ما أسهل طرح الأسئلة وما أصعب الإجابة عليها! ولا شك أن السيطرة التي يحظى بها الحزب الوطني- في السيطرة على المقاعد النيابية- ظاهرة بوضوح للقاصي والداني، وذلك حتى يجعل كل التشريعات تحت طوع ويد السلطة الحاكمة في مصر، من خلالها تفعل ما تشاء وقتما تشاء، دون سؤال من أحد ولا حساب، لكن الذي ينغِّص عليهم عيشتهم أن يخرج عليهم الإخوان مثل البلاء الأزرق ويقفوا في (الزور) لأي شيء ضار بالوطن، مهما كلف الإخوان ذلك من تضحيات، غير أن ما سبق كله لا يتجاوز عُشر قيمة النائب في مجلس الشعب، الذي نحن بصدد الحديث عنه، وإذا كان النائب من نواب الحزب الوطني هدفه الأول هو الفوز بإحدى مقاعد المجلس، إذ لا بد وأن يمر أولاً بتقديم الولاء والطاعة وتوزيع الملايين للحزب الوطني، وإلا لن يمر وتكون (وقعة أهله سوداء) ناهيك عن الفضائح التي سوف تلاحقه إذا لم يفعل ذلك وما خفي كان أعظم.

 

أما الإخوان فقد يختلفون تمامًا عما قد قيل، فمن نعم الله علينا أن ترك لنا الاختيار، إما الدنيا بما فيها من لهو ولعب ومتاع، وإما الجنة وبها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ونعيم مقيم، فكان اختيار الإخوان بنزول المجلس الموقر، ما هي إلا تلبية نداء الاستغاثة التي ينادي بها المصلحون من حين لآخر؛ لوقف الخطر الذي قد يلحق بالوطن إذا ما مُرِّر قانون مشبوه أو ما شابهه، فلقد كان موقف الإخوان المسلمين واضحًا للجميع منذ بدء دعوتهم في بداية القرن العشرين؛ حيث قال الإمام حسن البنا: "الواقع أيها الإخوان أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري، التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى، واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب، ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات، هذه الأحوال كلها تتجلى للباحث أنها تتطابق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم، ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظامًا آخر" (رسالة المؤتمر الخامس 1357 هـ).

 

فقد أصبح لزامًا على كل فرد في الدعوة مكلف المثول طواعيةً لله؛ لتأدية الفريضة الإلهية والفرضية الوطنية، أو بدافعين أحدهما ديني وطني والثاني شخصي، أن يفرِّق بين ما يحلوا للجميع أن ينطق به أنه نائب الشعب، بل إن الصحيح الذي يطلق عليه أو كما أظن أنه خادم للشعب مكَّلف بالطاعة والأمر؛ لتأدية واجبه نحو من ساندوه وأعطوه أغلى ما في حياته.

 

ولكن إذا نظرت إلى تقييم أداء الإخوان في المرات السابقة والتي قبلها- برغم تغيير العدد من 17 مقعدًا من إجمالي سبعين مرشحًا خاضوا الانتخابات تحت شعار (الإسلام هو الحل) إلى 88 مقعدًا لتأكيد نفس الشعار- فإن أداء عام 1995/2000م هو نفس أداء عام 2000/2005م، برغم اختلاف العدد، فإن الأداء واحد لم يتذبذب، وحتى ولو فاز الإخوان بمقعد واحد في الدورة الجديدة، فإن النائب الواحد هذا يستطيع أن يصنع ما لا يقدر عليه نواب الوطني جميعهم!! "مذكرات نائب من مصر (جمال حشمت).

 

الإسكندرية مطلوبة بأي ثمن

موقف استوقفني بمدينة الإسكندرية وهو رسم علامات من الفرحة على وجوه كل من قابلتهم من أهالي منطقة الرمل، وكانوا كلهم قد ذهبوا في مسيرة لدعم مرشح الحزب الوطني عبد السلام المحجوب، وإذا بهم يقولون أخيرًا جاء الفرج، أخيرًا سوف نحيا ونعيش عيش الكرماء مثل الآدميين، أخيرًا سوف يأتي المحجوب ويفعل ما لم يفعل لنا أحد من قبل، فقلت لهم: الأيام سوف تقول من هو النائب الحقيقي الفعال ومن هو نائب "التوك شو".

 

مما لا شك فيه أن دخول نواب ينتمون إلى الإخوان في المجلس يُثري الحياة البرلمانية وينشط الدماء فيها، لكن هذا لا يرضي قيادات الحزب الحاكم، الذين يحاولون بشتَّى الطرق تحجيم الإخوان في المجالس؛ لينفردوا بقرارات غالبًا ما تكون شخصية لغالبية النواب المنتمين إلى الحزب الوطني الحاكم.

 

فقد انزعج نواب الوطني خاصة النائب أحمد عز، الذي صرَّح من قبل لن تفلت الإسكندرية من أيدينا، فهي مطلوب رأسها بأي ثمن مهما كلفنا ذلك، بالفعل وبعد النجاحات المتعددة والإنجازات المتكررة لنواب الإخوان بالإسكندرية قرر الوطني خوض الانتخابات بوزراء حاليين في الحكومة المصونة!!.

 

وكأن النائب الموجود بالمحافظة لن يهزم الإخوان، وها هم فلذات أكباد الحزب الوطني يتوافدون على الإسكندرية للنيل من الإخوان وتكسير عظامهم القوية!.

 

استهل الحزب قص الشريط باللواء- المحافظ السابق- عبد السلام المحجوب الذي (ظقطط) السكندريون بقدومه، وهم لا يعلمون أنه "يولول" لأنه لا يجد من يسانده بدائرة الرمل القوية، واشتكى مُر الشكوى من التجاهل الذي يلاقيه، وأنه بذلك لا يعد بالكرسي في دائرة الرمل "الدائرة الإخوانية".

 

بعض الخبثاء قالوا: وهل إذا نجح المحجوب في الدائرة سوف يحل المشاكل ويقضي عليها؟، قال آخرون: لو أنهم يفكرون كذلك لكان من الأولى أن يحلها وهو على كرسيه بالقاهرة وزيرًا للمحليات في مصر، ثم أخرج لنا المفاجأة الثانية بنزول مفيد شهاب في دائرة محرم بك، ثم كانت المفاجأة الثالثة بنزول وزير النقل علاء فهمي، وكأن الوزراء سوف يأتون بالديب من ذيله وبكراسي الإسكندرية، ونسوا أن الكرسي لا ينفع إلا من كان متعايش مع الأهالي ويعرف طباعهم، أخشى أن يأتوا بالسيدة عائشة عبد الهادي لدائرة المنتزه، وهلم جرا، كل ذلك لأن نواب الإخوان قد سببوا صداع للحزب على مدار الدورة الماضية، والتي قبلها، وعلى سبيل المثال لا الحصر مثل النواب (د. حمدي حسن، وصبحي صالح، وحسين محمد، ومصطفى محمد، والمحمدي سيد أحمد، وصابر أبو الفتوح، وأسامة جادو، ومحمود عطية) فهل سيستطيعون هزيمتهم؟ أشك في ذلك.

 

الإسلام والإصلاح هما الحل

منذ اليوم الأول من وجود الإخوان المسلمين في البرلمان سواء كان في مجلس 84م أو 87م أو 2000م أو آخرها 2005م كانت لهم قضية أساسية يدافعون عنها، التشريعات التي تحمي الوطن، وكذلك الإصلاح السياسي والحريات، وأخيرًا الارتقاء بالتعليم والطب ومستوى دخل الفرد في المجتمع، ورفع العبء عنهم، وأعلن الإخوان منذ اليوم الأول لهم في المجلس، أنهم حضروا ليصلحوا، وليس لنا مصالح خاصة، وهو ما أزعج النواب من الوطني؛ لأن الإخوان أعلنوا أنهم يحملون رؤية منهج الاعتدال الإسلامي ورسالته في مآخذ الأمور، والحكم على الأشياء ومعاملة الآخرين، فلا زيادة يطفو بها كيل القيم ولا نقص يضمحل به أصل الخير؛ لأن الزيادة ترف وسرف، والنقص جفاء وإخفاء ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ (هود: من الآية 88).