لقد كان مولدك الكريم إيذانًا بانفلاقِ الإصباح في الظلمات، وبزوغ للضياء في الآفاق، وقد عمت الأكوان بشائر وآيات جرت بها الحداة والركبان.

سرت بشائر بالهادي ومولده      في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم

بشائر للإنسانية المشوقة للعيش في سلام وأمان بشائر أقرت العدل وزرعت كرامة الإنسان في الأرض، وحررت الناس من عبادة الإنسان وردتهم إلى عبادة الديَّان، وصدق الصحابي ربعي بن عامر حين سأله قائد الجيوش الفارسية: "ما جاء بكم؟" فقال: "جئنا لنخرج الناس من عبادةِ العباد إلى عبادةِ الله، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، وكان قوله- رضوان الله عليه- ينم عن دراسةٍ لأحوال هذه العروش المهلكة للحياة البشرية والباغية على الإنسانية في هذا الزمان الملعون.

 

مسيطر الفرس يبغي في رعيته     وقيصر الروم وكبر أصم عم

يعـذبان عباد من في شيـه        ويذبحون كما ضـحت بالغنم

والخلق يفتك أقواهم بأضعفهـم     كاليث بالهم أو كالحوت بالبلم

 

ولقد كان ميلاد الرسول- صلى الله عليه وسلم- انقلابًا أراد الله أن يمتن به على الإنسانية وهكذا ظهور المرسلين يكون منا وفضلاً على البشرية، وقد نطق القرآن به في كثير من الآيات التي تحدثت عن جبابرة الأرض الذين حولوها إلى مسبعة تراق فيها الدماء وتلتهم الأجساد وتفسد الحياة، وقد ذكر القرآن ذلك في لوحه رائعة في قصة فرعون وموسى فقال سبحانه ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾ (القصص) إلخ.. فمَنَّ الله على المستضعفين بموسى عليه السلام، فكان انقلابًا في الحياة والزمان وإزالة للبغي والعدوان وإقرار الحق، فقال تعالى مبينًا هذا المن على الإنسانية المستضعفة، بقوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾ (القصص)، وكان هذا المن هو الرضيع الذي كان ينتظره فرعون، ولكن إرادة الله نافذة رغم الجبارين والمبيرين وبدأ بروز المن بقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾ (القصص).

 

وجاء هذا الانقلاب بأن جعل المستضعفين أئمة وورّثهم الأرض ومكنهم منها وباد فرعون ومن معه، وقيل الحمد لله رب العالمين.

 

وكان الانقلاب الذي أحدثه ظهور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المجتمع الإنساني كان أغرب ما في تاريخ البشرية. كان غريبًا في كل شيء، غريبًا في سرعته، وفي عمقه وسعته وشموله، ووضوحه، وقربه إلى الفهم.

 

وقد عبَّر القرآن عن هذا الانقلاب بل قل هذا الإحياء الذي عم الإنسانية بقوله تعالي الواضح ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ....﴾ (الأنفال: من الآية 24).

 

وبين الفرق بين تلك الإحياءة وبين هذا الموات الذي كان حطامًا وترابًا فقال ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ...﴾ (الأنعام من الآية 122).

 

وما كانت حياة الإسلام أي حياة، وإنما كانت مع ذلك إحياءة خلقية، وإنسانية وعقلية، وبعثًا للضمير وإخلاصًا في التوجه والقصد والأمانة ومراقبة الله سبحانه في كل وقت وحين.

 

حدث الطبري قال: لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأسلاب أقبل رجل بحُقٍّ معه فدفعه إلى جامع الأسلاب وكان كثيرًا فقال والذين معه ما رأينا مثل هذا قط، ما يعد له ما عندنا وما يقاربه، فقالوا: هل أخذت منه شيئًا؟ فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به، فعرفوا أنَّ للرجل شأنًا، فقالوا: مَن أنت؟ فقال: لا والله لا أُخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه، فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو "عامر بن عبد قيس".

 

نعم يا نبي الهدى وزعيم أولي العزم وخير البشرية وأمامها فالدنيا كلها مشوقة إليك، سلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيًا، يا مَن جمعت صفات الخير والكمال والهداية والنور فأنت. 

1- هداية الله من السماء إلى الأرض:

مشيئة الله الخالق الباري وصنعته    وقدرة الله فوق الشك والتهم

 

2-  وحي الله إلى الناس:

والوحي يفطر سلسلاً من سلسل    واللوح والقلم البديع رواء

3- نور الشريعة في جنبات الحياة:

دين يشّيد آية في آية         لبنائه السُّورات والأضواء

4- راعي الحق والعدل وكرامة الإنسان:

الحق فيه هو الأساس وكيف لا        والله جل جلاله البناء

5- صاحب الخلق والشمائل العظيمة:

بنيت لهم من الأخلاق ركنًا        فخانوا الركن فانهدم اضطرابًا

6-  رائد العطاء والسخاء والرحمة:

وإذا سخوت بلغت بالجود المدا       وفعلت لم تفعل الأنواء

7-  خير من جاء إلى الوجود:

يا خير من جاء الوجود تحية        من مرسلين إلى الهدي بك جاءوا

8-  عز النبوة وجلال القدوة:

هم أدركوا عز النبوة وانتهت   فيها إليك العزة القسعاء

9-  بشري الأنبياء والمرسلين:

بك بشَّر الله السماء فزينت       وتضوعت مسكًا بك الغبراء

10- أمير المرسلين ورائد الدعاة وإمام الهداة:

المصلحون أصابع جمعت يدًا     هي أنت بل أنت اليد البيضاء

11- معلم المجد والعزة والسؤدد: 

خططت للدين والدنيا علومهما       يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم

12- هادم الظلم والبغي ومحرر الإنسان:

والشر أن تلقه بالخير ضقت به     ذرعًا وأن تلقاه بالشر ينحسم

13-  قائد المجاهدين وناصر المظلومين:

تخطْفتَ مهج الطاغين من عرب       وطيَّرتَ أنفس الباغين من عجم

ذعرت عروش الظالمين فزلزلت       وعلت على تيجانهم أصداء

14- صاحب العزم الحديد والصبر المديد:

لو خلقت قلوب من حديد         لما حملت كما حمل العذابَ

15- قدوة العباد والبررة والعارفين:

محيُ الليالي صلاة لا يقطعها         إلا بدمع من الإشفاق منسجم

16- هو رسول الله محمد:

فمبلغ العلم فيه أنه بشر         وأنه خير خلق الله كلهم

17- خير من شرَّف الوجود وأفلق الإصباح:

يا خير من جاء الوجود تحية    من مرسلين إلي الهدي بك جاءوا

18- أفضل من أحيا موات الأمم:

أخوك عيسي دعا ميتًا فقام له   وأنت أحييت أقوامًا من العدم

19- هادم الأصنام:

أتيت والناس فوضى لا تمر بهم         إلا على صنم قد هام في صنم

والأرض مملوءة جورًا مسخرة          لكل طاغية في الخلق محتكم

20- معلم الكتاب ومبدد الجهالة:

والجهل موت فإن أوتيت معجزة            فابعث من الجهل أو فابعث من الرَّجَمِ

كيف نكتب في سيرتك وهي عز النبوة، وجلال الرسالة، ونور الهداية، ولكنها محاولات حبين.

سى الله سبحانه أن يهدي القلوب، ويبعث العزائم. آمين آمين

وما للمسلمين سواك حصن          إذا ما الضرب مسهم ونابا

ودعاء كل مخلص إلى الله سبحانه وتعالي أن ينفع بهديه المسلمين وإن يسبغ عليهم فضله وهداه:

يا رب أحسنت بدء المسلمين به فتمم الفضل وامنح حسن مختتمًا، أظن المسلمين اليوم في حاجةٍ تنقذهم أفضل من رجوعهم إلى الله، وسيرهم على سنن رسوله واتباعهم لشرعه وهديه حتى يستجيب رب العباد لبثنا الحزين ولوعتنا الحائرة وأملنا ورجائنا فيه وفي ورسوله.

فقل لرسول الله يا خير مرسل       أثبك ما تدري من الحسرات

شعوبك في شرق بلادي وغربها       كأصحاب كهفٍ في عميق ثبات

بإيمانهم نوران ذكرٌ وسنة        فما بالهم في حالك الظلمات

وذلك ماضي مجدهم وفخارهم      فما ضرهم لو يعلمون لآتي

فقل رب وفق للعظائم أمتي      وزين لها الأفعال والعزماتِ