حسن القباني

 

إن تعجب فعجب من التحليلات التي خرجت من الغرف المكيفة والتصريحات الحكومية المصرية عقب انتصار الانتفاضة التونسية على نظام الطاغية "بن علي"، والتي كان لا همَّ لها إلا النفي والتعجيز والإحباط والتفلسف والتنظير الفارغ من المضمون عن مستقبل الحراك المصري، وبدت الحكومة كأن تحت أقدامها هزة أرضية، وبدا بعض المحللين وكأنهم يفرون من الحقائق الجديدة التي رسختها تجربة تونس.

 

هذه الحقائق انتشرت بتلقائية في أوساط الشارع المصري، حتى إن المرء يندهش من قوة المعاني التي ترسخت في وجدان الشعب عقب الانتفاضة والتي تحدثوا بها في كل مكان، وبالطبع رصدتها أجهزة الرصد المعنية، والتي أحست بمغص معوي حادٍّ جراء محاولة مواطن مصري حرق نفسه أمام البرلمان صباح الإثنين 17 يناير 2011م، وتحركت فيها بطريقة غير معهودة على حكومة الحزب الوطني بليدة الإحساس.

 

المواطن البسيط قبل المثقف يتحدث الآن عن أمانيه في إزاحة الفساد من مصر وتداول السلطة ورحيل المستبدين، وهي أمانٍ ممكنة في ضوء تجربة تونس ومشروعة بحكم القانون والدستور، إلا إذا أقدم الحزب الحاكم على تغيير الدستور والقانون في الساعات القليلة المقبلة.

 

إن النظام المصري- إن عاجلاً وآجلاً- سيحصد ما بذره في الأرض المصرية إن خيرًا فخير، وإذا كان شرًّا فشر، ولكن في نفس الوقت هناك خوف وطني مخلص من استمرار القمع الحكومي ضد الشعب؛ لأن الانفجار اللحظي الذي لا يعلمه إلا الله، ودون قيادة، أو لائحة مطالب مسيّسة، تهدف المصلحة العليا بعيدًا عن المصالح الفردية، أو المطالب الفئوية والجزئية؛ معناه تهديدنا جميعًا، وتكبيد الوطن حصائد غباء الأجهزة الفاسدة التي يخرج من عباءتها ميليشيات النهب والقتل والترويع في ساعة النصر.

 

إن هذا الخوف الوطني من المهم أن يتلقفه المخلصون في الأجهزة المعنية في أسرع وقت؛ كي يدفعوا التعامل الرسمي إلى طريقة جديدة تنبع من المفاهيم الوطنية الخالصة، وتحترم إرادة الشعب المصري ومطالبه، في إطار من سيادة القانون، وحقوق الإنسان.

 

وإن لم يستجب النظام الحاكم للحق في اللحظة المناسبة، وهي لا تحتمل التأخير، فإن الأوضاع سائرة على ما هي عليه، والاحتقان سيظل تراكمه المقلق في تصاعد بين صفوف الشعب، والغضب المتفرق على مطالب جزئية من شأنه أن يتوحد تحت الضغط في لحظة قد تصنع التغيير.

 

نريد أن نلفت الانتباه إلى حقيقة يجب ألا نتجاوزها تحت فرحة النصر في تونس، وهي أن ثورة تونس ليس هي التي ستفجر الأوضاع في مصر؛ لأن النظام المصري الحاكم تكفل بهذا منذ فترة بيده وبآلته الإعلامية وحاشيته الذين غالطوه كثيرًا، ولأن أيضًا الشعب المصري كسر قيودًا كثيرةً خلال السنوات الأخيرة، بفضل حراكه في الشارع، ومطالبته الفئوية والسياسية المحدودة، ورسالة تونس هي بمثابة طاقة أمل فحسب، وليس محرضًا له على المضي قدمًا في طريق الإصلاح.

 

إن المستقبل المصري في ظني بعد انتفاضة تونس، وهي مرحلة تصلح للتأريخ؛ معلق على مدى فهم النظام الحاكم لدوره من جديد ومدى تجاوب القوى السياسية مع آمال الشعب وحقوقه عبر نضال يجب أن يتواصل لإقرار أماني كل أبناء مصر في وطن آمن، وحياة تقوم على مبادئ سيادة القانون.