تمر بنا هذه الأيام الذكرى العاشرة لوفاة رجل عزيز على أنفسنا حبيب إلى قلوبنا، فقدت الدعوة الإسلامية المعاصرة بموته عَلمًا من أعلامها، وكوكبًا من كواكب الهداية في سمائها؛ لأنه عاش حياته لخدمة الإسلام ومات وهو يدافع عن قضايا الإسلام، إنه الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي- عليه رحمة الله ورضوانه-.

 

لقد شقَّ قلمه المضيء حجب ظلمات الجهل والبعد عن الله ما يزيد على نصف قرن، فاستضاءت أجيال متعاقبة بهذا القلم الصَّيِّب والكلم الطيب، وقد وجدت هذه الأجيال بغيتها عنده، فأصغى لدرر محاضراته الملايين من المسلمين في المشارق والمغارب، وأخرجت المطابع هذا الكلم الرفيع كتبًا ورسائل ومقالات دبجها يراع داعيتنا الكبير تُزوِّد جيل العودة إلى الله بالبحث والحوار العلمي والتوجيه إلى طريق الرشد في ظل القرآن وتحت رايته.

 

عُرف الشيخ بنصحه للمسلمين وترشيده لمسار الدعوة إلى الله عز وجل، وأطلق العنان للدعاة يوم كان مسئولاً عن الدعوة في وزارةِ الأوقاف، وله جولاته في مقاومةِ الزحف الأحمر والمد التنصيري، وقد جأر في وجه التيار العلماني الذي حاول سلخ الأمة من عقيدتها وشخصيتها المتميزة، ووقف مع الأزهر ذائدًا عن حماه، عاملاً على إحياء رسالته.

 

طوف العالم الإسلامي الواسع فعمل بالمملكة العربية السعودية بجامعة الملك عبد العزيز وجامعة أم القرى سبع سنوات، ودافع عن السعودية وعن مؤسسيها، ولكن بعد مغادرته لها حتى لا يُتَّهم، وأبان للعالم أنها دولة دعوة، وعمل في قطر، فساهم في بناء كلية الشريعة هناك، وفي الكويت كانت له لقاءات دورية أفاد بها كثيرًا من المسلمين وعرفته المؤتمرات في أوروبا وأمريكا وفي مشرقنا الإسلامي العريض، كما ذهب إلى الجزائر ليعمل مديرًا لجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة والتي بدأها بكلية واحدة في حين أنها الآن تضم كليات تنتظم الجزائر كلها.

 

لقد كرس حياته كلها في خدمة الدعوة الإسلامية، والجهاد من أجل إعادة الهوية العربية والإسلامية لكثير من شعوب العالم، على رأسها مصر والجزائر، قضى ما يزيد على شطر حياته الأول في محاربة الاستبداد السياسي، وبيان مكائد الاستعمار، والتحدي للتيار العلماني والزحف الأحمر، وصد طعنات المستشرقين وسماسرتهم في القرآن والسنة، وتوضيح معالم الإسلام، وإرساء قواعد الدعوة إلى الله تعالى، بينما كان شطر حياته الثاني مركَّزًا في محاربة الفهم المغلوط للإسلام، والإنكار الشديد على العقول السقيمة والفكر السطحي والفقه البدوي الذي يصطلي بشُواظٍ من نارٍ أُفْعم بها قلب الشيخ وقلمه ولسانه.

 

كان- رحمه الله- لا يستريح للعقول المعتلة، ويضيق ذرعًا بالآفاق الضيقة، فمن أقواله: "الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء، وقد انتمت إلى الإسلام أمم فاقدة الوعي عوجاء الخطى قد يحسبها البعض أُممًا حيةً ولكنها مغمى عليها.. والحياة الإسلامية تقوم على فكرٍ ناضرٍ.. إذ الغباء في ديننا معصية".

 

ويحتد كثيرًا- ولا ينبغي أن تهدم الحدة ما بنته الفطنة- على الطباع الغليظة الجافة، والقلوب المتكبرة القاسية، ومن أقواله: "أكره أصحاب الغلظة والشراسة، لو كان أحدهم تاجرًا واحتجت إلى سلعةٍ عنده ما ذهبت إلى دكانه، ولو كان موظفًا ولي عنده مصلحة ما ذهبت إلى ديوانه، لكن البلية العظمى أن يكون إمام صلاة أو خطيب جمعة أو مشتغلاً بالدعوة، إنه يكون فتنة متحركة متجددة يصعب فيها العزاء".

 

وقال أيضًا: "إذا لم يكن الدين خلقًا دمثًا ووجهًا طليقًا وروحًا سمحةً وجوارًا رحبًا وسيرةً جذابةً فما يكون؟! وقبل ذلك إذا لم يكن الدين افتقارًا إلى الله، وانكسارًا في حضوره الدائم، ورجاء في رحمته الواسعة، وتطلعًا إلى أن يعم خيره البلاد والعباد فما يكون؟!".

 

 الصورة غير متاحة
تخرَّج على يديه الكثير من المفكرين والعلماء، فقد نجح- رحمه الله- في تكوين مدرسة فكرية انطلق منها العديد من أعلامِ الع