الشرفاء، وينتصر لقيم الحرية والإنسانية.

 

وبعد مرور ربع قرن على هذا العمل يخرج علينا وحيد حامد بهذا العمل الباهت (مسلسل الجماعة) الذي خانته فيه موهبته وخانه قلمه؛ ليعكس فيه الأدوار بشكلٍ ملفت.. فشخصية طلاب الإخوان صارت أقرب إلى أفراد الأمن في فيلم البريء من حيث الغشم والجهل والتحمس الأحمق المتشنج لتنفيذ أوامر القيادات.. وشخصية ضابط أمن الدولة أقرب إلى المفكر النبيل الذي يمارس وظيفته بهدوء الفلاسفة.. أما قيادات المعارضة في الجماعة فهم نماذج للانتهازية والخسة، يعيشون حياة غامضة مريبة وكأنهم أحد عائلات المافيا في صقلية.. والعجيب أنه بالرغم من فساد نظام مبارك وقمعه واستبداده إلا أن وحيد حامد يمسه مسًا رقيقًا، ويساوي بينه وبين المعارضة في الجُرْمِ في أحد المشاهد التي جاءت في "البرومو" (الحكومة تصنع آلام الناس.. والإخوان والأحزاب يتاجرون بها) هكذا!!.. وأين معارضو فيلم البريء الشرفاء الذين يبذلون الروح راضين من أجل الوطن؟! ذهبوا مع الزمن.

 

وقضية التغير مع الزمن هذه إشكالية تحتاج إلى دراسة لبعض الأقلام المعارضة في مصر، إذ إنه بالرغم من أن النظام المصري في عهد مبارك أكثر خرقًا ومخالفة للرأي والفكر منه في عهد السادات، إلا أن بعض الأقلام التي كانت في طليعة المعارضة كرفعت السعيد، وصلاح عيسى، يبدون مستأنسين بشكل مريب في عهد مبارك.. فأين الذين انتقدوا انفتاح السادات بضراوة من خصخصة عاطف عبيد، ومصمصة أحمد نظيف، واحتكار أحمد عز؟!!.. وأين البريء موديل مبارك والذي شهد عهده من الاعتقالات والتعذيب أضعاف ما كان في عهد السادات؟!

 

هذا الاستئناس لبعض الأقلام القديمة ليس له عندي إلا تفسيران.. أولهما وهو الأسوأ: أنه استجابة لمساومات فردية، ولإغراءات ومكاسب شخصية. وثانيهما وهو الأوقع: أنه بسبب انتقال راية المعارضة وثقلها إلى الإسلاميين مُمَثَّلِينَ في الإخوان؛ ما دفع البعض إلى تغليب المنافسة الحزبية على صالح الوطن، ووضع أيديهم في يد نظام فاقد الشرعية والأهلية والكفاءة والأمانة؛ لمحاربة المدِّ الإسلامي السياسي.