أجملُ ما في مسلسل الجماعة- من وجهة نظري- هو عنوانه، فقد ذكَّرَنا برمزٍ إسلاميٍّ جميل؛ فالإسلام هو دين الجماعة،  وفي الحديث الشريف: "عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئبُ من الغنمِ القاصية"، وفي الصلاة نتعلم آداب الجماعة وفضلها، فالمتقدم على الإمام كالمتأخر عنه، كلاهما مخالفٌ؛ لأنه لم يلتزم بالجماعة وإمامها، وحتى البركة في الطعام، نلمسها إذا اجتمعت الأسرة على الطعام، ففي الحديث: "خير الطعام ما اجتمعت عليه الأيادي"، ونفقدها كثيرًا في ظروف الحياة الحديثة: "اسبقوني أنتم، فأنا ما زلتُ على المحور".

 

وأعداء الإسلام يخشون أمرًا واحدًا في ديار الإسلام، ولا يخشون أمرين آخرين: لا يخشون مسلمًا فذًّا عظيمًا، مهما كان عالمًا أو مجاهدًا أو رائدًا، طالما يعمل بمفرده، ولا يخشون جماعةً من المسلمين تعمل بمنهج منحرف حتى لو كان انحرافه قليلاً، فكلا الجهتين: الفرد الفذ والجماعة المعوجة، يسهل احتواؤها، خاصةً وقد أصبح عند الأعداء الكثير من أساليب المكر والخديعة والاستدراج والغواية والإغراء.

 

أما الأمر الذي يخشونه ويحذرونه، ويتوجسون منه، ويجتمعون ضده، فهو أن تقوم في ديار المسلمين جماعةٌ إسلاميةٌ معتدلةٌ، يصعب عليهم احتواؤها، وهذا في ظني ما تحاوله جماعة الإخوان المسلمين، وهذا في رأيي هو سر الهجوم المتواصل؛ الذي يجتمع عليه الصهاينة وأعداء الإسلام من الخارج مع بعض الأطراف من الداخل، ضد الإخوان المسلمين، ثم يتأثر بهذا الهجوم كثيرٌ من الطيبين من أبناء هذا الشعب، ولهم العذر من هذا "الزنِّ" الإعلامي ليل نهار، والتأكيد على هذه الفرية التي ابتدعها المستعمر الغاصب منذ أكثر من قرن، وردَّدها المستبدّ الظالم، وهي فرية فصل الدين عن السياسة، حتى يأمن المستعمر من المقاومة لعدوانه، ويأمن الظالم من الاعتراض على ظلمه.

 

إن من حق أي أحد أن يعترض على الإخوان المسلمين؛ فهم بشر، وهناك وجهات نظر مختلفة، ولكن هذا الاعتراض يجب أن يكون في إطار الاختلاف المحمود بين أبناء الوطن الواحد، وليس العداء المذموم الذي يتزعَّمه ضدهم أساسًا الصهاينة؛ الذين اغتصبوا وطنًا غاليًا على مصر وعلى كل الشعوب العربية والإسلامية.

 

إنني أُكِنُّ للإمام البنا احترامًا؛ لأنه جدَّد من الإسلام شيئين مهمَّين؛ كادا أن يندثرا في وجود الاحتلال الأجنبي لديار المسلمين؛ الأول: معنى الشمول الذي يضع العبادة إلى جانب الأخلاق، والمعاملات إلى جانب الحرية والعزة وجهاد المحتل الغاصب، وأظن أن الإسلام فعلاً قد جاء كلاًّ متكاملاً، يجمع هذه المكارم جميعًا في اتزان وتناسق بديع.

 

والثاني: هو حرصه على العمل من خلال جماعة؛ لأن روح الجماعة تكاد تكون شعيرةً وسمتًا إسلاميًّا عامًّا.

 

إن الخطأ الرئيسي في رأيي الذي وقع فيه الأستاذ وحيد حامد- مع ما بذله من جهد- هو أنه وقع فيما لم يقع فيه الكثيرون ممن اختلفوا مع الإخوان، وهو تشويه صورة مؤسس الدعوة نفسه.

 

إن كثيرين ممن اعترضوا على الإخوان، وأطلقوا عليهم الاتهامات تنديدًا أو ترديدًا، لم يهاجموا البنا.

 

وأختم تدليلاً على ذلك بكلمات للأستاذ صلاح عيسى، وأظنه من المختلفين مع الإخوان، ولكنه كتب في الذكرى الخمسين لاستشهاد البنا في جريدة (الشرق) القطرية في 7/3/1999م، تحت عنوان: "حسن البنا.. لا عنف ولا تزمت"، كتب يقول: "الذين يضعون فأس اتجاهات التيارات الإسلامية في مصر والعالم العربي نحو التزمُّت والعنف في عنق الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذي غاب عن دنيانا في مثل هذه الأيام منذ خمسين عامًا، يُسيئون عن عمدٍ قراءةَ وقائع التاريخ"، وفي باقي المقال تفاصيل شيقة لم أحب الرجوع إليها.

 

وختامًا أكرِّر الشكر للأستاذ وحيد حامد على المعنى الإسلامي الجميل؛ الذي أبرزه في عنوان المسلسل، وحجبه في تفاصيله.

----------

* [email protected]