- عبد الحليم قنديل: الفلاح الفصيح أصبح يستخدم الصوت العالي

- د. محمد المهدي: يأس المواطنين من تلبية مطالبهم دفعهم إلى ذلك

- د. حمدي عبد العظيم: تكرارها يتسبب في طرد الاستثمار الأجنبي

 

تحقيق- مي جابر:

أصبحت مشاهد قطع الطرق واحدة من أبرز المشاهد الاحتجاجية في الشارع المصري، لا سيما أن الحكومة لا تسعى لإيجاد حلول لمشاكل المحتجِّين، فبالرغم من قدوم شهر رمضان إلاَّ أن حكومة الحزب الوطني أبت أن تجد مخرجًا لتلك الفئة من الشعب التي وجدت قطع الطريق منفسًا لها.

 

وقد ظهرت أحداث قطع الطرق في الآونة الأخيرة؛ لتصبح أبرز وسائل الاعتراض والتظاهر، وتزايدت في الآونة الأخيرة؛ حيث امتدت أسبابها لتشمل أسباب سياسية مثل تزوير الانتخابات، وأسباب اقتصادية مثل احتجاجات العمال، فضلاً عن حوادث المرور المتكررة على الطرق السريعة؛ ما أصاب الخبراء والمتخصصين الزُّعر من تحولها إلى ظاهرة، حتى لا تؤدِّي إلى انهيار المجتمع بأسره.

 

ورصدت دراسة سابقة صادرة عن المركز القومي للبحوث أن عام 2010م شهد خلال الشهور الخمسة الأولى منه أكثر من 20 حادث قطع طريق؛ بسبب احتجاج الأهالي على قرارات مسئولي الحكومة وحوادث الطرق السريعة التي لقي فيها أشخاص مصرعهم؛ نتيجة قيام سيارات مجهولة بـ"دهس" أحدهم وهروب تلك السيارة؛ ليقوم الأهالي بالتظاهر على الطريق وقطعه وتوقيف سير المواصلات لمدة ساعات طويلة، ما خلَّف العشرات من المصابين نتيجة الاحتكاكات التي قد تحدث من الأهالي والأمن، وتبادل الاعتداءات فيما بينهم.

 

ومن أبرز حوادث قطع الطرق التي وقعت في الآونة الأخيرة، التي كان آخرها أمس؛ حيث شهد الطريق الزراعي‮ ‬السريع مصر إسكندرية ‬تجمهر المئات من المواطنين بقرية سندنهور مركز بنها،‮ ‬بعد مصرع موظف ببنك التنمية والائتمان الزراعي‮ ‬صدمته سيارة مجهولة أثناء قيامه بشراء طعام السحور وعبور الطريق ليلاً، وتعطلت حركة المرور على‮ ‬الطريق أكثر من ساعتين، وقام الأهالي‮ ‬بالجلوس في‮ ‬عرض الطريق وإغلاقه بالحجارة،‮ مطالبين بإنشاء كوبري‮ ‬أو نفق للمشاة.

 

وخرج عمال شركة سالمكو بالعاشر من رمضان على طريق القاهرة الإسماعيلية ومعهم أسرهم؛ احتجاجًا على عدم صرف رواتبهم منذ فبراير الماضي؛ ما أدَّى إلى شلل مروري تام على الطريق استمر ما يقرب من ساعتين، بالإضافة إلى قطع عشرات العاملين بشركة المعدات التليفونية "كويك تل" في وقت سابق، طريق الكورنيش بمنطقة المعصرة بمحافظة حلوان؛ احتجاجًا على ممارسات مسئولي وزارة القوى العاملة والاتحاد العام لنقابات عمال مصر حيال حل مشاكلهم المالية، وعدم صرف مستحقاتهم، الأمر الذي تسبب في إحداث شلل في الحركة المرورية بالكورنيش.

 

كما قام في نفس اليوم أكثر من 50 شخصًا من أهالي سيدتين لقيتا مصرعهما، بعد أن صدمتهما طبيبة على طريق الكورنيش في المعادي؛ احتجاجًا على إخلاء سبيل الطبيبة، وأيضًا احتجاجًا على ما أسموه إهمال رئيس حي مصر القديمة، وقسم الشرطة، المتمثل في عدم وجود خدمات أمنية، وأعمدة إنارة كافية، وتكرار وقوع الحوادث في المنطقة.

 

وكانت أولى عمليات قطع الطريق حدثت عندما تظاهر نحو ١٥٠٠ من أهالي قرية برج البرلس في منتصف عام 2008م، وقطعوا الطريق الساحلي الدولي؛ احتجاجًا على قرار المحافظة بمنع توزيع الدقيق المدعم على البطاقة التموينية.

 

وامتدت هذه الظاهرة لتشمل الاحتجاجات على الممارسات السياسية؛ حيث قام عشرات المواطنين بمدينتي طما وطهطا بسوهاج بقطع طريق القاهرة - أسوان الزراعي، ما بين قريتي الخذندرية وشطورة؛ احتجاجًا على ما أسموه بالممارسات الأمنية ضد مرشحهم لمجلس الشورى لإجباره على التنازل عن الترشح.

 

ومن جانب آخر تحوَّل اعتصام عمال شركة النوبارية للهندسة الزراعية والميكنة أمام مجلس الشعب إلى قطع الطريق أمام مجلس الشعب؛ حيث استلقى العمال المعتصمون في عرض الطريق، وقاموا باعتراض السيارات؛ ما تسبب في توقُّف حركة المرور في شارع مجلس الشعب، وهو ما استدعى تدخل قوات الأمن التي حاولت إبعاد المعتصمين، وتم إخلاء الشارع في النهاية.

 

وفي منشأة ناصر قام الأهالي بقطع الطريق عند مدخل المقطم، وأشعلوا النيران في إطارات الكاوتش، وقُطع الطريق لمدة 5 ساعات كاملة، بعد أن وقعت اشتباكات بين الأهالي والأمن بالأعيرة النارية والرشق بالحجارة؛ بسبب اعتراضهم على قرار نقل الخنازير إلى المجزر الآلي؛ لذبحها، والتي أدَّت إلى إصابة 25 شخصًا من بينهم 4 من ضباط الشرطة.

 

وعلى نفس الصعيد قطع أهالي قريتي "جزيرة محمد و"طناش" على الطريق الدائري في المسافة بين مخرجي الوراق والقومية العربية؛ احتجاجًا على قرار الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء بضم جزء من "جزيرة محمد" و"طناش" لـ 6 أكتوبر بدلاً من الجيزة، وقام الأهالي عقب الخروج من صلاة الجمعة بالجلوس على الطريق الدائري حاملين الفئوس، ومنعوا السيارات من المرور.

 

فيما لجأ أعداد غفيرة من البدو المسلحين إلى قطع طريق (العريش- العوجة) والطرق المؤدية إلى معبر العوجة بوسط سيناء لمدة 3 ساعات؛ احتجاجًا على الحملات الأمنية لضبط الهاربين والمطلوبين ببعض القرى بمركز الحسنة بوسط سيناء.

 

ودفعت أزمة الأحوال السيئة التي عانى منها المتضررون من السيول في جنوب سيناء، إلى قطع نحو ٥٠٠ من بدو رأس سدر الطريق الدولي (رأس سدر- شرم الشيخ)؛ احتجاجًا على نقص المساعدات والمعونات التي كانت تأتي من المحافظة إليهم.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد تكرار هذه الحوادث هو: ما الأسباب التي أدَّت إلى ظهور هذه الظاهرة؟ وإلى أين ستذهب مصر إذا استمر هذا الوضع في الزيادة؟

 

(إخوان أون لاين) قام بطرح هذه التساؤلات على الخبراء والمتخصصين في التحقيق التالي:

 الصورة غير متاحة

 عبد الحليم قنديل

يقول عبد الحليم قنديل المنسق العام لحركة كفاية: إن المجتمع المصري مجتمع مسالم يتعامل مع المشكلات التي تواجهه بطريقة الفلاح الفصيح الذي يلجأ بالشكوى إلى كل المسئولين باختلاف درجاتهم، وإذا لم تأت بنتيجة يتوجه إلى أكبر مسئول في البلد بخطاب يحمل إبداعًا أدبيًا وأخلاقيًا، مؤكدًا أن هذه الطريقة لم تعد تفلح مع المصريين في هذا الزمان؛ ولذلك لجئوا إلى استخدام طُرق أكثر تأثيرًا، مثل الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات وقطع الطرق.

 

ويضيف أن المصريين لجئوا لهذه الطرق عندما وجدوا اللامبالاة والتجاهل من المسئولين الذين انشغلوا بنهب المال العام وتقديم مصالحهم على مصالح المواطنين، مبينًا أن وسيلة قطع الطرق أصبحت تمثِّل ورقة ضغط على النظام السياسي، الذي تحوَّل إلى تشكيل عصابي.

 

وكانت أول عملية قطع طريق حدثت في قرية البرلس التابعة لمحافظة كفر الشيخ؛ بسبب انقطاع المياه عنها ثم انتشار العدوى؛ لتصيب جميع أنحاء الجمهورية على اختلاف قطاعاتها، مشيرًا إلى أن هذه الطريقة استخدمها العمال والمواطنون على حدٍّ سواء، وقد حققت بعض النتائج؛ حيث إن الحكومة قامت بتوصيل المياه إلى قرية البرلس بعد حادثة قطع الطريق.

 

ويؤكد أن جذور الظاهرة ترجع إلى جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية، كما قام أهالي محافظة سوهاج بقطع الطريق؛ بسبب التزوير في انتخابات الشورى الأخيرة، بالإضافة إلى قيام عمال النوبارية بقطع الطريق أمام مجلس الشعب، موضحًا أن ما يجري من تزوير في الانتخابات على جميع مستوياتها أفقد الشعب ثقتهم في ممثليهم المزورين، فهم لا يمثِّلوهم، ولكن يمثلون من أتوا بهم إلى المجالس المحلية والبرلمانية.

 

ويشير إلى أن ما نشهده من قطع المواطنين للطرق بسبب الحوادث التي تحدث على الطرق السريعة، تعود إلى ما تشهده مصر خلال السنوات الأخيرة من مذابح متكررة على الطريق، فعدد الضحايا الذين سقطوا في حوادث طرق يفوق أعداد الشهداء الذين سقطوا في كل الحروب التي خاضتها مصر مجتمعة، مبينًا أن مصر أصبحت الأولى عالميًّا في نسب الموت على الطرق، خاصةً على طريق الصعيد، والطرق المتجهة إلى مدن جنوب سيناء؛ ما أدَّى إلى غضب الأهالي الذي ظهر في شكل قطع الطريق أمام السيارات المتسببة في موت أحب الناس إليهم.

 

وتعزو هذه المشكلات التي نعاني منها، والتي أدَّت إلى ظهور ظاهرة قطع الطرق إلى فساد النظام الحالي، وتضارب سلطات الدولة المختلفة، حتى أصبحت لم تعد قادرةً على إجراء أية إصلاحات، مؤكدًا أن الشعب فقد الثقة في هذا النظام؛ حيث أصبح نظامًا شكليًّا كاريكاتيريًّا لا يقوم بأي دور إلا عند تفاقم الأزمات.

 

ويبدي خوفه من تصاعد حدَّة هذه الصور من الاحتجاجات؛ حيث ستؤدِّي إلى انتشار الفوضى العارمة في البلاد، ما تصيب المجتمع بالانهيار، مبينًا أن صور الفوضى ظهرت بالفعل في المجتمع كانتشار العنف والقتل والانتحار والسرقة، ما ينذر بمستقبل مظلم إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

 

غياب القانون

وعلى الصعيد الاجتماعي يُرجع الدكتور سمير عبد الفتاح "الخبير النفسي والاجتماعي" أسباب تكرار حوادث قطع الطرق في الفترة الأخيرة إلى عدم تطبيق القانون بالسرعة المناسبة، فغياب القانون يدفع المواطنين إلى "جس نبض" الدولة المتمثلة في المسئولين الذين تقاعسوا عن أداء أدوارهم في إعادة الحقوق إلى أصحابها، مؤكدًا أن الثقافة المنتشرة في المجتمع المصري الآن هي "ابن مين في مصر؟" فمن له نفوذ وثروة خارج سيطرة ومحاسبة القانون، ما أفقد عامة الشعب الثقة في الحصول على حقوقهم؛ ليضطرهم ذلك إلى محاولة الحصول عليه بأيديهم.

 

ويؤكد أنه عندما تكون هناك عدالة في التوزيع والمحاسبة، سيؤثر ذلك على استقرار الوضع في البلاد، وستختفي كل أشكال الاحتجاجات المختلفة بما فيها قطع الطرق.

 

ويتابع: "لم تصل مثل هذه الحوادث إلى حجم الظاهرة بعد، فإذا تكرَّرت وأصبحت ظاهرة لن نستطيع السيطرة عليها واحتواءها، ومن ثم ستكون هناك خطورة على جميع المستويات، مثل الأمن القومي والاقتصاد والحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى ضياع العديد من الحقوق".

 

ويطالب بضرورة إعمال القوانين التي تعيد انضباط الأمور، كما يجب أن يقوم كل مسئول بالدور المنوط به، إلى جانب مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في توصيل أصوات المعترضين بدون الإضرار بممتلكات الآخرين.

 

ثقافة الحشد

 الصورة غير متاحة

د. محمد المهدي

وعن الجانب النفسي، يقول الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: إن المواطنين يلجئون إلى قطع الطرق؛ لأنهم يعلمون أن الوسائل المعتادة والقنوات المعروفة لتوصيل أصواتهم إلى المسئولين لن تفيدهم؛ ولذلك يفكرون في استخدام وسائل تعمل على إيصال مطالبهم إلى المسئولين بشكل سريع؛ ليتحركوا لعلاج مشاكلهم، مشيرًا إلى أن المسئولين لم يسمعوا سوى الأصوات العالية.

 

ويستنكر عدم استماع الحكومة لأصوات المواطنين إلا الأصوات العالية، مرجعًا سبب ذلك إلى ضعف حساسيتها بالنسبة للشعب، فالمسئولون يجلسون في مقاعدهم ويعانون من التردد في اتخاذ القرارات التي تخص مشاكل الجماهير، مؤكدًا أن المشاكل لا تُحل إلا بعد شعور المسئولين بالتهديد الأمني، وقتها يبدأ تنتبه جميع السلطات وتتكاتف؛ لتبحث عن علاج سريع ومسكن لهذا التهديد.

 

ويتابع: "يمتلك المسئولون والوزراء الحاليون طبيعة خاصة؛ حيث لا يقومون إلا بعملهم الروتيني اليومي، ولا يتحركون إلا عند تعرض مناصبهم للتهديد، وقد تفهَّم المواطنون تلك الطبيعة؛ ولذلك بدءوا يتصرفون على أساسها، مستخدمين الوسائل التي تتناسب معهم".

 

ويقول: إن الاحتجاج عن طريق قطع الطريق يسمح للمحتجين بالتجمع في مجموعات صغيرة بدون محاصرتهم من قبل قوات الأمن، كما يحدث داخل المدن أو القرى، مبينًا أنهم يعتمدون على ما يسمى بسلوك الحشد، فعندما يتم حشد ما يقرب من 50 شخصًا، يشعر كل فرد بالاطمئنان والأمان وسط المجموعة الكبيرة، فإذا هتف شخص هتف وراءه الجميع حتى لا يعلم رجال الأمن من الذي كان يقود المجموعة.

 

ويشير إلى انتشار شعور انعدام الثقة واليأس بين المواطنين في حصولهم على حقوقهم بالطرق السلمية والقانونية، خاصة في حالات قطع الطرق بسبب حوادث السيارات، فطريق التقاضي والقانون طويل؛ لذلك يفضلون الحصول على حقوقهم بأيديهم، دون انتظار التحقيقات التي قد لا تثبت التهم على الجاني.

 

ويوضح د. المهدي أن حالات التدمير والتخريب التي تظهر في صور عديدة منها قطع الطرق تعود إلى الغضب والاحتقان المكبوت داخل نفوس الشعب المصري؛ نتيجة انتشار الفساد في جميع مجالات الحياة، مضيفًا أن هذا الاحتقان يظهر عند حدوث أية حوادث قد تبدو بسيطة في عيون البعض، ولكن تضخَّمت بسبب تراكم المشكلات.

 

انهيار الاقتصاد

 الصورة غير متاحة

د. حمدي عبد العظيم

وعن التأثير الاقتصادي لهذه الظاهرة يبين الدكتور حمدي عبد العظيم "أستاذ الاقتصاد ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقًا" أن هناك العديد من التأثيرات السلبية التي تؤدِّي إلى خسائر مادية وبشرية، بالإضافة إلى طرد المستثمرين بسبب حالة عدم الاستقرار والتهديد الأمني المستمر، مؤكدًا أن الاقتصاد القومي يتحمل العديد من هذه الخسائر بشكل مباشر وبغير مباشر؛ حيث يتكفل المجتمع بإصلاح الإتلافات وتعويض المتضررين من وراء عمليات التخريب التي تحدث في الاحتجاج من خلال قطع الطرق.

 

ويحمِّل الحكومة مسئولية هذه الخسائر؛ بسبب تقاعسها عن التفاوض مع العمال والمواطنين أصحاب المشاكل، وتبنِّي مطالبهم وتلبيتها والحوار معهم ومناقشتهم؛ لاحتواء الأزمة، وعدم تفاقمها، بدلاً من تكلُّفها خسائر أكبر مما كانت ستتحملها عند تنفيذ مطالب المحتجين.

 

ويعبِّر د. حمدي عبد العظيم عن تخوفه من مستقبل الاقتصاد المصري في حالة تصاعد وتيرة هذه الأشكال من الاحتجاجات بدون تدخل الحكومة لعلاج مشاكل المواطنين؛ حيث سيقل حجم الاستثمارات الأجنبية التي تبعد عن أماكن الاضطرابات.