ظهر الرجال الثلاثة الذين أداروا حملة الحزب الوطني في الانتخابات البرلمانية في جولتها الأولى 2010م، وهم يتفاخرون بأن خطتهم نجحت نجاحًا منقطع النظير، وأن هدفها الوحيد كان "إخراج الإخوان المسلمين من مجلس الشعب"، وأنهم سيستكملون بقية الخطة في جولة الإعادة بإسقاط الـ27 مرشحًا ومرشحةً الذين تمكنوا من الإفلات، واستطاعوا النفاذ من براثن البلطجية والتزوير (ونسبتهم حوالي 20% من مرشحي الإخوان).

 

لم يدرك هؤلاء حجم الحماقة التي حدثت في حق الوطن والشعب ومجلس الشعب والحزب الوطني نفسه، ولم يشعروا بفداحة الجرم الذي ارتكبوه، ولم يلتفتوا إلى المأزق الخطير الذي صنعوه لأنفسهم بأيديهم، وحق عليهم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ (الحشر: من الآية 19).

 

لقد سيطر على تفكيرهم منذ سنوات قضية واحدة شغلتهم عن كل القضايا، ومسألة منفردة حجبت عنهم رؤية أبعاد المشهد السياسي والحزبي والبرلماني مكتملة.

 

ماذا كانت النتائج التي لم يتوقعوها؟

وماذا كانت التداعيات التي خرجت عن نطاق السيطرة؟

لقد أصبح لمصر برلمانًا لا يعبِّر عن إرادة الشعب، بل هو يترجم إرادة المزورين والبلطجية الذين اغتصبوا إرادة الأمة.

 

لقد فقد البرلمان شرعيته الشعبية تمامًا، ولم يقبل المصريون الذين شاركوا واستطاعوا النفاذ من حصار البلطجية بهذه النتائج المزورة أبدًا.

 

كانت النتائج فاقدة لأي منطق أو عقلانية، ولا يمكن تبريرها بحال من الأحوال، مهما بذل هؤلاء وغيرهم ممن زينوا لهم هذا المسار الإجرامي من جهود؛ لتبريرها وتسويقها محليًّا وعالميًّا.

 

أصبح البرلمان بلا معارضة، برلمانًا للحزب الوطني وحده، يغرِّد فيه كما يشاء دون رقيب ولا حسيب.

 

لقد أسقطوا كل الرموز المعارضة، حتى ولو كانوا من معسكر النظام الذين يحتفظون معه بمساحة من الاختلاف؛ في سبيل تحقيق الهدف الرئيسي، وهو إخراج الإخوان من البرلمان، كانت الآثار الجانبية مدمرّة للبرلمان.

 

لم تحقق أحزاب المعارضة مجتمعة (ورشحت حوالي 500 مرشحًا) إلا 5 مقاعد (بنسبة 1% من مرشيحها)، وكان من المنتظر أن يخوض الإعادة منها- قبل خروج الوفد وقراره الشجاع بعدم المشاركة- 15 مرشحًا (بنسبة 3%)، وبعد خروج الوفد أصبح للمعارضة- ولو نجح جميع مرشحي التجمع في الإعادة- 9 مقاعد فقط في البرلمان، أي 2% من مقاعد البرلمان، وللوطني 98%.

 

أين هذا من برلمان كان للمعارضة فيه مجتمعة حوالي 120 نائبًا (حوالي 27%)؟!!.

 

ثبت للجميع أن الضمانة الحقيقية لتمثيل شعبي يعبِّر عن كل الاتجاهات هو إشراف قضائي تام إلى أن يقتنع النظام أو يرضخ لإرادة شعبية بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإرادته السياسية.

 

وسقطت كل الادعاءات التي ساقها البعض حول "اللجنة العليا للانتخابات"، وأنها قادرة على إدارة الانتخابات في ظل وجود الإشراف الفعلي والتنفيذي لوزارة الداخلية التي أمسكت بكل مفاصل العملية الانتخابية.

 

لقد دمّروا المؤسسة البرلمانية، فماذا عن المؤسسة الحزبية؟!.

لقد أطلقوا رصاصة الرحمة على أية ادعاءات من قِبلهم بأنهم يقبلون بتعددية حزبية حقيقية.
أصبح واضحًا للعيان أنهم لا يقبلون إلا الذيول التابعة لهم، بمثابة أجنحة للحزب الوطني (مثلما يحدث في بلاد أخرى).

 

كانوا يردِّدون الكثير من الأكاذيب حول خطر الإخوان، والأحزاب الدينية التي لا يعرفها لا الإخوان ولا الإسلام ولا مصر، وأن الأحزاب الأخرى مرحَّب بها، ولا بد أن يكون لها نصيب، وكأنهم يوزِّعون الأنصبة على من يشاءون ويحرمون من يكرهون، فإذا بالقرار الذي اتخذه الوفد يطيح بكل هذه الأكاذيب، ويفضح كل تلك الأقاويل.

 

وفي طريقهم المشئوم، ولكي يقعوا في الفخ الذي نصبوه لغيرهم؛ إذا بهم يطيحون بأي احتمال لانتخابات رئاسية قادمة، ستكون انتخابات أشبه بالاستفتاءات، ولن يجد مرشح الحزب الوطني أمامه منافسًا ولو شكليًّا، فها هما حزبا الوفد والناصري يعلنان أنهما لن يشاركا في مهزلة أخرى، وقد امتنع التجمع عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2005، ولا أظن أنه سيقبل بما رفضه من قبل؛ فهل ينافس الرئيس القادم لمصر- أيًّا كان اسمه- مرشح حزب الغد، وحزب العدالة الاجتماعية الذي سيعلن أنه سيصوّت لصالح مرشح الحزب الوطني كما فعل غيره من قبل.

 

لقد ساهمت مشاركة الإخوان المسلمين في الجولة الأولى في إحباط الخطة المبيَّتة؛ لإخراجهم دون مشكلات ودون آثار جانبية، أي بعملية جراحية نظيفة.

 

حاولوا ومعهم بعض المخلصين، إقناع الإخوان بمقاطعة الانتخابات كليًّا، وقبِل الإخوان الفكرة شريطة أن تجتمع قوى المعارضة عليها، فتكون المقاطعة جماعية؛ لتخرج الصورة كما هي الآن: برلمان بلا معارضة فيتراجع النظام.

 

وعندما قررت الأحزاب المشاركة، كان قرار الإخوان هو ضرورة المشاركة وبنسبة معقولة، وصلت إلى حوالي 26% (130 مرشحًا ومرشحةً).

 

ودفعت هذه المشاركة البسيطة أركان الحزب ووزارة الداخلية والنظام كله إلى وضع خطة الإقصاء والإبعاد التي ظهرت نتائجها بعد معركة قاسية، استخدم فيها النظام كل أسلحته من منع مرشحين، وبينهم نواب، من تقديم أوراقهم، ثم شطب مرشحين دون إبداء أسباب، ثم إهدار تام لكل أحكام القضاء التي صاحبت الانتخابات، ثم تقييد الدعاية في معظم المحافظات، وسجن الشباب بحجة الشعارات الدينية، واعتقال حوالي 1500 خلال شهر واحد، ثم التزوير الفج المفضوح الذي صوَّره الشباب والرجال، رغم كل محاولات التعتيم الإعلامي، ومنع المندوبين، وحرمان المنظمات الحقوقية الجادة من مراقبة الانتخابات.

 

كانت النتائج هي: برلمان بلا شرعية لا يعبِّر عن الشعب، ومطعون على دستوريته، وهناك دعاوى كثيرة تم إحالتها إلى المحكمة الدستورية.

 

برلمان بلا معارضة، وأحزاب خارج البرلمان.

 

حياة حزبية مهددة بالانقراض والموات.

 

قوى شعبية يريد النظام محاصرتها، رغم وجودها الحقيقي بترسانة من التعديلات الدستورية والقوانين سيئة السمعة، والانحراف بالتشريع بنية مسبقة للإقصاء والإبعاد.

 

انتخابات رئاسية في مهب الريح.

 

لم يأخذ هؤلاء أية دروس من الانتخابات المأساوية، إذا صحَّ لنا تسميتها بانتخابات، يراهنون على مستقبل الوطن كله لمصالحهم الخاصة والشخصية.

 

خلقوا خطرًا وهميًّا في أذهانهم عن الإخوان، وصدَّقوه وضخَّم لهم بعض العلمانيين والشيوعيين هذا الخطر واختلقوا الأكاذيب، وحاولوا نشرها بكل الطرق.

 

إن الإخوان المسلمين صمام أمن واستقرار، لن يزعجهم كثيرًا وجودهم خارج البرلمان، ولن يستطيع أحد حرمانهم من حقوقهم الدستورية، ولو بنصوص قانونية باطلة يتم تفصيلها عمدًا، ولن يقدر نظام على شطبهم من الوجود ولا إخراجهم من الحياة والمجال العام، ولن يستفزهم أحد؛ للخروج من سياستهم العاقلة والمتزنة، ولن يستدرجهم النظام إلى العنف ولا الفوضى، ولن يستقووا أبدًا بأي قوى خارجية.

 

سيحافظ الإخوان على تماسكهم ووحدة صفهم، وسيظلون يمتلكون الرؤية الواضحة بمنهج واضح، رغم كثافة الضباب الذي ملأ سماء الوطن، وسيظلون بين الناس ومع الشعب، وسيلجئون دائمًا إلى الله عزَّ وجلَّ، يستمطرون رحماته على مصر وشعبها، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)﴾ (الشعراء).

 

أما الحزب الوطني الذي ما زال يتفاخر بإدارته للانتخابات؛ فهل هناك بين صفوفه رجل رشيد يبحث عن مخرج من المأزق الذي وصلت إليه البلاد؟ أشك في ذلك كثيرًا، وإن كان هناك؛ فهم مغلوبون على أمرهم، وهي الحماقة التي أعيت من يداويها.

 

-------------

* عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين.