من حين لآخر تُثار بعض الشبهات حول فكر الإمام حسن البنا- رحمه الله- ودعوة الإخوان المسلمين؛ بُغية إضعافها، ومحاولة تشويه صورتها الذهنية بكل الوسائل والصور المختلفة لدى أبناء الوطن والأمة الإسلامية، وتأتي هذه المحاولات الأخيرة حلقةً ضمن سلسلة متصلة من التشويه عبر التاريخ لم يسلم منها أحد من الأنبياء أو المرسلين أو المصلحين، وما كان قولهم إلا أن قالوا: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾ (هود).

 

فالإصلاح هو رسالتنا ومنهجنا ومهمتنا في الحياة الدنيا إلى أن نلقى الله تعالى دون تبديل أو تغيير أو تفريط، ولقد كان الإمام البنا- رحمه الله- نموذجًا من هؤلاء المصلحين والمجددين لهذا الدين في هذا العصر الحديث؛ مصداقًا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس (كل) مائة سنة مَنْ يجدد لها دينها"، وكان من توفيق الله تعالى للإمام البنا- رحمه الله- أن يضع المعالم الأساسية والأطر العامة لتحقيق المشروع الإصلاحي لدعوة الإخوان المسلمين، والذي سطره- رحمه الله- نظريًّا في رسائله وكتاباته، كما سعى إلى تحقيقه عمليًّا وواقعيًّا من خلال آليات الحركة والتنفيذ المستمرة منذ نشأة الجماعة حتى وقتنا هذا؛ ولذا لزم على كل من يريد أن يتعرف على منهاج دعوة الإخوان المسلمين ومبادئها الأساسية أن يدرس رسائل الإمام البنا- رحمه الله- فهي تمثل الإطار الفكري والحركي لهذه الدعوة المباركة، ولزم عليه أيضًا أن يدرس وثائق الجماعة الممتدة عبر التاريخ التي تحدد مواقفها وسياساتها تجاه القضايا المطروحة، وإزاء هذه المحاولات المستمرة للتشويه وإثارة الشبهات؛ لذا لزم التأكيد على المبادئ والمفاهيم الأساسية التي وضعها الإمام المؤسس- متبعًا فيها هدي الإسلام وتعاليمه السامية- حتى تكون واضحةً لا لبس فيها أو غموض.

 

ومن هذه المبادئ والمفاهيم الأساسية التي عاشتها دعوة الإخوان المسلمين وعملت بها قرابة 80 عامًا:

 

- شمولية الإسلام.

- منهج الإصلاح.

- بين السياسة والدعوة.

- نظام الحكم والموقف من الحكومات.

- التعددية السياسية والحزبية.

- المواطنة والأقليات.

- الموقف من العنف والإرهاب.

- بين الوطنية والقومية.

- الوحدة الإسلامية والكيان الدولي للأمة الإسلامية.

- المشروع الحضاري للأمة الإسلامية.

وبإذن الله تعالى سوف يتم تناول هذه القضايا في سلسلة من المقالات المتوالية بما يحقِّق تكوين رؤية واضحة حول فكر الإمام المؤسس حسن البنا- رحمه الله-، ومنهجه في الدعوة والإصلاح، ونهضة الأمة الإسلامية والله المستعان.

 

أولاً: شمول الإسلام:

من أهم خصائص الإسلام والتي تبناها الإمام الشهيد خاصية الشمول؛ لذلك اتسمت دعوة الإخوان المسلمين بالشمول في جميع نواحي الإصلاح في الأمة، ولم تترك أو تهمل مجالاً من المجالات المنوطة بالإصلاح المنشود، وفي هذا يقول إمامنا الشهيد حسن البنا رحمه الله:
"كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح ٍمخلصٍ غيورٍ يجد فيها أمنيته، والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها".

 

وتستطيع أن تقول- ولا حرج عليك- إن الإخوان المسلمين:

دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وطريقة سُنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسُّنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

 

وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخَلْق، والحب في الله، والارتباط على الخير.

 

وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل، وتعديل النظر إلى صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة، والحرص على قوميته إلى أبعد حد.

 

وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لبدنك عليك حقًّا"، وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تُؤدَى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي.

 

ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة؛ ولأن أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف، ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح.

 

وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعني بتدبير المال وكسبه من وجهه، وهو الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح"، ويقول: "مَن أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفورًا له".

 

وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها، وشفاء الأمة منها.

 

وهكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكلِّ مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعًا، ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعًا"(1).

 

ويحدِّد الإمام البنا- رحمه الله- طبيعة هذه الدعوة، وأنها شاملة لكل الجوانب والمجالات؛ فيقول: "لسنا حزبًا سياسيًّا، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا.. ولسنا جمعية خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا.. ولسنا فرقًا رياضية، وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا.. لسنا شيئًا من هذه التشكيلات، فإنها جميعًا تخلقها غاية موضعية محدودة لمدة معدودة، وقد لا يوحي بتأليفها إلا مجرد الرغبة في تأليف هيئة، والتحلي بالألقاب الإدارية فيها.. ولكننا- أيها الناس- فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ ذلك لأنه نظام رب العالمين، وحكم كتابه المبين، ومنهاج رسوله الأمين"(2).

 

ومن هذه الكلمات المحددة والدقيقة يتضح لنا عدة أمور منها:

* إن هذا الفهم الصحيح الشامل للإسلام ليس ابتداعًا ولكنه اتباع لمنهج القرآن الكريم وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح والتابعون من القيام بأعباء هذا الدين في الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، وإعمار الأرض، وإسعاد البشرية جمعاء.

 

* إن الاجتزاء أو الاختزال في فهم الإسلام بشموله إنما هو قصور في الفكر، وضعف في النفس، وانحراف عن المنهج الإسلامي الأصيل.

 

* إن الإسلام منهج حياة للشعوب والأمم، فهو فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي؛ لأنه نظام رب العالمين، وهدي رسوله الأمين.

 

* شمول فكر الإخوان المسلمين لجميع مناحي الإصلاح دينية أو سياسية أو فكرية أو اقتصادية أو رياضية.. إلخ، فالإسلام ينتظم كل هذه المناحي مجتمعة؛ ليصيغ الشخصية الإسلامية التي تستطيع تحقيق أهدافه ومبادئه وتحولها لواقع ملموس.

 

وبناء على ذلك لزم على كل مسلم ومسلمة التعرُّف على الفهم الصحيح للإسلام، والعمل به دون اجتزاء أو اختزال؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام).

 

نسأل الله العظيم أن يُلهمنا رشدنا، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

------------

* الهوامش:

(1) "رسالة المؤتمر الخامس".

(2) "الإخوان المسلمون تحت راية القرآن".

-------------

** عضو مكتب الإرشاد