- صرخات تحذير من انفصال يهدد أمن العرب والمسلمين

- منع المعونات عن المنظات الإسلامية وتسهيلها للكنائس

 

جوبا- أحمد سبيع:

أكد مسلمو الجنوب أن السودان يتعرَّض لمؤامرة دولية تهدف إلى تمزيقه للاستحواذ على ثرواته، ومن أجل وقف أي مد إسلامي لعمق وجنوب القارة السمراء، موضحين أن الشعب الجنوبي لا يعنيه ما يقوم به السياسيون، وأن ارتباطهم بالشمال أمرٌ حيوي وليس فيه نقاش، محذرين في الوقت نفسه من الأطماع الصهيونية التي تهدد الوطن العربي والإسلامي، من خلال السيطرة المتوقعة على جنوب السودان، وبالتالي السيطرة على مياه النيل، وتهديد مصر التي يعتبرها الشعب الجنوبي على مختلف أشكالهم أنها السبب فيما وصلوا إليه؛ لأنها تخلت عنهم منذ البداية.

 

وتعجَّب مَن التقينا بهم من التجاهل المصري الرسمي لما يحدث في الجنوب أو السودان بشكلٍ عامٍ، رغم ما يمثله ذلك من خطرٍ على مصر، ليس بسبب مياه النيل فقط، ولكن لأن السيطرة الصهيونية على الجنوب هي تهديد مباشر للأمن القومي المصري والعربي.

 

يقول المواطن فيصل إدريس ملوال: إن الاستفتاء إن انتهى بالانفصال فإنه يمثل برميل بارود سوف يفجِّر السودان والمنطقة العربية ككل، موضحًا أن تأثيرات الاستفتاء لا يمكن لأحد أن يتوقعها أو يتنبأ بها، مشيرًا إلى أن المسلمين بحكم أنهم من أبناء الشعب الجنوبي وجزء أصيل فيه لن يسمحوا بتهميشهم، سواء كان التصويت لصالح الوحدة أو الانفصال.

 

وأضاف ملوال أنه يتمنى أن تشهد المرحلة المقبلة احترام كلِّ المعتقدات؛ لأن شعب الجنوب متعايش مع بعضه البعض ولا يشعر بأي تفريقٍ يدعمه البعض، مثل الزعم بأن هناك أغلبيةً مسيحيةً وأقليةً مسلمة، ما يؤدي لفصل الجنوب، موضحًا أنه من حقهم كجزءٍ من شعب الجنوب أن يتمتعوا بحقوق الدولة سواء في حالة استمرار الوحدة أو اختيار الانفصال، لأنهم- على حد تعبير السودانيين- "الجلد والرأس"، وبالتالي لا يمكن نزعهم أو عدم منحهم حقوقهم.

 

ويقول تعبان عباس وهو موظف في الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي: إن المسلمين جزء لا يتجزأ من أهل الجنوب، وبالتالي فعلى مَن يظن أنه يستطيع أن يهمشهم أن يعيد حساباته.

 

المسلمون قوة

 الصورة غير متاحة

 مسلمو جنوب السودان لا يستبعدون وجود مخططات لإقامة دولة مسيحية

الشيخ جمعة تومبي، أمين المجلس الإسلامي بولاية الاستوائية الوسطى، تحدث مع (إخوان أون لاين) بنبرة تفاؤل، موضحًا أن المسلمين استطاعوا خلال الفترة الماضية الحصول على بعض المكاسب من حكومة الجنوب التي بدأت تقدِّر وضع المسلمين في الجنوب، مضيفًا أنه جرى حوار مطوَّل بين المجلس الإسلامي لمسلمي الجنوب مع رئيس الحكومة، وتم فيه تقديم العديد من الرؤى الخاصة بالمسلمين واستطاعوا في النهاية إقرار حقِّهم كمسلمين في أن يشاركوا في التنمية، ومن حقهم كجزءٍ من شعب الجنوب أن يشاركوا في السلطة والأجهزة التنفيذية وكلِّ الوظائف العامة مثلهم مثل باقي الفئات، كما أنهم حصلوا على حقِّهم في ممارسة الدعوة والتبشير بالإسلام في المساجد والمدارس الخاصة بهم، وبعد مناقشات وافقت الحكومة على ذلك، وقالوا إن هذا شأن المسلمين ولن يتدخلوا فيه.

 

ويؤكد الشيخ جمعة تومبي أن أهم ما حصل عليه المسلمون خلال هذا اللقاء هو إقرار قانون خاص بهم ينظِّم الأحوال الشخصية، طبقًا للقيم الإسلامية مثل الزواج والميراث وباقي الأحوال الشخصية، ومن حقِّهم أن يكون لهم قضاة شرعيون، وفي النهاية وافقت الحكومة على الاقتراح من حيث المبدأ، إلا أنها أرجأت مناقشة التنفيذ لما بعد الاستفتاء، لأنه أيًّا كانت النتيجة سيتم إعادة القوانين سواء كان التصويت مع الوحدة أو الانفصال.

 

وأضاف الشيخ جمعة تومبي أنه في بداية تنفيذ اتفاقية نيفاشا عام 2005م حدثت تجاوزات في حقِّ المسلمين وتم الاستيلاء على بعض ممتلكات المنظمات الإسلامية مثل جامعة القرآن الكريم ومنظمة الدعوة الإسلامية وجامعة أم درمان، وكانت هناك رغبة من بعض أطراف الحركة الشعبية إلى وضع المسلمين في خانة لا يبرحوها حتى يكون تهميشهم أمرًا قائمًا، إلا أن هؤلاء فوجئوا بالواقع بأن المجتمع الجنوبي ليس فيه فرق بين مسلم ومسيحي، وضرب تومبي مثلاً بنفسه، فهو أحد قادة المسلمين وفي كفالته أبناء عمومة مسيحيون يقوم بالإنفاق عليهم، موضحًا أن هذا الموضوع منتشر في كلِّ الجنوب.

 

وأشار إلى أن التجاوزات التي كانت تحدث معهم وصلت إلى حدِّ الملاحقة والتنكيل بكلِّ من يرتدي جلبابًا عربيًّا والبعض من الحركة الشعبية طالب بمنع الأذان، بل إن بعضهم غالى وطالب بهدم المآذن والمساجد والخلوات في حالة الانفصال.

 

ولا يستبعد الشيخ تومبي أيضًا وجود مخطط خفي لتحويل الجنوب إلى دولة مسيحية تتصدى لانتشار الإسلام في العمق الإفريقي، مشيرًا إلى أن الدولة وطبقًا لمنفستو الحركة الشعبية تقوم على العلمانية إلا أن أصحاب هذا الطرح داخل الحركة الشعبية لا يمثلون أغلبيةً، بينما الداعون إلى تحويل الدولة من علمانية إلى دولة مسيحية حتى ولو من الباطن وبعد فترة من الانفصال هم الأغلبية، كما لا يمنع أن هناك اتجاهًا ثالثًا يدعو إلى أن تكون الدولة شيوعية وهم أقلية لا تذكر ما زالوا على أهداب التصور الأولى للحركة الشعبية التي كانت تطالب بدولة شيعية تواجه الدولة الإسلامية في الجنوب.

 

لماذا الإسلام؟

 الصورة غير متاحة

مسلمو جنوب السودان أكدوا أن ارتباطهم بالشمال لا يمكن التخلي عنه

ويلفت خميس سنداني، رئيس بعثة منظمة الدعوة الإسلامية بجوبا، النظر إلى أن هناك نسبة دخول جيدة في الإسلام أسبوعيًّا، موضحًا أن جوبا بها 16 مسجدًا كبيرًا، تقام بها صلاة الجمعة وتشهد هذه المساجد كل جمعة إعلان من 10 إلى 15 جنوبيًّا إسلامهم في المسجد الواحد كلَّ أسبوع، أي أن عدد الداخلين الإسلام في جوبا وحدها حوالي 60 شخصًا، وهو رقم كبير، وفي المقابل ورغم الإغراءات التي تقدمها الكنائس فإنهم لم يسجلوا حالاتٍ ُتذكر لردة المسلمين عن دينهم، مشيرًا إلى أن هذا معناه أن المسلمين ينتشرون رغم أنف مَن يريد منع ذلك.

 

ورصد سنداني أسباب ارتفاع نسبة الدخول في الإسلام إلى المدارس والخلوات الإسلامية التي تنتشر في الجنوب، إضافةً إلى المسلمين أنفسهم الذين يقومون بالدعوة إلى الله، فضلاً عن المعاملات اليومية التي توضح قيمة الإسلام، وكيف أنه دين يحترم الجميع؟، هذا بالإضافة إلى المسلمين القادمين من أوغندا وإثيوبيا وكينيا والصومال، موضحًا أنه إذا كان أصحاب منهج الانفصال أرادوا التصدي للإسلام القادم من الشمال وهو دولة واحدة، فإن الله فتح على الجنوب بخمس دول بها مسلمون يعرفون تعاليم دينهم جيدًا، وقد أثَّر هؤلاء بشكلٍ كبيرٍ في المواطن الجنوبي، وخاصةً الأوغنديين الذين لهم وجود محترم في كل ولايات الشمال.

 

وانتقد سنداني هشاشة مشاركة المسلمين في المناصب الحكومية، موضحًا أن هناك وزيرًا مسلمًا واحدًا في الحكومة الجنوبية، وهو وزير الموارد المائية بولاية الاستوائية، مشيرًا إلى أن السبب يرجع إلى أن المسلمين أنفسهم يتحملون المسئولية لأنهم لم يشاركوا في العمل الحزبي سواء قبل اتفاقية السلام أو بعدها؛ ولذلك فإن مسلمي الجنوب أعلنوا التحدي خلال المرحلة المقبلة لفرض أنفسهم في المجتمع الجنوبي سواء مع الوحدة أو الانفصال، من خلال مشاركتهم في الأحزاب القائمة أو إنشاء حزب سياسي خاص بهم؛ لإثبات هويتهم وأنهم رقم صعب في المعادلة السياسية لا يمكن تجاهله.

 

وحول مواجهة مخططات التبشير التي يشهدها الجنوب أكد سنداني أن هناك مشكلةً تواجه المنظمات الإسلامية العاملة في الجنوب وهي وقف التمويل وتجفيف المنابع الخاصة بدعم مشروعاتهم بعد أحداث 11 سبتمبر، بينما الوضع يختلف مع الكنائس التي تحصل على معونات شهرية من الغرب لدعم حملات التبشير بين صفوف أهل الجنوب.

 

مخططات دولية

ويضيف الحاج ميري أحد شيوخ المسلمين في الجنوب، أن هناك إشكاليةً حقيقيةً لا تواجه المسلمين فقط وإنما تواجه الجنوب كلَّه، وهي شكل الحكم في حالة الانفصال، خاصةً أن مصالح عديدة تتحكم في الجنوب، فهناك الولايات المتحدة وهناك الكيان الصهيوني وكذلك أوغندا وكينيا وإثيوبيا، وكل جهة من هؤلاء لهم مَن يدعمهم في الحكومة، بالإضافة إلى الخوف المتوقع من نشوب حرب من بعض الشخصيات التي تستفيد من الحرب، وبالتالي فإن الوضع ليس جيدًا بالمرة ومتوقع أن يشهد الجنوب أزمات عديدة.

 

وفيما يتعلق بعدد المسلمين في الجنوب قال ميري: إن هذا الأمر يصعب تحديده، فليس هناك إحصائية سواء بعدد المسلمين أو المسيحيين، كما استبعد معرفة رأي المسلمين وتصويتهم لصالح الوحدة أو الانفصال، ونفس الأمر مع المسيحيين، موضحًا أنه ليس هناك أي استطلاع يُذكَر حول موقف الشعب الجنوبي، خاصةً أن الشعب الجنوبي بمسلميه ومسيحييه غير مهتم بالسياسة.